يعتقد بعض الخبراء بأن قرارات واشنطن الأخيرة تجاه إيران سوف تأتي بنتائج عكسية تضر بالمصالح الأمريكية واتفاقيات الطاقة النووية العالمية، فالتصعيد الأمريكي تجاه إيران لازال مستمرا وبخاصة بعد فرض عقوبات جديدة من قبل وزارة الخزانة الأمريكية على بعض قادة الحرس الثوري الإيراني.
وقد حذر جيوفري كيمب مدير البرامج الاستراتيجية بمركز المصلحة الوطنية من خطورة وحساسية الموقف الراهن وذلك خلال المناقشات التي جرت مؤخرا حول سبل تفادي نشوب الحرب بين كل من واشنطن وإيران.
كما قال الباحث المختص بالشئون السياسية والعسكرية لمنطقة الشرق الأوسط كينيث بولاك، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتبع سياسة الدفاع عن النفس، لافتا إلى أن فريق من أصحاب المواقف المتشددة عادة ما يحاولون تبرير الأمر والتلميح إلى إمكانية انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، مشيرا إلى أن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي كان من أصحاب الاتجاهات المعتدلة في السابق ولكنه انجرف أيضا نحو التشدد لاحقا.
ومنذ عقد الاتفاق الخاص بالبرنامج النووي الإيراني في عام 2015 ظل النقاش مستمرا بين كل من أصحاب المذهب البراغماتي وعلى رأسهم الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني والفريق المتشدد من قادة الحرس الثوري الإيراني، فقد حاولت إيران الاستفادة من الاتفاقية في تحسين أحوالها الاقتصادية، حيث رأى روحاني أن عودة إيران إلى عقد الصفقات التجارية مع دول العالم مجددا سوف يساعد في تجاوز العقبات الاقتصادية وتجنب اشتعال فتيل الحرب بالمنطقة.
وعلى الصعيد السياسي، فقد تركزت رؤية روحاني حول مدى أهمية الاتفاق النووي في تحقيق الاستقرار في طهران وتجنب احتمالات تمرد الشعب على النظام الحاكم، وذلك بالنظر إلى أن هذا الاتفاق يعد بمثابة صمام أمان لإيران ضد التهديدات الأمريكية والمخاطر الخارجية.
وعلى الجانب الآخر فقد زعم المتشددون أن واشنطن لن تحترم الاتفاق المبرم مع طهران ولن تقوم برفع جميع العقوبات المفروضة، فالولايات المتحدة الأمريكية على حد تعبيرهم دولة لا عهد لها ولا يمكن الوثوق بها.
كما رأى بول بيلار أحد أعضاء فريق بولاك البحثي والمحلل السياسي السابق بمركز مكافحة الإرهاب التابع لوكالة الاستخبارات المركزية، أن المطالب الاثنى عشر التي وجهها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى طهران والتي تأتي في صورة إنذار صريح، قد يكون من الصعب جدا على أي دولة مستقلة الالتزام بها ولو حاولت ذلك.
ومن التساؤلات التي طرحت في هذا الشأن أيضا، ماذا لو لم تنسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، هل كانت إيران ستظل ملتزمة بتطبيق بنود الاتفاق! في الحقيقة وردا على هذا التساؤل الهام، فقد أقرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن طهران كانت شديدة الالتزام بالاتفاقية، إلا أن إعلان انسحاب واشنطن وتعمد تصعيد الموقف من خلال فرض العقوبات على طهران هو ما أدى إلى احتدام الأزمة بين الجانبين وظهور شبح الحرب المحتملة.
ويعتقد بولاك بأن الرئيس الأمريكي لا يسعى إلى تحسين العلاقات مع إيران والوصول إلى موقف حاسم بشأن الاتفاق النووي، كما يرى أيضا على صعيد الشأن الداخلي لطهران، أن شعب إيران يشعر بالقلق جراء عدم تنفيذ الوعود البراقة من قبل حكومة روحاني، والذي أكد في السابق على أن الاتفاق النووي من شأنه تحقيق رغداء العيش ، إلا أن مواطني إيران رغم سخطهم على النظام الحاكم فهم يمتلكون نزعة قومية وانتماء متأصل لدولتهم.
وقد تساءل جاكوب هيلبيرون محرر موقع الشأن الدولي، عن نية الرئيس الأمريكي لمحاولة تقويض نظام الحكم في إيران وبخاصة في ظل تمسك أصحاب المواقف المتشددة برؤيتهم المتمركزة حول عدم منح الثقة لواشنطن وضعف احتمال عودة إيران إلى طاولة المفاوضات قائلين بأنه يجب على طهران محاولة احتواء الأزمة وتهدئة الموقف والتوافق مع توجهات الإدارة الأمريكية الحالية وبخاصة في ظل التأكيد على احتمال رحيل ترامب في انتخابات 2020
ولكن التصور السابق قد لاقى انتقادا شديدا من قبل بعض الباحثين الرافضين للموقف الأمريكي، والذين وصفوا العقوبات باعتبارها قاسية جدا وبخاصة في ظل تخاذل الاتحاد الأوروبي عن التدخل لحل الأزمة، مؤكيدن على أن الرئيس الأمريكي قد ارتكب خطأ فادحا عندما قرر فرض العقوبات.
كما انتقدت باربرا سلافين الباحثة بالمجلس الأطلسي الموقف السابق مشيرة إلى أن الرؤية الأمريكية لا تزال غير واضحة وغير محددة في ظل التشتت والشد والجذب الواقع داخل الإدارة الأمريكية، حيث يمكن القول بأن تعدد المواقف يبرهن في الأغلب على نية حكومة ترامب لإضعاف دولة إيران وليس للوصول إلى تسوية بشأن الاتفاق النووي.
وقد شكك بولاك في نية إيران لاتخاذ مواقف صارمة تجاه واشنطن مشيرا إلى أن درايته الكافية بشخصية علي خامنئي تؤكد له بأنه ليس من النوع الذي يمكنه الإقدام على خطوات هوجاء، فالسياسة الإيرانية تقوم في الأساس على التروي وعدم استباق الخطى، وأنها تعيش حاليا على أمل تغيير النظام الحاكم بحلول عام 2020، وعليه فإن تفاوض إيران مع واشنطن قد يبدو خيارا صعبا وغير مطروحا خلال الفترة الحالية.
كما يرى جورج بيب نائب رئيس قسم الدراسات بمركز ناشونال انترست أنه لا يمكن تطبيق مبدأ أيزنهاور ” إذا لم تتمكن من حل مشكلة ما، فعليك تصعيدها” على الأزمة الحالية بين إيران وواشنطن، مشددا على ضرورة تدخل مجلس الشيوخ الأمريكي من أجل التأكيد على جدية موقف واشنطن ورغبتها في حل الأزمة، فقد تكون تلك الخطوة على حد زعمه مقنعة للجانب الإيراني ومحاولة للخروج من مأزق أمة الثقة الذي وقعت فيه واشنطن بعد إعلانها الانسحاب من الاتفاق النووي.
ومن المشكلات التي طرحها الفريق البحثي الخاص بـ بولاك أيضا هي احتمال تركيز إيران على بعض الخطوط الحمراء غير الواضحة تماما في السياسة الأمريكية واتخاذ إجراءات معادية مما قد يأجج الصراع بين الطرفين، ولعل سياسة الباب المفتوح التي تنتهجها إيران من خلال عدم الإعلان صراحة عن عدم الالتزام بالاتفاق النووي قد تبرر لها الضربات المحدودة التي نفذتها مؤخرا والتي تمثلت في استهداف بعض ناقلات النفط في مياه الخليج العربي ولكن دون تعمد إغراقها.
كما يرى البعض بأن إيران تنظر إلى ترامب باعتباره شخصا ضعيفا وغير فاعل مما يجعلهم يقدمون على اتخاذ بعض الإجراءات العسكرية من أجل ردع الجانب الأمريكي والتي سوف تؤدي على الأرجح إلى رد فعل قوي.
وقد أجمع الباحثون في الأخير على أنه لا نية لأي طرف لخرق الوضع الحالي، وأن طهران ترجح حل الأزمة من خلال اللجوء إلى الحلول غير العسكرية والتي تتيح فرصة تجاوز العقوبات الأمريكية.
واقترح أحد الباحثين بأن تقدم طهران على اتخاذ بعذ الإجراءات الشكلية والخطوات التجميلية من أجل اقناع ترامب بنيتها لحل الأزمة من جانبها، وذلك على غرار تعامل الرئيس الأمريكي مع اتفاقية التجارة الحرة بأمريكا الشمالية، وعلى أية حال فإنه رغم وجود أي تسوية محتملة، فلازال شبح الحرب يلوح في الأفق.
رابط المقال الاصلي: اضغط هنا