الاحدثدولي

“واشنطن بوست” تكشف فضيحة التجسس بشأن التعاون مع جهة معادية للإسلام في أميركا

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” عن فضيحة التجسس التي تعرض لها مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية “كير” (CAIR). وقالت إن الفضيحة ذكّرت كثيرا من المسلمين الأميركيين، وكانت مجهرا عن الحياة التي يعيشون في ظلها مرحلة ما بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001. وكشفت الصحيفة عن الطريقة التي فضح بها كير الجاسوس “رسالة مشفرة ثم اعتراف”.

وفي التقرير الذي أعدته ميشيل بورستين وهناء علام، قالتا فيه إن الأمر بدأ ببريد إلكتروني مشفر أرسل في أغسطس/آب 2019 من دون اسم وموضوع معنون بعبارة “معلومة قد تحتاجها”، ولم يكشف عن الموضوع إلا بعد عام حيث جاء المرسل بمعلومة “هناك جاسوس داخل منظمتكم”.

ولفت التقرير إلى أن الرقابة الحكومية على المسلمين الأميركيين وعلى منظماتهم وزرع المخبرين بينهم، أصبحا أمرا عاديا في مرحلة ما بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، لكن الجماعات مثل كير، أكبر منظمة حقوق مدنية مسلمة في أميركا، قالت إن الرقابة والتدقيق الصارم قد خف في العقد الماضي.

وقال المتحدث باسم “كير” إداورد أحمد ميتشل “اعتقدنا أنه قد يكون شخصا معتوها”. ولكن الرسائل المشفرة قادت كير لاحقا إلى تسجيلات ونصوص وثقت ما قال كير إنها أكبر عملية تجسس معروفة حتى الآن ضد منظمة مسلمة في الذاكرة الحديثة. وقال إن ناشطيْن مسلمين كانا ولسنوات يقدمان معلومات من الداخل لمجموعة كارهة للإسلام مقرها في واشنطن، تعرف باسم “البرنامج الاستقصائي عن الإرهاب”.

وتضم خزانة الوثائق والتسجيلات لقاء في عام 2010 حضره قادة مسلمون في أميركا ناقشوا فيه الردود المعادية ضد مركز إسلامي مقترح في “غراوند زيرو” (Ground Zero)، مكان هجمات نيويورك. وضمت كذلك القلق النفسي من التصريحات المعادية للإسلام التي أطلقها المرشح الرئاسي وقتها دونالد ترامب، وكذلك هجوما قام به زوجان مسلمان في مدينة سان بيرنادينو بولاية كاليفورنيا، وتسجيلا للنائب الديمقراطي المسلم وقتها كيث إليسون ناقش فيه ديناميات القوة في الشرق الأوسط.

وكشف كير في الشهر الماضي عن رومين إقبال، الزعيم الذي مثل المجلس ولمدة طويلة مديرا لفرعها في أوهايو، بوصفه واحدا من المشاركين في التجسس.
دار الهجرة

وفي يوم الأربعاء الماضي، كشف المجلس عن طارق نيلسون (48 عاما) الذي كان حتى عقد من الزمان ناشطا في مركز دار الهجرة في فولز تشيرتش بفيرجينيا. ورفض ديف توماس محامي إقبال التعليق للصحيفة يوم الثلاثاء الماضي. وهذه المرة الأولى التي يُكشف فيها عن اسم نيلسون من قبل الأشخاص الذين لهم علاقة بالعملية بمن فيهم نيلسون والمركز وقيادة دار الهجرة، التي تعتبر من أكبر مساجد العاصمة واشنطن.

ومنذ الكشف عن عملية التجسس الشهر الماضي، ظل السؤال الذي يتردد بين المسلمين هو: لماذا؟ ولم يقدم كير أي تعليقات عن الدوافع التي دفعت إقبال لما فعله، لكن نيلسون اعترف بأنه تلقى 100 ألف دولار من الرجل الذي تعامل معه من المركز وعلى مدى 3 أعوام. ولكن المقابلات معه والمقربين منه كشفت أن المال لم يكن هو الدافع الحقيقي.

وفي مقابلة معه قال فيها إنه قضى سنواته الأولى كمسلم يتبع تفسيرا متشددا للإسلام بحيث وجد لاحقا صعوبة في أن يجد مكانه ضمن التيار الرئيسي للإسلام. ومن هنا اعتقد أن تقديم معلومات لجماعات معادية للمسلمين قد يقنعها بالموقف الحقيقي للمسلمين ويحصل بالمقابل على مال من خلال تزويده بمعلومات غير ضارة.

وتم الكشف عن الترتيبات عندما قام مبلغ من داخل المركز بالكشف للصحيفة، بشرط عدم الكشف عن هويته، أن التعاون جاء من الرغبة في مرحلة ما بعد 9/11 لحماية الولايات المتحدة من الإفراط والتحول إلى مشروع ضار بالمجتمع المسلم في أميركا، إلا أن الفضيحة تقدم للمسلمين تذكيرا بالوضع الذي يعيشون في ظله منذ الهجمات.

جماعات الإسلاموفوبيا، مثل المشروع الاستقصائي عن الإرهاب، خطيرة وترى أن العنف متأصل في المسلمين أو أنهم خطر ديمغرافي للدول الغربية

وفي العقد بعد الهجمات، أصبحت الرقابة صارمة بشكل كبير بحيث أبعدت المسلمين عن المساجد وخلقت جوا من الشك بين التجمعات المسلمة. ولكن الخوف خفّ في السنوات الأخيرة، إذ تراجعت قضايا الإرهاب التي تنسب للمسلمين. بيد أن القلق لم يختف مطلقا، وحسب ميتشل “كانت هناك محاولة للعيش معها مثل كوفيد”، مضيفا “ما يثير دهشة المسلمين حول (قضية المركز) أن عملية التعلم كانت كبيرة ولمدة طويلة”.

وفي مؤتمر صحفي، قال المدير التنفيذي لكير نهاد عوض إن المجلس حاول التواصل مع مكتب التحقيقات الفدرالي “إف بي آي” (FBI) حول عملية التجسس الطويلة، ولأنه كان قلقا حول عملية خرق القانون، ولأن بعض الوثائق كشفت عن تواصل مدير المركز ومؤسسه ستيفن إيمرسون مع مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية. ولم يحصل المجلس على رد، كما قال عوض. ووصف هذا بـ”المخيب للأمل”، وتساءل “هل هذا لأننا مسلمون؟”، ولم يعلق إف بي آي بشكل مباشر.
جماعات الإسلاموفوبيا

وقال ميتشل إن جماعات الإسلاموفوبيا، مثل المشروع الاستقصائي عن الإرهاب، خطيرة وترى أن العنف متأصل في المسلمين أو أنهم خطر ديمغرافي للدول الغربية. وأشار إلى القاتل المحترف في كيوبيك بكندا في 2017 الذي تأثر بمحتويات المركز التي يضعها على الإنترنت.

وقالت جنا الأخرس (28 عاما)، المحامية من كولومبوس والتي تعرف إقبال عندما كانت في المدرسة المتوسطة عبر كير، إن المسلمين في المنطقة لا يزالون يشعرون بالغضب بعد أسابيع من الكشف عن التجسس. وقالت إن جزءا من مهامه كانت متابعة قضايا خاصة مثل الهجرة والتوظيف والتمييز العنصري والخلافات العائلية. وفكرة أنه أوصل وعلى مدى السنين هذه المعلومات الحساسة ووضعها في أيد معادية، تثير الخوف.

وقال سيف الرحمن مدير الشؤون العامة والحكومية في دار الهجرة في شمال فرجينيا، وهو المسجد الذي تطوع وصلى فيه نيلسون، إن كير حذرهم قبل عدة أشهر من وجود جاسوس. وبعد الكشف عن مزاعم أوهايو، قال سيف الرحمن إن نيلسون تحدث مع مسؤولي مجلس المسجد واعترف بأنه عمل مع المشروع الاستقصائي عن الإرهاب. ومع انتشار الخبر ساد شعور بالصدمة والخيانة، فلم يتوقع أحد هذا من نيلسون الذي اعتبر “ودودا واجتماعيا”.

