التفاؤل في المجتمع العراقي ..(2) كتب علي الهماشي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
لمن فاته متابعة الجزء الأول :
كنتُ قد أنهيت ما كتبته سابقاً عن التفاؤل في المجتمع العراقي في الجزء الأول بهذهِ العبارةِ “إنَّ مسؤوليةَ المفكرين والسياسين أنْ يستنهضوا في الفرد والمجتمع -على حد سواء- مكامنَ القوةِ ،والعواملَ التي تبعثُ على الأمل ،وتجعل من الإنسانِ مستقراً نفسياً يستطيعُ التَغَلُبَ على الضغوطِ اليومية الإجتماعية أو الامنية أو السياسية “.
هذه المشاكل المعيشية لا يستطيعُ أيٌ منا أنْ ينفكَ عنها بسهولةٍ.
ويبقى المفكر والسياسي والمثقفُ إبنُ بيئته،وبيئتنا إنفعالية تعيش الإقصائية ،وتعيش التصنيف وازدادات بعد التغيير بعد الكبت الديكتاتوري طيلة أربعة عقود من الزمن ،وأعتقد أنها نتيجة طبيعة يتم معالجتها بمرور الزمن .
ولكن المشكلة تكمن في أنَّ شريحةً واسعةً من المثقفين والمفكرين عندما يَعرِضُ أفكارَهُ ورؤاهُ فإنه يعرضها بطريقةٍ مشحونةٍ بعاطفةٍ غير مبررة ، وكأن فكرتَهُ هي الصوابُ كلُهُ ، وبهذا لن ينتج إلا مزيداً من التوتر والتشتت ، وهذه الأفكار في معظمها يلفها السوداوية ولعن الواقع الذي نعيشه .
إنَّ المثقفَ والمفكرَ لايستطيعُ الانتاج إلا إذا إستطاعَ التحررَ مِنْ ضغوطاتِ البيئة ،ويترفع عن التصنيفات والقوالب الجاهزة ،ولا يعني هذا الانسلاخ من جذوره وواقعه لأنَّها حالة غير صحية أيضا، بل عليه أنْ يعيشَ بعقلية باردة بعيدة عن التوترات والانفعالات لكي ينتج فكراً وثقافةً دافعةً نحوالأمام ،فكراً بناءً يُعيدُ للمجتمع نسيجَهُ،يقربَه من طموحاته ،يبعثُ فيه روح الجماعة وكلها تأتي من زراعة الأمل كخطوة أُولى .
ولهذا عندما نريدُ نتاجاً نزرعُ التفاؤلَ ولابد أن يكون ممزوجاً بشعورٍ حقيقي ،ومن ثم نُتَرجمُهُ الى الواقع .
والتفاؤل يأتي من الثقة والإيمان بالله سبحانه وتعالى ، مع أن الله أمرنا أن نأخذ بالأسباب وعلى طريقة “إعقلها وتوكل “. إننا بحاجة الى حركات إجتماعية نهضوية مع مراقبة مسارها ،وحمايتها من الإنحراف فالخطر الحقيقي يكمن في إنحراف حركاته الاجتماعية عن الاهداف المعلنة ،أويصيب قادة الحركات ما يُصيب أفراد المجتمع من أمراض نفسية من انتفاخ الشخصية وصولا الى تغليب المصلحة الفردية على مصلحة الجماعة ، وهوما يُشَكِلُ خطراً كبيراً على المجتمع وتسبب الصدمة الكبرى .
والخطرُ الآخرُ عندما تحاولُ القوى المضادة حرفَ هذه الحركاتِ أووأدها مما يُولِّدُ التشاؤم ،وفقدانَ الأملِ.
وتحاولُ القوى المضادةُ أنْ تعملَ على “اندحار المَثَلِ الأعلى وسقوطِ القيمةِ وضياعِ الإحساسِ بالسكينةِ وسيادةِ التوترِ والزيفِ” كما كان سارتر يرى ذلك في مجتمعه من خلال كتاباته ورواياته وأهمها رواية (الغثيان).
وهنا يأتي دورُ المثقفِ والقائدِ الاجتماعي الذي يختزنَ تجاربَ الشعوبِ والمجتمعات ومخرجاتها ومآلاتها ، ويملك أُفقاً واسعاً ودرايةً كبيرة بمجتمعه ،وتكادُ السننُ الاجتماعية أنْ تكونَ واحدةً في مجملها ،ولكنها تختلفُ في بعضِ التفاصيل .
إنَّ زراعةَ الأملِ ليستْ عمليةً ترفيهيةً ، أوترقيعيةً ، ولا صناعةَ وهمٍ ،وإنما هي ترسيخٌ لثقافةٍ ولرؤيةٍ ،والشعوبُ الحيةُ هي تلك الشعوب التي لاتفقد الأمل .
والأملُ الذي تعيشه المجتمعات هو التحدي الذي تواجهُ به المخططاتِ التدميرية وتواجه به النكبات وعليها أن تتمسك (بقلق) الأمل ،وتجعل منه هدفاً ورؤيةً لحاضرِها ومستقبلها .
إن قتل التفاؤل والأمل هو موت للمجتمع وهو ما يؤدي الى النزعة الفردية وتفتت نسيجه ،وهذا من أشد مراحل الخطرة على مجتمعنا .
وللحديث بقية .