هل يغتنم الرئيس الاميركي دونالد ترامب مسألة تفشي جائحة كورونا لينتقم من الصين ويطالبها بالتعويض؟
السؤال يبدو منطقيا جدا، وواقعيا جدا، بالنظر الى تاريخ الرجل الحافل بالعداء تجاه القوة الاقتصادية العالمية الصاعدة، والتي تشكل المنافس الأقوى للهيمنة الأقتصادية الأميركية. فوصف الرئيس ترامب لوباء كورونا ب ” الفيروس الصيني” ، ووصف وزير خارجيته له ب ” فيروس ووهان” ، وخطاب الكراهية غير المسبوق بين الشعبين الأميركي والصيني وتحميل الأول للثاني مسؤولية تفشي الوباء عالميا، على منصات التواصل الاجتماعي، يمهد الأرضية لإطلاق المطالبة بتعويضات مجزية للاقتصاد الأميركي، الذي ضاعف معاناته تفشي الفيروس في أرجاء البلاد، فضلا عن المزاحمة الصينية له، رغم الحرب التجارية وسلة الضرائب الجمركية غير المسبوقة التي فرضها الرئيس ترامب على السلع الصينية المستوردة. فتاريخ الولايات المتحدة الأميركية وشعبها بالمطالبة بالتعويضات المالية مشهود له ومرير مع الأنظمة والدول والمنظمات والشركات التي تسببت بالأذى المادي أو الجسدي لهما، والاختصاص القضائي العالمي الذي تتمتع به محاكمها يشكل عصا غليظة لم ولن تتردد في استعمالها، في سبيل تحقيق أهدافها التي عجزت عنها من جراء الحرب التجارية التي خاضتها مؤخرا مع غريمتها الشيوعية التي تهدد بإزالتها عن عرش الاقتصاد العالمي الذي جلست عليه طويلا.
مسألة شائكة في القانون الدولي
تشكل مطالبة الولايات المتحدة الأميركية لجمهورية الصين الشعبية بالتعويض عن الحاقها الضرر الجسيم بها، على صعيد إزهاق الأرواح أو تكبيد شركاتها واقتصادها وقطاعات إنتاجها خسائر فادحة ، في حال حصولها، مسألة شائكة ولم يسبق أن طرحت في القانون الدولي، إذ أن فقهاء هذا القانون ما يزالون منقسمين لناحية تحميل الدولة المسؤولية عن الأضرار الناجمة عن غير الأعمال الحربية. فيقول بعضهم بأنه يكفي أن تكون الدولة هي السبب في وقوع الضرر ، من الناحية الموضوعية، لإثارة مسؤوليتها، وإن فكرة المسؤولية تبدأ بضرر وتنتهي بتعويض، دونما حاجة لوجود رابطة ضرورية بين نقطة البداية ونقطة الوصول، فيكتفى لتقرير مسؤولية الدولة أن ثمة ضررا قد حصل لشخص دولي من قبل شخص دولي آخر . في حين يرى آخرون أن ليس كل عمل ضار لا يشكل حتما إخلالا بالقانون الدولي، ومن ثم لا يرتب لزوما مسؤولية قانونية. فقد يكون تصرف الدولة مشروعا تماما، ومع ذلك يوقع ضررا بمصالح دولة أخرى بالمعنى الواسع لهذا التعبير.
لعب دور الضحية
الإجراء الذي قد تلجأ اليه حكومة الولايات المتحدة، أو أحد مواطنيها، هو لعب دور الضحية البريئة التي تطالب بالتعويض عن الأضرار التي نتجت عن فعل أو امتناع عن فعل صادر من نشاط مارسته الحكومة الصينية، وإن إثبات مصدر ذلك الضرر ، في جائحة كورونا، جلي ولا لبس فيه، الأمر الذي سيدفع بالمحاكم الأميركية ، برأينا، إلى تطوير وتوسيع قواعد المسؤولية الدولية على أسس جديدة ملائمة، لأن قواعد المسؤولية التقليدية الدولية أصبحت عاجزة عن تحقيق العدل الذي يبقى الهدف الأساس لأي قانون.
الإكتفاء بركن الضرر
ثمة ندرة في الأحكام القضائية الدولية التي اعتمدت نظرية المخاطر في ترتب المسؤولية الدولية على عاتق الدولة صاحبة النشاط غير المحظور. والذي أضر بدولة أخرى. وهذا مرده إلى تخلف القانون الدولي عن مجاراة تطور العلاقات الدولية وتشابك المصالح الآخذ في الازدياد، فضلا عن غياب التضامن بين أشخاص القانون الدولي، والإكتفاء بتنسيق المصالح، وتسوية النزاعات وفقا لها، مع غياب سلطة تشريعية دولية عليا، ولكون القانون الدولي هو قانون إتفاقي وعرفي في أغلب أحكامه. غير أن هذا الأمر لن يقف عائقا أمام المحاكم الأميركية، التي تعتمد في الجانب الإجرائي على القانون الاتحادي لتؤسس مبدأ الإختصاص القضائي العالمي، وهي تعترف بالصلاحية القانونية العابرة للحدود، وقد لا تشترط في هذه المسألة توافر عنصر الخطأ ، من قبل الحكومة الصينية، بل الاكتفاء بركن الضرر والعلاقة السببية بين الضرر والفعل الضار الذي يسببه شخص دولي لشخص دولي آخر، لتقرير مسؤوليته الدولية ومطالبته بالتعويض. وسيدفع هذا المنحى الحكومة الأميركية الى إثارة مسؤولية الصين أو الى تبني مطالب مواطنيها وإلزام الصين بأداء التعويضات المتوجبة للحكومة الأميركية عن الأضرار التي لحقت بإقتصادها ومواطنيها جراء تفشي فيروس كورونا.
سابقة قضائية أميركية
لقد سبق لإحدى المحاكم الأميركية أن قضت، في قضية مسبك للزنك والرصاص أنشأته كندا عام ١٨٩٦ على حدودها الجنوبية المحاذية للولايات المتحدة الأميركية، ولمسافة ١٥ كلم داخل الحدود الكندية، والذي تسبب بأضرار جسيمة للمزارعين الأميركيين والإقتصاد الأميركي نتيجة لتضرر المحاصيل الزراعية بالأبخرة والأدخنة السامةالمنبعثة من المصنع نظرا لإحتواء تلك الأبخرة على غازات مشبعة بالكبريت، ” انه وفقا لقواعد القانون الدولي وقانون الولايات المتحدة الأميركية، فإنه لا يجوز لأية دولة أن تستعمل إقليمها أو تسمح بإستعماله بطريقة ينتج عنها وصول غازات ضارة إلى إقليم دولة أخرى، بحيث تحدث أضرارا بذلك الإقليم، أو بالممتلكات، أو بالأشخاص الموجودة عليه، بحيث تكون هذه النتائج على جانب من الجسامة وأمكن إثبات الضرر بطريقة واضحة ومقنعة”. وألزمت الحكومة الكندية بدفع التعويضات للحكومة الأميركية عن الأضرار التي تكبدها مواطنوها والناجمة عن نشاط المسبك. إن تبني تلك المحكمة لنظرية المخاطر ، أو المسؤولية الموضوعية ، دون اشتراط خرق التزام دولي إتفاقي أو عرفي ، كما يرى أغلب الفقه الدولي ، يؤشر على وجود تلك النظرية في أحكام القضاء الدولي ، وإن هذا القضاء ذو طبيعة تطورية تواكب مستجدات الحياة الدولية ، وليس مستبعدا أن يلزم الدولة المسببة بتفشي الوباء بالتعويض في يومنا الحاضر .
حان وقت الإنتقام؟
ستسعى الولايات المتحدة الأميركية ، دون هوادة ، الى الاستفادة القصوى من هذه الفرصة الذهبية لتسديد لكمة قوية تحت الحزام وتصفية حساب طال انتظاره مع الصين التي تستبدل وروسيا احتياطاتهما من الدولار بالسبائك الذهبية، وباستعمال اليوان الصيني في جزء متنام من مبادلاتهما. إن الولايات المتحدة تعيش على القروض وعلى حساب بقية العالم، من خلال فرض التعامل بالدولار الأميركي في التجارة الدولية، ولكن الى متى؟ وبحسب دراسة قام بها مكتب PWC للتدقيق بعنوان ” العالم سنة ٢٠٥٠: كيف سيتغير الاقتصاد العالمي في السنوات الثلاثين المقبلة؟ ” فإن ” الدول الناشئة ” ( الصين، الهند، البرازيل، أندونيسيا، المكسيك، روسيا، تركيا) يمكن أن تشكل ٥٠ ٪ من الناتج الإجمالي العالمي سنة ٢٠٥٠ ، بينما ستنخفض حصة السبعة الكبار ( الولايات المتحدة، كندا، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان ) الى ٢٠ ٪ ، فهل حان وقت الإنتقام وتصفية الحساب بين الجبارين الإقتصاديين؟
للأشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا