العراق: لماذا فشلت المنظومة التي جاءت بعادل عبدالمهدي؟ | علي الهماشي
للأشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
قد يقع اللوم كله على السيد عادل عبدالمهدي باعتباره رئيسا للحكومة ولكن هذا لايكفي لتقييم المرحلة فلابد من تقويم المنظومة التي جاءت به وظلت تدافع عنه لانه نتاجها وهو ما اوصل البلاد الى طريق مسدود واوصل الامور الى نفق مظلم لولا بصيص الامل باختيار رئيس وزراء غيره بعد ان عطلوا نجاح مكلفين اثنين غيره ..
وهنا سنحاول مناقشة الامور بموضوعية لكي لايقع كل اللوم على السيد عبدالمهدي مع انه المسؤول الاول الذي رضي بالمعادلة التي اوصلته الى رئاسة الوزراء ورضي بوزراء اغلبهم كانوا نتاج صفقات معروفة (لااريد هنا ان اركز عليها )بقدر تركيزي على اداء المنظومة وستكون المساءلة التاريخية معه وحده شاء أم أبى ولكن لابد من مناقشة الامور لكي نحدد المسؤولية التاريخية والوطنية ان كان ينبغي لنا ان نحدد المسؤولية فننصف التجربة بتقييم موضوعي .
الانتخابات:-
كانت المشاركة الضيئلة من الجماهير بالانتخابات لاسباب ناقشها الكثير من المحللين في وقتها سببا في فوز كتل معروفة وفسح المجال لملئ بطاقات انتخابية بطريقة معروفة جعلت من نسبة المشاركة عالية وهي لم تكن كذلك ،وكان المتضرر الاكبر من عزوف المشاركة قائمة النصر ودولة القانون .
فالفوز في الانتخابات بالطريقة التي حدثت كانت اول معالم الفشل (ومابُني على باطل فهو باطل )فالفوز في الانتخابات في العراق لايعني انك تستطيع تشكيل حكومة بمفردك ولن تكون هناك حكومة اغلبية لان النظام الانتخابي صُمم على ان يكون نتاجها حكومة ائتلافية ولكن الاحوال التي جاءت بالسيد عادل عبدالمهدي كرئيس للوزراء كانت اشبه بحكومة اغلبية تجمعت الكتل والقوى كلها لتأييده بفرض من قوى حاكمة تسيدت المشهد بعد الانتصار على داعش وصورت تكليف السيد عبدالمهدي بانه انتصار على الارادة الامريكية بعد ان روجت الماكنة الاعلامية ان تجديد الولاية لرئيس الحكومة الاسبق حيدر العبادي هو فرض للارادة الامريكية وهو ما تبين انه ادعاء واهن لان الولايات المتحدة كانت اول المهنئيين له وكانت مبعوث الخارجية برت مكورك يجتمع معه دوريا قبل واثناء تشكيل الحكومة !!.
الحكومة والبرلمان :-
و كانت حكومة عبدالمهدي تتمتع باغلبية ساحقة مؤيدة لها في البرلمان وكانت الاصوات المعارضة له لاتتعدى لقاءً في احدى الفضائيات او مؤتمر صحفي في البرلمان ولم تاخذ اي مساءلة من اي عضو او كتلة طريقها القانوني .
واستطاعت الحكومة تمرير الكثير من قوانينها واجراءتها ولم يعترض البرلمان على اي اجراء حكومي طيلة فترة حكم عبدالمهدي
وكانت العلاقة جيدة بين الطرفين بحيث اعطت مساحة لرئيس البرلمان الى التمدد في ماهو عمل حكومي تنفيذي بحت.
الاحتجاجات المطلبية :-
ومع هذا فشلت المنظومة في ادارة امور البلاد في اول اختبار بسيط وهي المظاهرات المطلبية التي لم تكن بمستوى تهديد النظام ولكن تعامل المنظومة الحاكمة معها بهذه القساوة كشف هشاشة وضعها وخوفها وادت الى تحول الاحتجاجات الى مظاهرات وصلت الى المطالبة لا باسقاط الحكومة وانما باسقاط النظام كله !!!.
وتعود خلفية التعامل مع المظاهرات الى العقلية التآمرية التي عاشتها وتعيشها المنظومة وصورت ان المظاهرات نتاج تامر الولايات المتحدة والمملكة السعودية مما يعني تبرير التعامل معهم باي طريقة والغريب ان رئيس الحكومة حتى انطلاق المظاهرات ومابعدها كان يملك علاقة جيدة مع هاتين الدولتين ولكنه استسلم للمنظومة وكانت اوامره صارمة بالتعامل مع المظاهرت بالطريقة التي تم التعامل بها وسقط العديد من الضحايا من المتظاهرين ومن القوات الامنية بعد ان تم سحب السلاح منهم لاسباب مجهولة للفرد العادي ولكنها كانت ضمن خطة ايقاع ضحايا في صفوف القوات الامنية لادانة المتظاهرين او لنسمها (شيطنة التظاهرات) وهنا لا نبرر الجرائم التي وقعت ضد القوات الامنية ولكن الاجراء الحكومي اعطى الفرصة للمجرمين بان ينفذوا جرائمهم، وكانت سببا في عدم سيطرة الحكومة على مجريات الامور بعد سلمت مقاليها الى المنظومة التي جاءت بها ..
ولم تكن الولايات المتحدة ترغب في نقد الحكومة وكانت لقاءات السفير الامريكي متواصلة مع السيد عبدالمهدي الى ان قامت التظاهرات امام السفارة الامريكية في محاولة اقتحامها وكان نقطة التحول بعد ان كانت اللغة الاعتراضية بصواريخ لاتوقع ضحايا الا بعد هجمة صواريخ على معسكر في كركوك ادت الى مقتل متعاقد امريكي من اصل عراقي جاء الرد على احد مواقع فصيل من الفصائل المسلحة التابعة للحشد فتطورت الامور الى التخطيط لاحتلال السفارة الامريكية ووهو الخطأ الفادح حينما سمح السيد عبد المهدي بذلك ولم يحمي السفارة فكان بعدها جريمة واعتداء المطار ومابتلاها من تداعيات كادت تكون حربا بين ايران وامريكا ساحتها العراق .
الحرب مع داعش :-
ظنت المنظومة الحاكمة انها قد سيطرت على الارض ولكن العراق لم يخرج بعد من اثار داعش ومازالت اثاره باقية ،نعم تم الانتصار عسكريا على داعش وتحطيم دولته في العراق الا ان عناصره عادت للتخفي والتحول الى الاسلوب الاستنزافي المعمول به سابقا وكذلك الى الكر والفر وبقيت قواعده في سوريا وهذا بحاجة الى التركيز على العمل الاستخباري ومراقبة التمويل والتخطيط الذي عادة مايحتاج الى مراقبة الاجواء الجوية لوقف التنقل عبر الحدود وكذلك مراقبة شبكات الانترنيت.
الا ان الحكومة وفي قرار غير مدروس طلبت من قوات التحالف ايقاف الطلعات الجوية وايقاف شبكات الرادار التابعة لها !!! فكانت نتيجتها اخلاء مسؤولية التحالف عن اي خرق للمجال الجوي فتعرضت مواقع الحشد لضربات جوية نسبتها الحكومة الى جهات مجهولة !!.
التعامل مع الدولة
ومشكلة المنظومة التي حكمت لم تكن قد وصلت الى قناعة انهم دخلوا مرحلة الدولة بل مازالوا يعيشون مرحلة اخرى وبعضهم مازال لايرى في الدولة الحالية دولة (شرعية) وعندما وصل الى الحكم وجد نفسه يتعامل مع قوانين دولة ونظام لابد من مجاراته وكانت الازدواجية واضحة فبالامس كان في حال واليوم وجد نفسه داخل هذا النظام وعليه أن يلتزم بالقانون والدستور .
وكان هم المنظومة هو ابتلاع الدولة كلها ولهذا وجدنا خلال السنتين من حكمهم غلبة روح الاستحواذ وجرى استنزافا لموارد الدولة بشكل كبير .
وحاولت المنظومة تحويل الدولة العميقة التي كانت تتحكم خارج المؤسسات الحكومية ان تدخل الى مؤسسات الدولة وتشكلها تحت ذريعة انهاء الوكالات وهذا ما ادى بزعزعة المؤسسات الحكومية بطريقة فرض رؤساء لها من خارج هيكلياتها …
العلاقة مع الاقليم
ولان صفقة تشكيل الحكومة كانت تتطلب الايفاء بالالتزام مع كردستان وحزبها الحاكم فكان هذا بابا كبيرا لاستنزاف الموارد ولم يُطلب من الاقليم تسديد فواتير النفط المصدر خلال السنوات الماضية كما اشترطت الحكومة السابقة وازدات نسبة الاقليم في الموازنة دون مبرر يذكر وتم صرف رواتب الموظفين في الاقليم بحسب احصاءات الاحزاب الحاكمة فيه وليس حسب احصاءات بغداد التي اجرتها الحكومة السابقة باعداد موظفي كردستان .
