الاحدثدولي

نسوية أمريكية في باريس: “أضرار ترامب ستستمر إلى ما بعد فترة ولايته” | مقابلة أجرتها د. بولا الخوري

جانيس ليفينهاغن، رائدة أعمال أمريكية أنشأت في العام 2011 جمعية غير ربحية للدفاع عن حقوق المرأة في مهن التكنولوجيا الرقمية في الولايات المتحدة، وسرعان ما انتشرت فروع شركتها في عدة ولايات أميركية. التقينا بها في باريس، حيث تعيش منذ خمس سنوات لتوسيع مشروعها دولياً، وأخبرتنا عن السياسات المعادية للنساء للإدارة الأمريكية الحالية، والتي تذكّر بحقبة مطاردة الساحرات في أوروبا.

ما الذي دفعك إلى الاستقرار في فرنسا؟
جانيس ليفينهاغن: بدأت حياتي المهنية في عام 2000 كمهندسة كمبيوتر في الولايات المتحدة. في ذلك الوقت، كان تمثيل المرأة في هذا القطاع 8 في المائة فقط. بالإضافة إلى ذلك، كان هناك الكثير من التمييز ضدهن والتحرش الجنسي. كنت أعمل في شركة مصنَفة في Fortune 500، لكنها كانت تجربة مروَعة بالنسبة لي. تعرضت للتحرش الجنسي من قبل زميل لي ومن مدير الشركة. ورداً على ذلك، أجبرتني الإدارة على الاستقالة، كما لو كنت أنا المشكلة، ذلك لمجرد أنني امرأة تملك جسداً! عندها قررت إطلاق منظمتي غير الربحية والداعمة للنساء في مجال التكنولوجيا المعلوماتية. كان ذلك في نهاية عام 2011، وسرعان ما انتشرت في جميع أنحاء البلاد، مع 27 فرعاً في ولايات مختلفة، لتقدم خدماتها لـ 8000 فتاة وامرأة وبانخراط 1500 متطوع.
مع تراكم الخبرات المهنية السيئة والعمل المضني لجمعيتي، شعرت بإرهاق نفسي عام 2020. بعد التعافي، قررت المجيء إلى فرنسا حيث حصلت على درجة ماجستير في التنمية الدولية من معهد دراسات العلوم السياسية (سيانس بوليتيك). كان هدفي تعزيز معارفي بهدف النضال من أجل حقوق المرأة، ومساعدة الذين يعملون على هذه القضايا دولياً وعالمياً، وهذا ما أقوم به منذ ذلك الحين.
عندما ننظر إلى التمييز ضد المرأة في مجال التكنولوجيا، نرى أعراضاً مماثلة لتلك التي نلاحظها في أي مجال آخر من حياة النساء في المجتمع. وكما في الشجر المريض، كل محاولة لإصلاح الأوراق التالفة غير مجدية، لأن الجذور تبقى سامة. وهذه الجذور هي جذور النظام الأبوي.

كيف تحللين وضع المرأة في الولايات المتحدة بعد وصول ترامب إلى السلطة؟
جانيس ليفينهاغن: بمجرد وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وقع أمراً تنفيذياً ضد مبادرات DEI (التنوع والإنصاف والإدماج الإجتماعي) التي كانت سارية في البلاد منذ عام 1961، وتعتمد في الجامعات والقطاع العام والشركات، من أجل إنصاف المجموعات التي تتعرض للتمييز بسبب جنسها وتفضيلاتها الجنسية، إعاقتها أو عرقها أو طبقتها الاجتماعية أو عمرها. ويعدّد الأمر التنفيذي الكلمات المحظورة في المقترحات البحثية الممولة من الحكومة، مثل الجنس، المثليين، المتحولين جنسياً، النساء، النضال، النشطاء والإعاقة، وما إلى ذلك.
الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو نيته حظر أي تعبير يتعلق بالإناث أو النساء في الأبحاث. حتى لو عمل الباحثون على نساء، فمن المحظور ذكر الجنس في المقترحات المقدمة للتمويل العام. هذا الأمر التنفيذي خطير للغاية، حتى بالنسبة لصحة النساء الأمريكيات. فيما يتعلق بالنوبات القلبية، على سبيل المثال، حتى العقدين الأخيرين كانت التجارب في المختبرات تجرى على الرجال فقط، فتخطت نسبة وفيات النساء من النوبات القلبية ثلاث مرات تلك الخاصة بالرجال، لأنه لم يجر تحديد الأعراض لدى النساء التي تختلف عن تلك الملحوظة لدى الرجال. الآن مع قطع ترامب التمويل عن هذا النوع من الأبحاث، بما في ذلك في المختبرات، ستتوقف كل هذه الدراسات والتجارب. إنها حرب نشطة ضد النساء، وتشبه “مطاردة الساحرات” في الماضي.

جانيس ليفينهاغن على اليسار من الصورة

وخصوم ترامب كيف سيقاومونه برأيك وما هي فرصهم في التأثير على سياساته تجاه النساء والأقليات؟
جانيس ليفينهاغن: بدأ الناشطون الملتزمون والأكاديميون بالرد، لكننا نقاتل ضد شخص لا يحترم أي قاعدة. في كثير من الأحيان، تتلخص استراتيجية الديمقراطيين في فكرة أنه إذا ما تحركنا سوية، يمكننا الفوز سوية. لكن دعونا لا نخدع أنفسنا، فمن الأصعب بكثير دعوة الناس للتحرك عندما يكون لديهم هذا الشعور العميق بالإحباط.
منذ أوباما، لم يتمكن الديمقراطيون من العمل بيد واحدة. من موقعي هنا في فرنسا، لا أرى نفس التحركات ضد هذه السياسات كما في العام 2016، كان هناك تظاهرات نسائية، وضمّت تلك التحركات أشخاص من جميع الفئات الاجتماعية والأعمار. أعتقد أن أي رد جدي سيستغرق الكثير من الوقت، أكثر من هذه السنوات الأربع القادمة. أخشى أن يبدأ خصوم ترامب في التقليل من شأن الوضع ويقولون لأنفسهم: “لن يستغرق الأمر سوى أربع سنوات، وسنتحملها!” إننا نشهد تغيراً اجتماعياً عميقاً يعكس العلل المتراكمة في مجتمعنا وتاريخنا. الأمر بيدنا إذا ما أردنا التغيير، حيث علينا نحن أيضاً أن نتغيّر، كي نتمكن من الرد. أنا شخصيا تعلمت شيئاً واحداً منذ منظمتي الأولى، ساعدت النساء، لكنني كنت دبلوماسية وحذرة. يجب أن نتوقف عن أن نكون متهاودين ومسايرين من أجل الدفاع فعلاً عن حقوق المرأة أو عن حقوقنا عموماً.

إنه يذهب بعيدا في هجماته على قطاعات مهمة ومتنوعة، مع هذا الاستقطاب الحاصل في المجتمع، ألن يكون هناك خطر اندلاع حرب أهلية، ما رأيك؟
جانيس ليفينهاغن: أعتقد أنه لا يهتم، كل ما يهمه هو الإثارة السياسية والحفاظ على سلطته. مع ذلك لا أعتقد أنه ستكون هناك حرب أهلية في الولايات المتحدة، لكن انقلاباً حقيقياً قد حصل في الانتخابات الأخيرة. يعتمد ترامب على التلاعب بنفسية الناس، وخلق فكرة “الآخر العدو”، وهناك ميل بشري للعثور على شخص يمكننا أن ننظر إليه من أعلى وبازدراء لنتقبل أنفسنا، سواء كان هذا الآخر متحول جنسياً أو من لون مختلف أو مهاجر أو إمرأة.
هناك الآن استقطاب اجتماعي حقيقي في الولايات المتحدة، الساحل المتمدن ضد ولايات الوسط، يشعر الجانبين وكأنهما لم يعودا يفهمان بعضهما البعض. الولايات الزرقاء على الساحل أكثر ديمقراطية وتلك الموجودة في الوسط تشعر بأنها مقصيّة عن الثورة الاقتصادية. لم يعد بلدنا بلداً صناعيا، وهناك مناطق تعاني من كساد اقتصادي حقيقي. هذه هي أنواع المشاكل التي يجب معالجتها بدلاً من إثارة الكراهية كما يفعل ترامب وفريقه.

عدد كبير من النساء الأميركيات يدعمنه، لماذا باعتقادك؟
جانيس ليفينهاغن: حتى في أوائل القرن العشرين، كانت النساء أكبر المعارضات لحق المرأة بالتصويت، لأنهن كن يعتقدن أنهن “غير قادرات عاطفياً وذهنياً على اتخاذ القرارات مثل الرجال”، ذلك أنهن عشن في مجتمع أبوي وتعلًمن ذلك منذ طفولتهن المبكّرة. لم يحصلن على التعليم الذي يبيّن لهن أنهن يملكن نفس مقدرات الرجال.

كيف تحللين المواقف المؤيدة لترامب من قبل النساء من أصول أمريكية لاتينية؟
جانيس ليفينهاغن: بالنسبة للعديد من هاتي النساء، هناك نوع من الخوف من النموذج الذي تمثله المرأة الحرة والنسوية. وهنّ قد ضحّين فعلاً بالكثير من حرياتهن وتخلّين عن رغبتهن في الاستقلالية للتوافق مع هذا التعريف الذكوري للسلطة والإمرة. بمعنى ما، ذهبن ضد طبيعتهن كنساء. كما أنهن يشعرن بأحكام النساء الأخريات عليهن، بالأخص اللواتي يتشاركن معهن بنفس الظروف المعيشية والحياتية. إنهن لا يردن دعم النسويات لأن ذلك يذكرهن بما كان عليهن القبول به من أجل الاندماج في المجتمع الأميركي. وأخيرا، انهن يرغبن فقط بالانتماء إلى بلد جديد والتخلص من الصورة النمطية للوافدين الجدد التي يوصمن بها.

هل يمكن أن يساعد وجود الأمريكيين في الخارج ، وخاصة في أوروبا ، في التأثير على الوضع في الولايات المتحدة؟
جانيس ليفينهاغن: الأمريكيون المناهضون لترامب هنا في أوروبا هم في حيرة من أمرهم، وما زالوا تحت الصدمة لرؤية بلدهم يتمزّق. نشعر بأننا أقل قوة من بعيد، مع الشعور بالذنب أيضاً. لا نريد أن نعطي الانطباع بأننا نحاضر عن بعد، ولا نعيش المعاناة التي يمر بها أولئك الذين يعيشون هناك.

كنا حتى عام 2000 نحرز إنجازات في مجال حقوق المرأة، كما لو أننا كنا نستعدّ لرد الفعل العنيف هذا دون أن نكون واعين للأمر. لكن في الوقت الحالي، نشعر وكأننا عاجزين في مواجهة عنف الهجمات على الحريات، وهذه الحرب الفعلية على النشطاء الاجتماعيين. ليست مجرد فترة أربع سنوات وستعود الأمور إلى ما كانت عليه من قبل، كما يعتقد البعض. سيستغرق الأمر وقتاً أطول بكثير لاستيعاب هذا الواقع الجديد وإعداد النفس لنتمكن من الرد عليه بالشكل الملائم.

د. بولا الخوري باحثة وصحافية في علم الاجتماع

د. بولا الخوري، باحثة مشاركة في مركز التحليل والتدخل الاجتماعي CADIS في معهد الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية في باريس EHESS - CNRS. لدى الخوري خبرة لأكثر من 20 عاماً كعالمة اجتماع وصحافية، حيث تساهم في تعميم نظريات العلوم الاجتماعية في الصحافة بغية جعلها بمتناول الجمهور غير الأكاديمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى