هل أصبحت الولايات المتحدة منقسمة على ذاتها | جيف هالبر
هل أصبحت الولايات المتحدة منقسمة على ذاتها!
قراءة في المشهد المنقسم داخل الشارع الأمريكي، ما بين انجراف الكيان الشرطي نحو النهج العسكري “الإسرائيلي”، وفرض النموذج “الفلسطيني” على الشعب الأمريكي
الولايات المتحدة الأمريكية ما بين “إسرائيلية” الشرطة، و”فلسطينية” الشعب
إعداد/ جيف هالبر
ترجمة/ إيناس الشوادفي
لم تكتفِ إسرائيل بتدريب قوات إنفاذ القانون في أمريكا كي تكون أكثر عنفا فحسب، بل ساهمت بكل ما أوتيت من قوة أيضا في فرض نموذج الدولة البوليسية الأمريكية. هذا لا ينفي إطلاقا كون الدولة الأمريكية تنتهج العنف منذ أكثر من قرن من الزمان قبل قيام دولة إسرائيل أصلا، ولكن الأمر المثير للجدل حقا هو أن إسرائيل قد لعبت دوراً جوهريا في عسكرة الشرطة الأمريكية استجابة للتحولات السياسية والاقتصادية في المشهد بوجه عام فوق الأراضي الأمريكية.
ويمكننا القول بأن “إسرائيلية” الشرطة الأمريكية قد بدأت فعليا منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ولعل بعض التطورات التي حدثت في الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة هي التي دفعت المشهد في هذا الاتجاه. أولا، الآثار المتهالكة لـ (الليبرالية الحديثة) والتي بدأت منذ عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريغان واستمرت أيضا خلال إدارة كل من جورج بوش وبيل كلينتون. والتي أدت إلى حدوث مفارقات اجتماعية وتفاوتات شديدة في مستوى الدخل. فقد بدأت الدعوة نحو تطبيق (النظام والقانون) وشن حروب نطامية ممنهجة ضد أوكار الجريمة وتجار المواد المخدرة ودعوات التطرف. كما بدأت الدعوة نحو السيطرة على الأصوات المعارضة من أبناء الطبقة المتوسطة والفقراء وأولئك الذين يعانون من البطالة. وفي خلال جميع هذه الدعوات، كانت الشرطة هي أداة التطبيق الفعلي للنهج الرأسمالي.
وثانيا، فإن أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد ارتبطت مباشرة بسقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار الكيان الشيوعي تماما باعتباره مصدر التهديد الأول للأمن الأمريكي والذي من شأنه تبرير النهج القمعي الأمريكي المعادي للديمقراطية داخليا. وعلى الرغم من أن قضية الإرهاب لم تحظى بزخم كبير خلال عهد كلينتون، إلا أن الربط لاحقا بين الإرهاب والشأن الداخلي الأمريكي قد أصبح بمرور الوقت الدافع الثالث لـ “إسرائيلية” الشرطة الأمريكية.
ومن الآثار المترتبة على أحداث الحادي عشر من سبتمبر أيضا، إصدار قانون باتريوت (Patriot Act) أو ما يعرف بقانون مكافحة الإرهاب والذي يمنح الشرطة كافة الصلاحيات لإجراء التحقيقات اللازمة واستخدام كافة الوسائل الممكنة لمكافحة الإرهاب. والواقع أن هذا القانون يحد بصورة واضحة من الحقوق المدنية الأمريكية، وإمكانية تنفيذ الإجراءات القانونية على النحو الصحيح. ومرة أخرى يمكن القول بأن الشرطة الأمريكية قد أصبحت بموجب هذا القانون هي يد السلطة في تنفيذ المهمة شبه العسكرية والمعروفة بـ “الحفاظ على الأمن القومي”.
صحيح أن الدولة الأمريكية البوليسية ليست صنيعة إسرائيلية تامة، ولكن بالبحث في أصول إسرائيل، سنجد أنها دولة اتخذت الطابع الأمني منذ نشأتها في عام 1948 بل يمكن القول أيضا بأن تلك الجذور العسكرية للدولة الإسرائيلية ترجع إلى مطلع القرن العشرين. وارتكزت أهداف تلك الدولة الناشئة منذ بداية وجودها على خارطة العالم، على قمع العدو الأول لها والمتمثل في الشعب الفلسطيني الموجود على الأرض فعليا واللاجئين الفلسطينيين في دول أخرى. ولعل تلك العقيدة العسكرية هي ما جعلت إسرائيل نموذجا تسير على دربه الإمبراطورية الأمريكية فيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. فقد قدمت إسرائيل نماذج عسكرية وقوالب بوليسية جاهزة للشرطة والوكالات الأمنية الأمريكية، ولعل هذا ما كانت تحتاج إليه الولايات المتحدة في الأساس لبناء الدولة العسكرية الأمريكية.
والسؤال الآن، لماذا لم تنجح الولايات المتحدة في تطبيق تلك السياسات العسكرية وإقامة أركان الدولة العسكرية الأمنية، وبخاصة أن لديها الآن ما يكفي من المبررات التي تقبع تحت مظلة “الأمن القومي”! والجواب ببساطة يبدو أقرب إلى فكرة عمى الألوان.
في كتابها الشهير “The New Jim Crow” تحدثت ميشيل ألكسندر عن المعضلة التي واجهتها الولايات المتحدة في الستينات والسبعينات من القرن الماضي عند محاولتها فرض قوانين القمع العنصري، حيث لم تعد العبارات الصريحة الساذجة المعبرة عن العنصرية مقبولة في المجتمع الأمريكي. لقد قامت واشنطن بالبدء في تطبيق أجندتها العنصرية تحت مسميات عديدة، ولعل أولها كان إعلان الحرب على المخدرات، تلك القضية التي جادل القليلون حولها نظرا لكونها واضحة وضوح الشمس. ومن ثم فقد واجهت الولايات المتحدة معضلة كيفية الانتقال إلى دولة أمنية، فكيف ستتمكن من تقييد الحريات المدنية وإخضاعها للقبضة الشرطية، مع الاستمرار في الحفاظ على هيئتها العامة كواجهة حضارية ديمقراطية!
ويمكن القول بأن المشكلة التي واجهت الولايات المتحدة على وجه التحديد ترتبط ارتباطا كليا بـ “الجدار العازل” الذي أقامه القانون الاتحادي الصادر في عام 1878 The Posse Comitatus Act والذي يشبه إلى حد كبير في فحواه عدد من القوانين والتشريعات الأخرى السائدة في أوروبا. ويفصل هذا القانون فصلا تاما بين فكرة تنفيذ القوانين داخليا “الأمن القومي”، ونشر قوات الجيش خارجيا “الأمن الخارجي”. ويمكن استعراض تلك الفكرة من خلال الرسم التوضيحي التالي:
وهذا لا يعني عدم إمكانية نشر الجيش محليا، حيث يلعب الحرس الوطني الأمريكي هذا الدور أحيانا. ولكن استدعاء فرق القوات المسلحة الفعلية كما كان ينوي ترامب فعله في واشنطن في ضوء قانون الانتفاضة الفيدرالي الصادر عام 1807، أمركان يستلزم الاحتجاج عليه، وبالفعل فقد رفض البنتاجون ذلك المقترح الرئاسي.
وعلى الرغم من أن الشركات الأمريكية لديها القدرة على إنتاج أسلحة عسكرية، ولكن بموجب “تشريع الجدار الفاصل” فهناك الكثير من القيود على إمكانية تطوير الأسلحة الشرطية على الطراز العسكري. ولعل هذا ما يجعل الفرصة سانحة أمام إسرائيل على كلا الصعيدين العسكري والمدني. فقد تمكنت صناعة السلاح الإسرائيلية (IWI) من إنشاء مقر لها في ميدلتاون بولاية بنسلفانيا الأمريكية، حيث يقوم هذا المصنع بإنتاج العديد من الأسلحة العسكرية المستخدمة في إنفاذ القانون. ولا يمكن أن ننسى أن إسرائيل تحتل المركز الأول عالميا في إنتاج الطائرات المسيرة أو الدرونز، حيث تسيطر على نحو 60% من إنتاج السوق العالمية. ولكن “الجدار الفاصل” يشكل تحديا خطيرا هنا، فالطائرات المسيرة تم إنتاجها خصيصا لأعمال المراقبة، لكن تلك المسلحة منها لازالت ممنوع استخدامها من قبل الشرطة الأمريكية.
ونظرا لأن الشعوب التي عانت من الاستعمار عادة ما تعكف على مقاومة كافة أشكال الاضطهاد والتهجير، فالنتيجة الحتمية هنا هي أن المستوطنين لا ينعمون بالراحة وتتحول جميع أركان الدولة شيئا فشيئا نحو الطابع العسكري. ولعل مظاهر العنف الشرطي الراهن في الولايات المتحدة، ترتبط في الأساس بعمليات الإبادة الجماعية للسكان الأصليين للأراضي الأمريكية. فالجذور الأمريكية المستندة إلى القمع والقتل الممنهج هي الأصل في العنف الذي تشهده شوارع أمريكا حاليا.
وقد حاول النظام الأمريكي تهدئة النزعة العنصرية الأمريكية خلال عقد السبعينات من القرن التاسع عشر في محاولة منه لإقرار الدولة المدنية، وقد كان سن قانون (Posse Comitatus Act) بمثابة إضفاء الطابع المدني للشرطة الأمريكية. أما في إسرائيل، فلا مجال للفصل بين الشرطة المدنية المنوط بها إنفاذ القانون، والقوات المسلحة العسكرية أو الجيش، بل إنها تزايد في هذا الأمر من خلال تصنيف كافة أشكال المقاومة الفلسطينية على أنها “أعمال إرهابية” وبالتالي يتم الجمع بين قوات الشرطة والجيش من خلال وحدات متنوعة شبه عسكرية تجمع بين الاثنين، كما هو موضح في الشكل التالي:
هذا هو النهج التي تحاول إسرائيل إعادة هيكلة الشرطة الأمريكية وفقا له، والواقع أن الشرطة الإسرائيلية لم تكن يوما ما نوعا من القوات المدنية الموكلة بإنفاذ القانون وحفظ النظام، بل هي في حقيقتها منظمة شبه عسكرية تعمل تحت مظلة وزارة الأمن الداخلي وذلك في ضوء قانون “حالة الطوارئ الدائمة”. ونظرا لأن الدولة الإسرائيلية تزعم بأن لديها الكثير من الأعداء، والمتمثلين وفقا لرؤيتها في كل من: المواطنين الفلسطينين في إسرائيل، وغير المواطنين في المناطق المحتلة، إلى جانب بعض الشرائح المجتمعية الأخرى كالأفارقة طالبي حق اللجوء، والتقدميين الموالين للعرب، واليساريين، وبالتالي فإن وظيفة الشرطة الإسرائيلية لا تقتصر على المهام المدنية وحماية المجتمع، بل إن أفرادها يعملون من منظور أوسع يتمثل في مكافحة التمرد والقضاء على الإرهاب.
والملاحظ هو أن الشرطة الإسرائيلية تتحدث عن هذا الأمر بوضوح تام، فالشعار الأساسي على الموقع الرسمي للشرطة هو ” التصدي للأعمال الإرهابية، والتعامل مع المتفجرات، والانتشار في مواقع ارتكاب الحوادث الإرهابية” وثمة إشارة ما إلى المهام العادية لرجال الشرطة والمتمثلة في الحفاظ على النظام وإنفاذ القانون وتنظيم حركة المرور. ويبدو من ذلك أن مكافحة الإرهاب هي العقيدة الأساسية المسيطرة على العقلية الشرطية الإسرائيلية، مع وجود درجة من التداخل بين كل من الانتشار الشرطي الكثيف في أغلب الأحوال، والتواجد المحدود لرجال الشرطة في ميدان الحرب، وهذا ما يمكن أن نطلق عليه “ساحة معركة علمانية مشتركة”.
لقد أكد القادة الإسرائيلين مرارا على ما أسموه “مكافحة الجرائم الإرهابية” أو التصدي لمنفذي الجرائم من الإرهابيين، ولعل هذا الأمر يعكس تداخلا واضحا بين المصطلحات، الإرهاب، والجريمة، ومكافحة المجرمين، ومكافحة الإرهابيين. ففي نظر زعماء الدولة البوليسية، فإن الإرهاب والجريمة وجهان لعملة واحدة.
لقد نجحت إسرائيل على مدار السنوات السابقة في أن تحظى بنفوذ كبير داخل الكونجرس والبنتاجون والدوائر الأمنية الأمريكية وذلك نظرا لسمعتها الأسطورية في مجال التصدي للإرهاب. ولعل التنظيم الشرطي شبه العسكري في إسرائيل يتماشى إلى حد كبير مع الميول العسكرية لأفراد الشرطة داخل أقسام الشرطة الأمريكية، حتى أنه في منتصف الستينات من القرن الماضي قامت كل من ولايتي فيلادلفيا ولوس أنجلوس بتشكيل الفرق الخاصة المعروفة بـ SWAT teams والتي تضم مجموعة من المقاتلين الأكفاء المدربين على التعامل مع أنواع عديدة من الأسلحة وتنفيذ تكتيكات خاصة. واليوم نحو 80% من الشرطة الأمريكية لديها بالفعل فرق خاصة أو SWAT
والآن، دعونا نلقي نظرة سريعة عن كيفية تعامل الشرطة الأمريكية مع مكافحة الإرهاب الداخلي في ضوء النهج الإسرائيلي. في مطلع القرن الحالي، قامت شرطة نيويورك بإنشاء فرقة سرية خاصة على أسس ديمغرافية محددة، بحيث تتولى مهمة رسم الملامح والتضاريس العامة للأحياء التي يسكنها الأقليات، والذين هم موطن الاستهداف الأساسي. وقد أفاد مصدر من داخل شرطة نيويورك بأن النهج المتبع هنا هو ذاته ما تقوم إسرائيل بتنفيذه في بعض أحياء الضفة الغربية. وقد أطلق على ضباط تلك الفرقة الخاصة اسم “زواحف المساجد” حيث تمثلت المهمة الأساسية لهم في مراقبة الأنشطة التي تتم داخل المساجد. وتلك هي الخطوة الأولى فقط في سلسلة مكافحة الإرهاب المزعوم من وجهة النظر الأمريكية الإسرائيلية، حيث تلا ذلك قيام وحدة خاصة أخرى تابعة للشرطة تسمى “وحدة التصدي للإرهاب” بالتدخل وتتبع مسارات الأشخاص المستهدفين، ثم جاء دور فرقة أخرى أكثر خصوصية تسمى وحدة الخدمات الخاصة والتي تعمل في سرية تامة، وترتكب بعض الأعمال المنافية للقانون أيضا في بعض الأحيان.
والأكثر من ذلك، أنه في عام 2012 قامت شرطة نيويورك بإنشاء مقر لها بمدينة كفار سافا في إسرائيل، وذلك لتحقيق المزيد من التعاون والتكامل مع الشرطة الإسرائيلية. وبحسب ما قاله مايكل دزيكانسكي أحد ضباط شرطة نيويورك الذي التحق بالخدمة في إسرائيل، أنه إذا وقع هجوم انتحاري في أحد أحياء القدس، فإن شرطة نيويورك تنتقل إلى موقع الحدث لإجراء التحقيقات والتعرف على خلفيات ذلك التفجير. وقد شارك دزيكانسكي لاحقا في تأليف كتاب بعنوان “التفجيرات الإرهابية الانتحارية.. آليات الرد والمنع” والذي ما يعد سوى دلالة واضحة على كيفية اقتحام الممارسات الإسرائيلية للعقيدة الشرطية الأمريكية في إنفاذ القانون.
وإذا ما تحدثنا عن مفهوم “الحرب” بوجه خاص، سنجد أنه لطالما كان مفهوما سياسيا أمريكيا وبخاصة فيما يتعلق بالتعامل مع الأعراق والأقليات. وقد اكتسبت الشرطة الأمريكية الطابع العسكري منذ عهد رونالد ريغان حينما أعلن “الحرب على المخدرات” والتي تحولت إلى حرب حقيقية في مطلع عقد التسعينات تحت إدارة جورج بوش الأب، والذي أصدر قرار يسمح بتوجيه الفائض من المعدات العسكرية إلى قوات الشرطة لاستخدامها في إنفاذ القانون ومكافحة المخدرات. أما إدارة كلينتون فقد زادت من عسكرة الشرطة حينما تم إطلاق قانون “محاربة جرائم العنف وإنفاذ القانون” في عام 1994 والذي قام جو بايدن بتأليف بنوده. ويمكن القول بأن هذا القانون قد أرسى ركائز البنية التحتية، ووضعَ المظلة القانونية للنظلم الطبقي العنصري في أمريكا، والذي بموجبه تم اعتقال وحرمان ملايين المواطنين السود من حقوقهم المدنية. وفي عام 1997 صدر القرار 1033 والذي يسمح بانتقال المزيد من المعدات العسكرية نحو قوات إنفاذ القانون الشرطية، حتى باتت بعض فرق الشرطة في عدد من الولايات الأمريكية مثل أكسفور وألاباما وغيرها يمتلكون عربات نقل أفراد مصفحة.
وأضف إلى ذلك الحرب في هيئتها الحقيقية في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حينما أعلنت الولايات المتحدة الحرب على الإرهاب، حيث أصبح كل مواطن أمريكي بموجبه خاضعا بصورة أو بأخرى للقبضة الشرطية العسكرية والحرمان من الحقوق المدنية وبخاصة بعد إقرار قانون باتريوت والذي وضع الولايات المتحدة الأمريكية في حالة طوارئ مستمرة. ولقد أظهر النهج الشرطي الأمريكي الجديد أن الدولة لا تميز أحيانا في استخدامها للأساليب القمعية بين الشباب البيض رافضي الليبرالية الحديثة، والأقلية من السود.
ونتيجة لذلك، فإنه يمكن القول بأن رجال الشرطة الذين طالما أظهروا استيائهم حيال “الجدار الفاصل” محاولين إخفاء ميولهم نحو العنف، أصبحوا يمتلكون الآن مبررات قانونية وأيدولوجية للمضي قدما في النهج القمعي الجديد. وبذلك يمكن اعتبار مساهمة إسرائيل في عسكرة الشرطة الأمريكية بمثابة نموذج خاص للديمقراطية العسكرية، وهذه هي الصورة الحقيقية للدولة الأمنية التي تعتبر إعلان الحرب بصورة دائمة، أمر منطقي جدا، وان المفاهيم المتعلقة بالأمن يجب أن تتفوق على كافة الاعتبارات الأخرى المتعلقة بالحماية الديمقراطية. ويوضح الرسم البياني التالي الإطار العام للدولة الأمنية:
والمثير للجدل في تلك القضية أيضا، أن الحديث عن العنف ليس هو الفيصل في النهج الإسرائيلي المنقول إلى الشرطة الأمريكية، فالعنف الذي يتسم به التعامل الأمريكي مع حالات الصراع وأحداث الشغب داخليا، نادرا ما نجده في إسرائيل. فقلما تقوم الشرطة الإسرائيلية باقتياد المواطنين إلى أقسام الشرطة أو مصادرة أسلحتهم مثلما تفعل الشرطة الأمريكية في معظم الأحوال. وتلك هي المفارقة الكبرى، حيث أن لجوء الشرطة الإسرائيلية إلى العنف في عمليات الضبط والحفاظ على الأمن العادية أقل بكثير مما نجده في حالات الصراع والمواجهات. وعليه، فإنه يمكن القول بأن الشرطة الإسرائيلية لا تنتقل فجأة من الاحتجاز إلى إطلاق النار، فهم يفضلون في تلك الحالة السعي المتمهل للسيطرة على الأوضاع.
كل هذا يمكن إدراجه تحت مسمى واحد “فلسطين العالمية” وهو النموذج الذي تسعى إسرائيل جاهدة نحو تعميمه عالميا، فلا يجب أن نعتقد بأن التكتيات العسكرية الفائقة ، والتقنيات المتقدمة، والأسلحة المتطورة، وكل ذلك تم تصميمه خصيصا للسيطرة على الأراضي الفلسطينية فحسب، بل إن اللعبة أكبر من ذلك، فالدولة الإسرائيلية تخطط لتحقيق التكامل التام بين المؤسسات الصناعية العسكرية والأمنية في جميع أنحاء العالم، وهو ما تنفذه حثيثا في الولايات المتحدة الأمريكية.
وأخيرا، نستنتج من ذلك أنه عندما تصبح الشرطة الأمريكية “إسرائيلية” فإن الشعب الأمريكي بدوره سيصبح “فلسطينيا”.
رابط المقال من المصدر اضغط هنا