العراقيون بحاجة الى سلوك ومنهج جديدين (٢). كتب علي الهماشي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
لقراءة الجزء الاول:
العراقيون يحتاجون الى سلوك ومنهج جديدين
أبدأ من حيث انتهيت في المقال السابق حول الجيل الالفيني أو لنقل الجيل الذي الذي تقارب أعماره الثلاثين أكثر أو أقل والذي سيكون عاملا مهما في الانتخابات العراقية المقبلة. وقد لا أُجافي الحقيقة إن قلت أن أغلب الكتل السياسية لاتملك قراءةً واضحة عنهم.
وكذلك لا تفهم هذه الكتل لغة القطاع الواسع من المجتمع، ولا توجهاته، والمشكلة أن بعض العقول السياسية لا بل معظمها تريد من هؤلاء الشباب أن يلتحق بها ويفهمها مع أن الوصايا الاسلامية ومنها وصية الامام علي عليه السلام تشير إلى غير ذلك حيث قال:-” لا تقسِروا أولادكم على آدابكم فإنّهم مخلوقون لزمان غير زمانكم “.
فالجيل السياسي المتصدي عليه أن يفهم الشباب ويفهم واقعه، ويفهم لغته، ويفهم تطلعاته، وعليه أن يحاكيه بلغته. فهذا الجيل (جيل التكست مسج) لايريد أن تُنَظِر له بخطب مطولة، هو بحاجة الى رسالة مباشرة وقصيرة، يريد منا شيئا عملياً ملموساً، وهكذا هي الحياة تتغير بتغير طباع الناس، كما تغيرت طباعهم وطريقة تفكيرهم بعد انتشار المطابع، أوبعد ظهور وسائل النقل، ووسائل الاتصال.
وعلى السياسي أن يستوعب ويقرأ حركة المجتمع ولم يعد هذا كافياً بل عليه أن يدرس الارهاصات وإن كانت فردية هنا وهناك لأنها قد تتحول الى ظاهرة سيما بعد أن أصبح التواصل سريعا وانتقال الافكار بسرعة انتقال الالكترون في عالم الشبكة العنكبوتية والهواتف الذكية.
فالفكرة تكتب وترسل ويتلقفها الالاف من الناس في مواقع التواصل الاجتماعي. وبالتأكيد فإن الشباب هم الطبقة الفاعلة في هذا المجتمع، التي تتفاعل مع أفكار مستوردة، وغير مستوردة ولابد من استيعابها بشكل او بآخر، وهم عجلة الحاضر ورجال المستقبل.
ومشكلة الاجيال المتقدمة أنهم غير راضين عن الاجيال الشابة، وتبدأ التوصيفات المعروفة جيل غير مسؤول ولا أُبالي، وجيل فوضوي، وجيل (مايع )الى كثير من التوصيفات السريعة لمجرد أن يشاهد ملبس َهذا الشاب أو الشابة، أو رسمةً او وشماً على إحدى يديه.
ولكنني أنظر الى إيجابيات هذا الجيل الذي لبى نداء المرجعية في فتوى الجهاد الكفائي وترك بعضهم مقاعد دراسته في الاعدادية أو الجامعة ليحمل السلاح لتحرير الاراضي التي احتلتها منظمة داعش الارهابية، وأكد انتماءه وأصالته لسماعه جملا بسيطة وواضحة أججت المشاعر واطلقت الحناجر (حي على الجهاد) فأسرعت الى ساحات القتال وهم لا يعرفون كيف يضغطون على زناد البنادق.
وهناك فئة خرجت للتظاهر في تشرين 2019 لرفضها الظلم والتعبير عن حاجتها للتغيير واثبات مواطنتها، وهنا قد يلومني البعض لاني أُبعد عن المتظاهرين التخوين والاتهام بتنفيد أجندات مشبوهة، ولكني ابحث عن الاسباب التي دفعت هذا وذاك للتظاهر بدلاً من لعن المؤامرة، فمن تمر عليه المؤامرة عليه أن يفتش عن الاسباب التي أدت لنجاحها، لا أن يبدأ بالبكاء والتباكي على ما جرى وما هي نتائجه.
وعالم السياسية يبيح لك كما يبيح لغيرك التخطيط وعندما تقدم ما هو مقنع، ستنال رضا الجمهور من الشباب وغيرهم، وعندما لا تفعل ما مطلوب فستكون الساحة لغيرك جاهزة. ولهذا كله نحتاج الى خطاب متجدد متسامح، وسلوك جديد، هذا السلوك الجديد لايعني الابتعاد عن الاصالة بل ترصينها وتقويتها، هذا السلوك يعيد التواصل ويديم البقاء.
وأخشى ولا أُريد أن أُجزم أن الكثير من السياسين لايملكون إحصائية عن تعداد الشباب أو الجيل الالفيني، ولا يعلم ما هي توجهات هذا الجيل سواءً القطاع الذي اختار التعليم، أو القطاع الذي أجبرته الظروف على ترك الدراسة والعمل بالاجر اليومي. وحتى اولئك الذين تطوعوا وقاتلوا داعش وبينهم من الشهداء والجرحى فقد عانت عائلاتهم الاهمال !. وبعضهم عاد الى عمله أو إلى مقعده الدراسي ولا نجد الا القليل الذين يتم التواصل معهم.
المهم في هذا الجيل الالفيني أنه لا يملك المزاج الطائفي، ولم يجرب مرارة النظام البعثي، وهذا ما يجب أن يجبر الكتل السياسية على خطاب جديد وسلوك يتماشى مع رؤية هذا الجيل لاقناعه والتواصل معه.
وأي نظام سياسي في العالم لا يكون الشباب هدفه فهو نظام آيل للسقوط لا محالة، وما زلت أُراهن على الفطرة للشعب العراقي فقد حاول نظام البعث لاكثر من عقدين من الزمن أن (يدجننا) وحاول غسل عقول الاجيال الناشئة أنذاك وكان شعاره”خذوهم صغارا” و”نكسب الشباب لنضمن المستقبل” إلا أن الجيل الشبابي في بداية التسعينات من القرن الماضي خرج منتفضا ضد النظام الديكتاتوري، وكان النسبة الاكبر من المنتفضين هم من جيل الشباب.
لكن هذا الامر لايعفي من المسؤولية التاريخية والوطنية والشرعية، فلا يمكن للسياسية أن تُبنى على الامل بل على تخطيطٍ مدروس ودؤوب، وأخشى أن الاخرين خارج الحدود يخططون في دوائر ومؤسسات خاصة عن تطلعات هذا الجيل وأماله وتتم محاكاته فيؤدي الى انفصاله عن واقعه ووطنه.
والعام 2021 ليس مثل عام 1990ولا يجب أن نعتمد على الصدفة في تحريك الامور فمن لا يستطيع أن يخطط ويفهم واقعه سيكون مصيره الفشل لا محالة.