وهكذا بدد السيد عبدالمهدي حقوق العراقيين عربا واكراد لان صرف رواتب موظفي الاقليم لم يحل المشكلة هناك بل زادت من سطوة الاحزاب الحاكمة ورجالها.
ووهكذا بدلا من ان يكون رئيس الحكومة رجل حل اقتصادي اضحى رجل كارثةاقتصادية وخلال سنتين من سوء التخطيط والتدبير وبقرارات ارتجالية ناتجة عن عقلية المنظومة العشوائية وكانت على غرار (اصرف مافي الجيب ياتيك مافي الغيب).
لقد كانت المنظومة تعيش عصر الغنائم فكان ما كان من امر الميزانية بسبب الضغط على رئيس الحكومة وكان هناك استنزاف للموارد بحيث فقدت الدولة اي فائض مالي يعينها على تسديد الفواتير المستحقة لموظفيها او للشركات النفطية العاملة في العراق….
كما لم تكمل الحكومة اي مشروع ولم تعمل على فتح المعامل المتوسطة لكي يتم تشغيل الايدي العاملة كجزء من حل مع مجموعة الحلول التي كان ينبغي اجراءها للنهوض بالاقتصادي العراقي
العلاقات الدولية
كانت ستراتيجية الحكومات السابقة ابعاد العراق عن شبح الصراع الايراني الامريكي ونجحت الحكومة السابقة في ان تجعل من قضية التخادم في محاربة الارهاب وسيلة لابعاد العراق قدر المستطاع عن شبح تحويله الى ساحة صراع، ولكن الخطأ الاكبر الذي وقعت فيه المنظومة الحاكمة هو تحويل العراق الى ساحة صراع بين الولايات المتحدة وايران وربما مع السعودية ايضا الا ان الاخيرة لم ترغب بفتح جبهة شمالية لانها منهكة بجبهة جنوبية لا تعرف متى تنتهي منها او يغلق ملفها .
وكانت نتيجة هذا الامر خسائر كبيرة في الارواح والمعدات كادت تصل الى حرب بين ايران والولايات المتحدة وساحتها العراق المتضرر الاكبر. ولان عقلية الحرب تختلف عن عقلية الدولة وعلاقاتها سواءً مع الجماهير او مع الدول الاخرى كاد العراق ان يقع في مأزق تخلي العالم عنه وهو لم ينته بعد من حربه مع داعش بالرغم من الانتصار عليه عسكريا الا ان هذه المنظمة مازالت تمثل خطرا على العراق والمنطقة والعالم ولهذا يبقى خطرها قائم سيما وان اثارها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ومازالت لم تعالج ولم يتم تنفيذ وعود الدول التي تعهدت بمساعدة العراق في الاعمار او في الاستثمار لخلق بيئة صالحة بعيدة تعيد ابناء هذه المناطق الى جسد الدولة ولاتشعرهم باليأس وكذلك اعادة تاهيل الاطفال والشباب الذين عاشوا تحت سيطرة داعش لاربع سنوات وهو مقطع زمني كبير لايمكن محو اثاره النفسية بليلة وضحاها وبحاجة الى برامج وستراتيجية تتبناها الدولة وقد فشلت المنظومة بالتعامل مع هذه المناطق وكادت تعيد الامور الى اوضاع ماقبل 2014التي مهدت الطريق للقبول بداعش !!.
لهذا كله بدت الاوضاع تتأزم اكثر وأكثر واعلنت الولايات المتحدة والدول الغربية عبر قنواتها الدبلوماسية او من خلال تسريبات سفاراتها انها لن تتعامل مع حكومة عبدالمهدي مستقبلا وهو ما يعني الكثير
وقد جاءت هذه التسريبات مع انهيار اسعار النفط وتفشي وباء كرونا واجتياحه العالم مما ادى الى انهيار منظومات اقتصادية عالمية والعراق لايملك حتى هذه اللحظة مقومات المقاومة الاقتصادية والصحية مما يعني انهيار الدولة بسبب افرازات الوضع الاقتصادي والصحي وكلها دلت على فشل المنظومة في التعاطي الاجتماعي والسياسي على المستوى الداخلي والخارجي وكاد ان يعود بالعراق الى دولة فاشلة تتحكمها محاميع مسلحة ..
كل هذه الاوضاع اثبت فشل هذه المنظومة بادارة الدولة
واخيرا رضخت للاستسلام حفاظا على وجودها وهو امر يحسب لها بالتنازل والمناورة لانها ايقنت انها غير قادرة ولا تملك الرشد لادارة الدولة حتى هذه اللحظة وعليها العودة لرص الصفوف والتعلم قبل ان تعاود المحاولة …
للأشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا