الإسلام السياسي في العراق بعد الانتخابات | بقلم علي الهماشي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
الإسلام السياسي مصطلح أُطلق على الأحزاب والحركات التي تضع في دساتيرها أو أنظمتها الداخلية هدفًا مفاده أسلمة المجتمع ، وهذا ما أعرفه بإختصار عن هذا الإسلام السياسي.
وهناك من يتخذ الكفاح المسلح طريقًا لفرض رؤيته، ومنهم من يكتفي بالتثقيف من خلال دعوته الى العودة الى الإسلام الاصيل، إسلام الجيل الأول للمسلمين من خلال العمل والعودة إلى القران والسنة النبوية المطهرة .
والعراق كغيره من بلدان الشرق الأوسط نشأت فيه شخصيات، و حركات وأحزاب كانت ترى في الإسلام هو الحل لإنهاء معانات المجتمع، سياسيًا، اقتصاديًا، أمنيًا وعدالة.
وقد تكون مقاومة الاحتلال البريطاني في أوائل القرن الماضي أول ظهور للإسلام السياسي، بعد أن كانت قبل ذلك جميعات دينية أو بالأحرى ثقافية أو اجتماعية و لم تخرج عن هذا الاطار.
وعند الحديث عن الإسلام السياسي لا يمكننا إغفال وجود الحوزة العلمية في الحاضرة الروحانية ذات الامتداد التاريخي في النجف الأشرف مستمدة من مرقد رمز من رموز الإسلام الأصيل علي بن أبي طالب (ع) الذي تنتمي إليه الطائفة الشيعية التي تمثل الغالبية من أبناء الشعب العراقي وهو الخليفة الرابع في تسلسل الخلفاء الراشدين عند أغلبية المسلمين، وبالاضافة الى مراقد الائمة من ولده وأحفاده، وكذلك مرقد أبي حنيفة النعمان ( رض) الذي ينسب اليه المذهب الحنفي.
فهذا الأمر أعطى بعدًا روحيًا تاريخيًا للنظر لتبني الرؤية الإسلامية وإنْ إختلفت مدياتها، وكانت ثورة العشرين الخالدة في القرن الماضي من أهم تجليات الانتماء للإسلام في تمسك العراقيين بهويتهم الإسلامية والاسراع الى تلبية فتوى الجهاد الصادرة من مراجع المسلمين في الحوزة الإسلامية لطرد الاحتلال البريطاني أنذاك.
ولم تكن مسألة التنظيم الحزبي الإسلامي في العراق معروفةً من المكونين الشيعي والسني الا في منتصف القرن الماضي حيث تشكل فرع للاخوان المسلمين، والحزب الفاطمي الذي اختفى ولم نعرف عنه الكثير ثم تأتي بعده حزب الدعوة الإسلامية من قبل الشهيد محمد باقر الصدر رحمه الله ومجموعة من طلاب الحوزة العلمية والاساتذة الأفاضل.
وهناك تفاصيل وأخذ ورد فيما يتعلق بظروف التأسيس لهذه الأحزاب إلا أنَّ ما يهمنا في موضوعنا هذا هو تصدي هذه الاحزاب للنظام البائد أو معارضتها لكل أشكال الحكم بعد النظام الملكي ومن ثم ظهور عدد من الاحزاب السياسية الإسلامية في الثمانينات من القرن الماضي .
تصدرت الأحزاب الإسلامية سيما حزب الدعوة الإسلامية المعارضة للنظام البائد ،ولم تكن في اوليات عملها الكفاح المسلح ،وسيق الحزب وبقية الاحزاب المعارضة (الإسلامية وغيرها) الى مواجهة غير متكافئة ، ولم تكن مواجهة بمعنى المواجهة بل كان القتل والتغييب والسجن لكل من وقعت عليه الشبهة بمعارضة النظام ، أي مواجهة من طرف واحد.
إلا أن ظروف الحرب العراقية الايرانية في مطلع ثمانينيات القرن الماضي أدخلت السلاح في مواجهة النظام السابق .
والأحداث تكاد تكون معروفةً للقاصي والداني إلا أنَّ هذهِ المقدمةِ أجدها ضرورية للولوج إلى ما أردتُ الحديثَ عنه فيما يُروج له (بسقوط ) الإسلام السياسي في العراق ورفض الجماهير (انتخابيا) لهذه الأحزاب وما يُعده الآخرون نصرًا و تحولًا في الوضع السياسي في العراق وبداية النهاية للاحزاب الإسلامية ، إلا إنني أراها حالةً من تغيير (مزاج) العراقي ،وليس تحولًا في رؤيته و اختياره ، و ليس رفضًا للإسلام السياسي و هذا بحاجة الى تفريق بين المزاج و بين الرؤية .
فلو اتخذتْ الامورُ منحىً آخر كما جرت عند هجوم التنظيمات الارهابية في 2014 حيث كان ما كان فلم نرَ إلا تلاحم الجماهير مع المرجعية الإسلامية وتلبيتها لفتوى الجهاد الكفائي …
وأجدني مضطرًا للحديث عن (تخلي) الأحزاب الإسلامية عن مشروعها الإسلامي عمليًا، وحاول بعض أعضاء حزب الدعوة تغيير مصطلحات الأسلمة الى الأنسنة والعدالة وانفاذ القانون واختفت هذه المصطلحات بإختفاء شخوصها عن المشهد السياسي التنفيذي وما أقصده بالتنفيذي هنا ،هو أننا نستمع الى مَن هو في المنصب التنفيذي فقط ، ولانملك منصات إجتماعية أو نوادي سياسية وثقافية ليُنَظِر فيها المفكرون والأدباء والسياسيون لإطروحاتهم ،ولا أجد مشهدًا من الناحية النظرية لإطروحة سياسية أو ثقافية أو إجتماعية بالرغم من وجود محاولات يتيمة فاقدة لتأثيريها في المجتمع.
فنحن نفقد الحراك الثقافي والحراك الاجتماعي والحراك السياسي خارج السلطة .
ولم أجد في أطاريح الأحزاب التي صُنفت على أنها إسلامية أي برنامج اسلامي سياسي لا في البرنامج الانتخابي لها ،ولا في خطب زعمائها ، بل يمكن أن اُسجل نوعًا من الهروب من هذه الصفة و كأنَّ الأمرَ سبةٌ فرأينا خلع العباءة الإسلامية ببدلة أنيقة توائم المزاج الشعبي ،أو ظروف الاحتلال.
حتى بعد تجربة الحشد الشعبي التي أُنشأت كحالة للدفاع ، وصد عصابات داعش الارهابية بينما أراد قادته التحول من حالة مؤقتة الى أساس من أُسس النظام بتبني فكرة الدفاع عن النظام السياسي الحالي .
ونجحوا في ذلك حيث أصبح تشكيلا ومؤسسة من مؤسسات الدولة العراقية .
ولا يمكن إنكار بروز الحشد على المسرح الجماهيري سياسيًا واجتماعيًا لظروف عدة بحاجة الى الوقوف عندها لفهم الوضع بكل حيثياته منذ التأسيس وحتى خيار دخول الانتخابات للحضور في المشهد السياسي البرلماني .
ومن يحاول أن يربط بين فصائل الحشد و الإسلام السياسي عنوةً فهو ربط بحاجة الى تفكيك المشهد فهناك فرق كبير بين العسكرة وبين التنظير ،بين تثقيف مجتمع وفق الاليات العلمية لتغيير المجتمعات نحو رؤية ما ،وبين فرض واقع مسلح على أنه الممثل للمشهد كله.
وحتى تبني فكرة المقاومة التي تتغنى بها بعض الفصائل بحاجة الى تثقيف وتنظير ولن تخدم الانفعالات الحركية المشهد السياسي ولا مستقبل هذه الفصائل من ناحية الزخم الجماهيري ، والجيل الثوري إن لم يستند الى تثقيف وقاعدة جماهيرية واسعة سرعان ما يسقط عند المواجهة الحقيقة ،فخيار المقاومة إن جاز لنا التعبير والموافقة على هذا الخيار وهذه التسمية لن تصل الى حالة اجتماعية متأصلة، ولايمكنها النفاذ الى وعي المواطن بنفاذ السلاح، فالإطلاقة السريعة تنتج رد فعل سريع ، وبعد برودة الموقف لا تستقر هذه الاطلاقة وانما ستذهب الى الجهة الاخرى.
فالمقاومة خيار وليس شعار ،وحمل السلاح لايعني حمل العقيدة وهناك من تأخذه الحماسة في ذلك دون أن تتأصل فيه الروح الإسلامية ،ومن الخطر الأكبر على المجتمع أن يكون السلاح بيد من لايفقه دينه وإسلامه.
كما تفتقد هذه التنظيمات الى تثقيف سياسي ،تفتقد كذلك الى التعبئة الجماهيرية اللازمة لكي تستطيع تسيد المشهد السياسي كبديل للاحزاب والحركات الاخرى
وهذا الامر يكاد ينطبق بشكل او باخر على تنظيم التيار الصدري الذي يدعو زعيمه بين فترة واخرى الى العودة الى الإسلام ،وأنه وريث المرجع الشهيد محمد صادق الصدر رحمه الله ، إلا أننا لم نجد ملامح لمشروع اسلامي من حيث المضمون والواقع العملي .
وهو بذلك لا يختلف عن كل الاحزاب والحركات التي تصنف كأحزاب وحركات إسلامية . وبالمجمل فإننا لانملك في العراق أحزابًا إسلامية بالمعنى العملي والعلمي لهذه التسمية ،ولم تدعِ أية حركة أو يدعي أي حزب سعيه لاقامة دولة اسلامية في العراق ،وأقصى ما نادت به هذه الاحزاب إعتماد الإسلام كمصدر أساسي للتشريع في الدستور “أولًا الإسلام دين الدولــة الرسمي، وهـو مصدر أســاس للتشريع”1، وهو ما جاء وفق رغبة المرجعية الإسلامية في النجف الاشرف .
لهذا وبعد ما تقدم لايمكننا أن نوافق على القول بسقوط الإسلام السياسي لأن هذه الاحزاب هي من تخلت عن ما كان في أدبياتها منذ دخولها العملية السياسية ، اضافة الى أننا لو اطلعنا على مجموع الاصوات فهي لم تختلف عن النتائج للانتخابات الماضية للدورات جميعها حيث حصل (الشيعة ) على أغلب مقاعد البرلمان تلاهم بعد ذلك (السنة) ثم الاكراد ،وهي نفس التقسيمات للانتخابات السابقة.
وهذا يبين أن الخيار لايأتي على التوصيف الإسلامي أو العلماني (كما أني أتحفظ على تسمية بقية الأحزاب بالعلمانية ) لأنها لاتمتلك تنظيرًا واضحًا في هذا المجال وينقسم أعضاء الاحزاب والحركات الغير إسلامية طائفيًا وقوميًا …
نعود لنؤكد أن النتائج فيما لو قارنها بنتائج الانتخابات السابقة تكاد تكون متقاربة في التقسيم للمكونات الثلاث، ولم يتغير الا بصعود بعض المستقلين وهم واجهات لاحزاب و حركات (اسلامية ) كما سيتبين بالتحالفات بعد إقرار النتائج أو يلتحقون بعد ذلك في التشكيلات والائتلافات البرلمانية بحسب التفاهمات التي ستجري لتشكيل الحكومة المقبلة ..