العراق امام السؤال الكبير: اعادة ثقة الشعب بالحكومة
كأن عنوان المقال يأخذنا الى ان الشعب العراقي كان يثق بحكوماته وانظمته التي جاءت بعد انقلاب الجمهورية سنة 1958.ولكنه جاء كسباق لحديثي عن الحكومة الحالية التي مازالت تلملم
اوراقها ولم يكد شهر العسل ينته حتى بدأت الجيوش الالكترونية تضرب بعضها بعضهاوتوجه سهام الإشاعات والتقولات التي يتلقاها المواطن وهو غارق في الازمة الصحية من جراء جائحة (كوفيد -19)اضافة للازمات المتراكمة التي تحملها سابقا .
ان ازمة الثقة التي يشعر بها المواطن لم تكن وليدة اليوم بل انها أزمات تراكمت منذ عقود من الزمن ،وكل شريحة تعيش في ازمة خاصة اضافة الى الازمات العامة للبلد .
ومما يزيد التوتر هي كمية الضخ الاعلامي الذي يراد منه عدم الاستقرار للعراقي نفسيا واجتماعيا وسياسيا ويبقى مهيئاً لان يتخذ موقفا معاديا للحكومة .
هناك اضطراب اجتماعي سياسي اقتصادي في البلد لا استطيع القول انه وليد اليوم بل استطيع ان اؤكد ان ذلك متراكم منذ تأسيس الدولة العراقية ونتائج ثورة العشرين في القرن الماضي وصولا الى الانقلاب على الملكية في سنة 1958 .
فلم يكن المواطن العراقي يرى امامه معايير العدالة الاجتماعية بل يرى صراعا تكون الغلبة فيه لمن يمتلك السلطة او يكون قريبا منها
فالاستقرار للشعوب لايمكن ان نقيسه بعام او عامين ،فالامن المفقود للمواطن كان ياخذ اشكالا متعددة من اعتقالات مخيفة في جنح الظلام واسرع الاسباب واسهلها المعاداة للنظام وعدم تأييد الثورة (كل انقلاب في العراق سمي ثورة)!.
لقد كان المواطن يخشى ان يأتي الليل الذي يعد السكينة والراحة بعد نهار شاق وطويل ولكن
ليل العراق مختلف كثيرا ففي فترات طويلة تحول الى قلق وترقب من طارق الليل أما الاعتقال واقتياده الى جهة مجهولة او القتل وكلاهما وقعه اسود .
هذه الامور لم تختف بعد التغيير في 2003 بل استمرت واخذت ابعادا واسبابا اخرى لانحتاج الى ذكر تفاصيلها فكل حادثة تدفعنا الى المزيد من القلق والتربص وتولد لدينا نوعا من التوحش وعدم الالفة بين بعضنا بعضا وبيننا كمواطنين والنظام أيا كان نوعه !.
مازال المواطن يشعر بتباين واختلاف بين الخطاب والسلوك للحكومة وان كانت هذه الحكومة حديثة ولم يمض على منحها الثقة الا اربعين يوما او اكثر بقليل ولكنها جوبهت بركام من الاسئلة من المواطن الذي تتقاذفه الازمات
وفوجئت الحكومة باوراق مبعثرة تكاد تدخلها في دوامة لان الشروخ المتعددة التي انتجتها الحكومة السابقة وهي المنظورة حتى الان ناهيك عن ممارسات وخروقات كثيرة للحكومات السابقة او لم تستطع معالجتها لان بعضها كانت ما نستطيع ان نسميها (حكومة حرب) لانها جاءت في ظرف احتلال داعش لمساحات شاسعة من ارض العراق وكان تحت سيطرة هذه المنظمة الارهابيية الملايين من ابناء العراق .
ان خطوات اعادة الجسور بين المواطن والحكومة بحاجة الى سلوك حكومي بعيدا عن الخطاب التعبوي الانفعالي و ان المواطن لم يعد يكترث بشروح للخطط التنموية فالغريق لايريد ان تشرح له شعوره بالبرد وتلوم الظروف التي اوقعته بالغرق انه بحاجة لان تمد يدك اليه لتنقذه من الغرق او تساعده على السباحة لكي يصل الى شاطئ الامان ..
مازال المواطن يجد صعوبة في تعزيز انتمائه وشراكته مع الحكومة وهذا يجعل ماحوله مشوبا بالحذر والترقب وعدم الثقة وعلى الحكومة اقناعه بان امنه لايتحقق الا بامنها
امنه الصحي المالي والسلوكي والجسدي
ويجب ان يتعزز لديه مفهوم الامن المسترك وان
امن الفرد لايتحقق الا بامن الجماعة والعكس صحيح
عندما يشعر المواطن ان الدولة دولته
وان الحكومة حكومته سيسعى من اجل حمايتها وحماية نفسه ..
اما اذا كانت الحكومة في واد والمواطن في واد اخر فلا يأبه لابامنها ولا امنه هو ويعيش حالة اليأس والاانتماء وهي من اسى الطروف التي يمر بها المواطن .
المواطن العراق مر بهذه الحالة في التسعينيات من القرن الماضي
حصار جائر وظلم الحكومة فتمنى سقوط النظام ولهذا كان النظام منهزما لان عمقه الجماهيري يكاد يكون معدوما ..
والان هناك غضب وهناك عدم رضى قد يكون بعضه مسيسا وبعضه محقا وان لم تستطع الحكومة زرع الثقة في نفس المواطن اعتقد الازمة ستستمر وقد تحدث(انفجارات امنية ) في المحافظات العراقية ونعود في دوامة العنف او لنقل دوامة القلق واليأس واللا إنتماء
وعليه فالحكومة بحاجة الى خطوات عملية
وان كانت لها رؤية واضحة وستراتيجة عمل للخروج من الازمات عليها أن تكون شفافة وتستنهض وعي المواطن الحقيقي والابتعاد عن الخطاب العاطفي الذي لايستقر كثيرا لانه مرهون بمؤثرات اخرى وعندما يكون الربان والراكب في السفينة بقلب واحد وعقل واحد تتجه الى بر الامان.