الاحدثدولي

من الخاسر ومن الرابح من برامج الجبهة الشعبية اليسارية وتجمع أقصى اليمين الوطني في فرنسا؟ | ترجمة وتقديم د. بولا الخوري

تشرح الاقتصاديتان إيلفير جيلود* وماتيلد فينو* بالتفاصيل والمعطيات ما سيترتب اقتصادياً على مختلف العائلات والأفراد الفرنسيين في حياتهم اليومية (بالتحديد بالنسبة لشخص أعزب/عزباء، أو زوجين لديهما طفلان، أو زوجين/كوبل بلا أطفال). وذلك تبعاً لمقترحات الجبهة الشعبية الجديدة من جهة (NFP، وهي تضم كافة أطياف اليسار الفرنسي، وحصل من ضمنها حزب ميلونشون، الذي يمثل أقصى اليسار، على أعلى نسب الأصوات في الانتخابات النيابية الأخيرة) أو من جهة أخرى التجمع الوطني (حزب مارين لوبان، أقصى اليمين والمسمى بالمتطرف أيضاً RN). هذه ترجمة لمقالة صدرت في العدد الأخير من مجلة بدائل اقتصادية الفرنسية، وهي شهرية تستكتب المتخصصين في العلوم الاجتماعية والاقتصادية لمقاربة سهلة التناول للحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسات العامة، وتتميز بكونها مخالفة للتصورات المهيمنة على الفكر الاقتصادي السائد في فرنسا والغرب.

في مقالتين سابقتين، نُشرتا الأسبوع الماضي، أظهرنا أنه فيما يتعلق بإعادة توزيع الثروة في فرنسا، أن الخيارات السياسية لحزب التجمع الوطني من جهة، وللجبهة الشعبية الجديدة من جهة أخرى هي شديدة الاختلاف. وفي حين أن برنامج التجمع الوطني، إذا تم تطبيقه، من شأنه أن يزيد من عدم المساواة في مستويات المعيشة، فإن برنامج الجبهة الشعبية الجديدة من شأنه أن يقلل منها بشكل كبير.

ولكن ماذا يعني ذلك بشكل ملموس، في ما يخص الحياة اليومية لشخص أعزب أو لأم عازبة، أو لزوجين لديهما طفلين أو كوبل بلا أطفال؟

إن التأثيرات التوزيعية التي نحسبها هنا تقيس التباين الشهري المتوقع في الدخل “المعدّل” المتوفر للسكان، أي أننا نقارن الزيادة (أو النقصان) في دخل الأفراد بعد تطبيق تدابير السياسة العامة المعلنة في البرنامجين، وبعد احتساب الضرائب المقتطعة، والحصول على التقديمات الاجتماعية (أي إعادة التوزيع النقدي)، ولكن أيضًا بمجرد احتساب استخدام الخدمات العامة (أو “إعادة التوزيع الموسعة”، بما في ذلك جميع التحويلات النقدية والخدمات العامة). وهكذا نتحدث عن الدخل “المعدّل” لاستهلاك الخدمات العامة.

وتظهر التحليلات الأخيرة للحسابات الوطنية الموزعة التي أجراها المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية ((Insee أن نصف الانخفاض في فجوة التفاوت في فرنسا يرجع إلى وجود الخدمات العامة، والتي تمثل في نهاية المطاف أكثر من مجرد إعادة توزيع نقدي بحت. على سبيل المثال، تعتبر النفقات الصحية التي يغطيها الضمان الاجتماعي أو التعليم الابتدائي والثانوي المجاني بمثابة تحويلات عينية، تستفيد منها الأسر الفرنسية بشكل يومي.

مسألة مستوى المعيشة

وبالتالي، فإن الانخفاض الكبير والسريع في فجوات مستويات المعيشة الذي قد نلاحظه في برنامج الجبهة الشعبية الجديدة يعزى إلى حد كبير إلى تطوير الخدمات العامة، وليس فقط إلى إعادة التوزيع النقدي. وعلى العكس من ذلك، فإن اتساع فجوة عدم المساواة التي تم قياسها من خلال برنامج التجمع الوطني فتعزى إلى التخفيض المتوخى في البرنامج من إعادة التوزيع النقدي دون الاستمرار في تطوير الخدمات العامة.

بالتالي، ستتأثر كل أسرة بشكل مختلف تبعاً لمستوى معيشتها. ولكن ما الذي نعنيه بمستوى معيشة الأسرة؟ ليس لدى الأسرة الكبيرة نفس احتياجات شخص بمفرده. إزاء دخل متساوٍ هناك اختلافات في مستويات المعيشة للأسر تبعاً لحجمها ولتركبيها.

لتحديد مقياس مستويات المعيشة، تتوجب مقارنة دخلاً معيناً مع دخل بقية السكان الفرنسيين. وتلخّص الجداول أدناه لمختلف التركيبات العائلية، مختلف مستويات المعيشة في فرنسا في العام 2021.

لنأخذ مثال الزوجين اللذين ليس لديهما أطفال واللذين يحققان دخلاً قابلاً للتصرف يبلغ 2800 يورو شهرياً. يقع هذان الزوجان، في العام 2021، في العشر الخامس[1](D5)  من مستوى المعيشة، أي في وضع متوسط: ما يقرب من 40٪ من الفرنسيين أفقر منهم، وحوالي 50٪ أكثر ثراءً. ولكن إذا كان لدى هذين الزوجين طفلان، ويحققان الدخل نفسه، فسيتم وضعهما في العشرية الثالثة: حوالي 20٪ من الفرنسيين أكثر فقرا، وحوالي 70٪ أكثر ثراء.

تكوين الأسرة

يتيح لنا الجدول أيضًا معرفة متوسط ​​الربح المتوقع في مستوى المعيشة (لكل وحدة استهلاك) أو في الدخل المعدّل القابل للتصرف (لكل أسرة)، من التدابير الاقتصادية المعلنة في برنامج الجبهة الشعبية الجديدة أو في برنامج التجمع الوطني، وفقًا لـعشريّ مستوى المعيشة وتكوين الأسرة.

على سبيل المثال، الوالد الوحيد الذي لديه طفل، ولديه دخل بتصرفه قدره 2300 يورو شهريًا (الراتب + المنافع الاجتماعية – الضرائب)، يقع في العشر المتوسط، فإذا نفذت الجبهة الشعبية الجديدة برنامجها، فإن الدخل المعدّل القابل للتصرف (الراتب + المزايا الاجتماعية – الضرائب + الخدمات العامة) في هذا العُشر سوف يزيد عن المتوسط بنحو 208 يورو شهريا، بما في ذلك 101 يورو من خلال الحصول على خدمات عامة محسّنة. ومن ناحية أخرى، فإن برنامج التجمع الوطني لن يغيّر متوسط دخل هذا العُشر (بل يؤدي الى خفضه بنسبة -1 يورو شهرياً). ومع ذلك، في بعض الحالات، قد تكون عواقب برنامج التجمع الوطني أكثر عنفاً (على سبيل المثال، في حالة الأم الأجنبية التي لديها طفل واحد).

جدول 1: من يخسر، من يربح في حالة رب العائلة الوحيد – أكان رجلاً أو امرأة- ولديه طفل واحد

يشرح الجدول تأثير برنامج الجبهة الشعبية الجديدة والتجمع الوطني على رب العائلة بالنسبة لدخله الشهري المعدّل والمتوفر للأسرة، باليورو

.

مثال آخر: زوجان ليس لديهما أطفال، يكسبان أكثر من 5230 يورو ينتميان إلى أغنى عُشر (D10). في هذه المجموعة، سوف ينخفض ​​الدخل المعدّل القابل للتصرف بالمتوسط، بمقدار 978 يورو شهريًا عبر تطبيق برنامج الجبهة الشعبية الجديدة، بارغم من التحسن في الخدمات العامة التي يقدر تقييمها النقدي بـ 108 يورو شهريًا.

جدول 2: من يخسر، من يربح في حالة الزوجين دون أولاد؟

يشرح الجدول تأثير برنامج الجبهة الشعبية الجديدة والتجمع الوطني على الدخل الشهري المعّدل والمتوفر للأسرة المؤلفة من زوجين ليس لديهم أطفال، باليورو

لكن التأثير ليس متجانساً: فالأكثر ثراء سوف يخسرون المزيد، أما من هم فوق العتبة بقليل فسوف يخسرون أقل بكثير. أما مع التجمع الوطني، على العكس من ذلك، فإن الدخل المعدل القابل للتصرف للأزواج الذين ينتمون إلى أغنى 10% من سكان البلاد سوف يزيد بمقدار 101 يورو في المتوسط، وذلك بفضل التخفيضات الضريبية المنصوص عليها في البرنامج.

جدول 3: من يخسر، من يربح في حالة الزوجين اللذين لديهم ولدين؟

يشرح الجدول تأثير برنامج الجبهة الشعبية الجديدة والتجمع الوطني على الدخل الشهري المعّدل والمتوفر للأسرة المؤلفة من زوجين لديهم ولدين، باليورو

جدول 4: من يخسر، من يربح في حالة الأشخاص المنفردين؟

يشرح الجدول تأثير برنامج الجبهة الشعبية الجديدة والتجمع الوطني على الدخل الشهري المعّدل والمتوفر للشخص المنفرد، باليورو

هذا التمرين له حدود واضحة. إذ نقوم بحساب هذه الاختلافات في المتوسط ​​حسب العُشر من مستوى المعيشة، فلا نأخذ بالاعتبار الاستخدام الخاص للخدمات العامة، الذي يمكن أن يختلف وفقًا للعمر أو المهنة أو مكان إقامة الأسرة (المتقاعدون لا يذهبون إلى المدرسة، وفي سن الثلاثين يكون استخدام الخدمات الاستشفائية والرعاية الصحية منخفض). وبالتالي فإن هذه القراءة تبقى سريعة وتستحق بلا شك الخوض في مزيد من التفاصيل.

ولكن المقارنة حسب نوع الأسرة تسمح لنا بإثراء نسبي لحسابات الاقتصاديين التي يتم تقديمها عادة تبعا لوحدات الاستهلاك، من دون أن نعرف عدد الوحدات التي نحتاج إلى حسابها لتكوين الأُسر. إن تسليط الضوء على التفاوتات وأثارها يقدم إشارة ملموسة لكيفية تأثر كل شريحة اجتماعية وتركيبتها ببرامج كل من الجبهة الشعبية الجديدة والتجمع الوطني وفقاً للسياسة التي سيتم اعتمادها في المستقبل القريب في فرنسا.

* إيلفير جيلود محاضرة في الاقتصاد في جامعة باريس الأولى بانتيون-السوربون.

* ماتيلد فينو خبيرة اقتصادية، ومؤسسة شريكة في معهد Avant-garde (الطليعة)، وكاتبة عمود في موقع بدائل اقتصادية  Economiques (Alternatives

المصدر: اضغط هنا

[1] نستخدم مصطلح “العُشر” هنا بدلاً من “العشرية” بسبب إساءة استخدام هذه الأخيرة المتكرر، ولكن كل شريحة من الشرائح العشرة هي في الواقع عُشر، والعشر يمثل عتبات الانتقال من عُشر إلى آخر. بالتالي لتوخي الدقة في المفهوم، ينبغي لنا أن نتحدث عن عُشر مستوى المعيشة فيما يلي في المقال.

د. بولا الخوري باحثة وصحافية في علم الاجتماع

د. بولا الخوري، باحثة مشاركة في مركز التحليل والتدخل الاجتماعي CADIS في معهد الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية في باريس EHESS - CNRS. لدى الخوري خبرة لأكثر من 20 عاماً كعالمة اجتماع وصحافية، حيث تساهم في تعميم نظريات العلوم الاجتماعية في الصحافة بغية جعلها بمتناول الجمهور غير الأكاديمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى