يرى بعض المحللين أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بيده العديد من الأوراق لزعزعة الاستقرار في أوروبا على الخط الممتد من البحر الأسود وصولا إلى بحر البلطيق، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”.
وتتضح محاولات موسكو في الرغبة في إثارة الكثير من القلاقل والنزاعات، بحسب بعض الخبراء، من خلال حشدها لقوات عسكرية كبيرة على أوكرانيا.
وفي هذا السياق، قال ماثيو كروينيغ من مركز سكوكروفت للاستراتيجيات والأمن التابع للمجلس الأطلسي، لمجلة فورين بوليسي أن هناك مخاوف مبررة من استمرار زيادة أعداد الجنود الروس بالقرب من أوكرانيا، والذين يقدر أعدادهم حاليا بنحو 100 ألف جندي.
وأضاف أن “القدرة على الغزو موجودة، وهي ليست موضع شك، حيث يرغب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بإعادة دمج أوكرانيا في روسيا الكبرى، والتي يأمل أن تكون بتكلفة معقولة”.
ويرى كروينيغ “أن بوتين قد يعتقد أنه من الأسهل احتلال أوكرانيا، خاصة وأنه ليس من الواضح ما يمكن للغرب فعله لمنعه من ذلك، وهو ما يجعل عملية الغزو مغرية في عيون بوتين”.
كما أن محاولات زعزعة الاستقرار التي يقودها بوتين، تتجلى في دعم موسكو لرئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو، في أزمة المهاجرين التي وصفها بعض مسؤولي الاتحاد الأوروبي بأنها “حرب هجينة ذات أغراض متعددة”.
وما يزيد من مخاوف الاتحاد الأوروبي، أن يقدم الرئيس الروسي على إيقاف إمداد دول القارة العجوز بالغاز الطبيعي كورقة ضغط عليها مع اقتراب دخول فصل الشتاء القارس.
وكان بوتين، قد قال في خطاب ألقاه، الخميس، أثناء اجتماع موسع عقد في مقر وزارة الخارجية الروسية: “إن التطورات في البحر الأسود تتجاوز كل الحدود. تحلق طائرات استراتيجية (للناتو) على مقربة 20 كلم عن حدودنا، وهي تحمل سلاحا خطيرا كما هو معروف”، بحسب موقع “روسيا اليوم”.
وأشار إلى أن “التحذيرات الروسية في الآونة الأخيرة تؤتي ثمارها وخلفت حالة من القلق لدى الغرب”، مضيفا: “هناك نقطتان، أولهما هي أنه يجب أن تستمر حالتهم هذه لأطول وقت ممكن، كي لا يخطر في بالهم تأجيج نزاع لا نحتاج إليه عند حدودنا الغربية.. والثانية هي أنه يجب طرح مسألة تقديم الناتو ضمانات أمنية ملموسة وطويلة الأمد إلى روسيا”.
تثير الحشود العسكرية الروسية بالقرب من أوكرانيا المخاوف في واشنطن، فيما تستحوذ خطوات بيلاروس الاستفزازية المتزايدة ضد الاتحاد الأوروبي تستحوذ على المزيد من الاهتمام، وفق تحليل نشرته مجلة فورين بوليسي.
ويرى ديمتري ترينين، رئيس مركز أبحاث مركز كارنيجي في موسكو، فإن الوضع الحالي بالنسبة لروسيا يعد شبيها لأزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962، عندما كان الرئيس الأميركي آنذاك، جون كينيدي، مستعدًا للمخاطرة بحرب نووية لمنع الاتحاد السوفيتي من إقامة قاعدة عسكرية مقابل ساحل فلوريدا.
وبالتالي فإن هذه المرة قد يكون بوتين هو من مستعد لشن حرب نووية إذ” هدد الغرب حدود روسيا الغربية”، بحسب كلام ترينين.
وأوضح باحثون في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي في واشنطن هذا الشهر أن “الكرملين ينظر بشكل متزايد إلى أوكرانيا على أنها حاملة طائرات غربية” متوقفة على الحدود الجنوبية الغربية لروسيا.
وقال ترينين عن نهج بوتين الجديد: “إنه يعتقد أن الوقت قد حان لتغيير التوجهات في سياسات موسكو الخارجية لأنه يؤمن أن الغرب لا يفهم سوى لغة القوة”.
وبحسب بعض المحللين الروس، فإن قلق الكرملين يزداد كل يوم بشأن احتمال أن يوسع الغرب تواجده العسكري في أوروبا الشرقية، لاسيما في الجمهوريات السوفياتية السابقة ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، والذين هم بالفعل أعضاء في حلف الناتو ويستضيفون قوات غريبة على أراضيهم.
وفي هذا الصدد، كان نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، قد رحب بتصريحات الرئيس الأميركي، جو بايدن، وأكد فيها أن واشنطن تريد علاقات مستقرة مع موسكو يمكن التنبؤ بثمارها.
ولكن ريكابوف أكد بلاده تتوقع “تنازلات” من قبل واشنطن للوصول إلى علاقات مستقرة وتدخل أقل بشؤون ومصالح وموسكو على حد قوله.
وفي المقابل، دعت مستشارة السياسة الخارجية لرئيس ليتوانيا، أستا سكايسغيريت، الولايات المتحدة إلى توخي الحذر بشأن نوايا بوتين، بعد تصريحاته خلال خطابه الأخير والتي قال فيها إن بلاده “محبة للسلام وتسعى إليه”.
وقالت “علينا ألا نكون ساذجين.. وأن نكون يقظين للغاية بشأن ما يفعله بوتين على الأرض وألا نقع في فخ خطابه الأخير”.
وعما يسعى إليه بوتين من أقواله وأفعاله تجاه أوروبا وأميركا، تجيب سكايسغيريت: “ببساطة أنه يريد استعادة أمجاد ونفوذ الاتحاد السوفياتي”.
ولكن ترينين، محلل كارنيجي، يؤكد أن “بوتين ليس لديه اهتمام كبير بغزو واحتلال دول أخرى، بالنظر إلى أن الغزو الروسي لأفغانستان في الثمانينيات قد ساعد في التعجيل بانهيار الاتحاد السوفيتي”.
وأوضح أن “تأمين التزام دولي تجاه أوكرانيا كدولة محايدة، مع منح شرقها الموالي لروسيا بعض الحكم الذاتي، يمثل أولوية حاسمة بالنسبة للكرملين”.
مصدر المقال : اضغط هنا