وفي بعض الحالات، الأمر يتجاوز مسألة الأذى الشخصي. فقد أكد نيلسون أنه سجل تعليقات إليسون في حفل جمع تبرعات بالمسجد نظم في عام 2010 التي قال فيها إن السياسة الخارجية الأميركية “تحكمها” المصالح الإسرائيلية. وأكد إليسون أن التعليقات التي لم تستغرق سوى 36 ثانية أخرجت عن سياقها. وبعد 6 سنوات استخدم معارضو النائب المسلم التسجيل لحرمانه من رئاسة اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي في عام 2016.

ورفض إليسون التأكيد إن كان التسجيل قد أثر على فرصه للفوز باللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي، ولكنه تحدث في بيان للصحيفة عن الرقابة، إذ قال “الحقيقة بشأن الحملة الطويلة للتضليل والتجسس على المسلمين الذين يقومون بنشاطات شرعية يسمح بها التعديل الأول للدستور ودفع عشرات الآلاف من الدولارات إلى أشخاص للقيام بحملات تشهير وخداع، لا تزال مستمرة”.

وأضاف “لو كشفت العشر السنوات الماضية عن أي شيء فقد كشفت عما يطلق عليه التخويف من المسلمين الذي كان دائما عملية تضليل مدروسة لاستعداء الأميركيين ضد بعضهم بعضا”. وكتب عمر لي، الكاتب من سانت لويس والذي قابل نيلسون في مشهد المعتنقين الأصوليين للإسلام في التسعينيات من القرن الماضي، مقالا من 20 صفحة عن صديقه، واطلعت عليه الصحيفة وصوّر نيلسون بأنه كان في مرمى عدة تحديات مجتمعية، باعتباره أفريقيا أميركيا يواجه العنصرية من غير الأفارقة من مسلمي الولايات المتحدة. ورجل في متوسط العمر خرج من مرحلة التشدد يحاول البحث عن الحقيقة، ورجل أميركي مسلم يركز على الصلاح والتقوى الشخصي في وقت يركز فيه بقية المصلين في المسجد على الشؤون الخارجية، بالإضافة لمحافظ ديني يحتاج لعناية نفسية في مجتمع لم يوفرها له.
روح محطمة

وكتب لي “اعتذر طارق وقال إنه نادم على ما فعل، وأعتقد أننا نعرف بالبديهة أن التجسس على الآخرين ليس مدعاة للفخر وله تداعياته”.

وأضاف أن “قصة طارق نيلسون هي عن روح محطمة بعد خفوت اللهب السام للأصولية”. ولم يتولَ نيلسون أي منصب قيادي في أي مسجد أو مؤسسة إسلامية، لكنه كان متطوعا في دار الهجرة منذ 2005، كما أخبر واشنطن بوست.

وقال إنه عمل مع الشباب والدعوة ونشر الإسلام في تلك السنوات الحساسة. وتقاطع عمله في بداية الألفية الذي ركز فيه على شجب أسامة بن لادن والقاعدة، مع مدير المشروع الاستقصائي عن الإرهاب إيمرسون، الذي يعد من أكبر المعادين للإسلام في أميركا.

وأضاف أن تركيز إيمرسون كان على الإرهاب. ونشر المركز البيان نفسه الذي نشره الشهر الماضي بعد الكشف عن إقبال “في الوقت الذي لم ولن يقوم فيه المشروع الاستقصائي عن الإرهاب بمراقبة المجتمع المسلم الأميركي إلا أنه لن يتردد في الكشف وفضح النشاط الإسلامي الراديكالي على التراب الأميركي”.

وفي اليوم الذي طلب منه إيمرسون عنوانه وأرسل له المال من دون أن يتوقع، بدأت علاقة قادت إلى راتب شهري بثلاثة آلاف دولار ما بين 2008 و2011. وقال نيلسون إنه لا يوجد مبرر لما فعل، وإن الكثيرين في دار الهجرة كانوا طيبين معه، وبالنظر للوراء فهو يبرر دوافعه بالمعقدة والمتناقضة وربما كانت “حماقة”.

واختتمت الصحيفة بما قاله المبلغ الذي أرسل الرسائل الإلكترونية إلى كير، إنه كان من المتحمسين في السنوات الأولى من أجل دعم الأمن الأميركي. ومع مرور الوقت ومقتل الجنود الأميركيين في العراق بشكل عبثي، فقد اعتبروا أنفسهم من الذين يحترمون الدين واكتشفوا أن إيمرسون لا يحب الإسلام.
المصدر: اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى