المجتمع العراقي ومعضلة التفاؤل | علي الهماشي
التفاؤل في المجتمع العراقي
“الاصرار على التفاؤل قد يصنع ماكان مستحيلا” بعبارة وليم شكسبير استهل مااريد ان أتناوله هذا اليوم فلم اجد منذ طفولتي افقا للتفاؤل والامل في مجتمعنا العراقي ربما عائد ذلك الى الموروث من اسلافنا فيما تناقلوه من اغتيال خليفة المسلمين الامام علي (ع) ومقتل ولده الحسين (ع) في كربلاء فورثنا الحزن والالم وتسلل الى نفوسنا وتجذر في أعماقنا وكأنناتنفسنا هذه الامأساة التي حلت بال الرسول (ص واله).
وألفنا الاضطهاد والاستضعاف على المستوى الفردي والاجتماعي وكأنه قدرنا الذي لامفر منه .
ولم نتجاوز ذلك الموروث بل نجد اثار الحزن على فننا وبالاخص في غنائنا لتتواءم مع مخزوننا من أشجان فنتفاعل مع كل ماهو حزين ويبعث على الاسى ،بل إننا لا نتلذذ الا بالطور الحزين في هذا الجانب .
ومع استمرار الضغط الاقتصادي والاجتماعي والسياسي نجد ان مجتمعنا يستلذ بأن يكون الضحية وهناك تغذية مستمرة لهذا الامر وقد وصل الى حد اليأس -إن جاز التعبير -او عدم قابلية للتغيير أو المقاومة ،مثل قطيع يسوقه الجزار للذبح !.
وبمجرد ان نتعرض لهزة سياسية امنية او اجتماعية او صحية او اقتصادية نرى الاجواء مهيئة لنوع من الاستسلام اللاارادي لذلك ونبدأ باستذكار مأساتنا ورؤيتنا السودواية للامور وكأننا مهيئين للهزيمة !!!.
و لانرى للتفاؤل او رؤية الضوء في نهاية النفق بل نرى التشاؤم وكأنه شجاعة كما عبر عنه غسان كنفاني ” التشاؤم هو الشجاعة والتفاؤل هو كذب وهروب وجبن ” .
إن التفاؤل الذي نطلبه لانريد به أن يكون تخديرا وهروبا من الواقع بل من أجل أن نعيش وننظر للمستقبل ونغادر الواقع الى ماهو أفضل هكذا نكون مجتمعا حيا كما اراد الفيلسوف الفرنسي احد ملهمي الثورة الفرنسية الكبرى حينما ذكر وحفز فقال:”المجتمعات الحية هي تلك المجتمعات التي تملك الامل وتتطلع للمستقبل ”
إن زراعة وصناعة الامل بحاجة الى جهد تربوي وجهد علمي من أجل أن نؤصل ذلك في مجتمعنا العراقي وهذا بحاجة الى عمل فردي واجتماعي بآن واحد للوصول الى افراز للطاقة الايجابية لدى الفرد العراقي الذي يتفاعل لاشعوريا مع المحيط به ومن هنا يمكن تحفيز ماهو ايجابي فيه من نخوة وشهامة وشجاعة منقطعة النظير وتحويلها الى سلوك وظاهرة فكما هو معلوم ان هذه الامور تتحفز من خلال البيئة المحيطة بنا .
ألم نرى تأثير فتوى الجهاد الكفائي كيف حولت الهزيمة الى نصر واستنهاض للقيم الايجابية في المجتمع العراقي وهي حادثة بحاجة الى دراستها لنعلم ان هذا المجتمع يتفاعل مع ماهو ايجابي وهو مجتمع حي ينتظر دفعات من القوة ليتحرك بالاتجاه الصحيح .
على مفكرينا ومثقفينا ان يرتفعوا عن الاجواء الضاغطة التي يمرون بها وانتاج ثقافة الامل والتفكير بمستقبل افضل ،وإنني لا ادعو الى القفز على الواقع او ترك التاريخ دون دراسة فمن ترك تاريخه كأنه طائر لا عُش له لايعلم متى يستقر حتى يعجز جناحاه عن التحليق فيهوى صريعا !.
إن بعض كتابنا يوغل في السودواية ويتفنن في جلد الذات وإن ذهب الى نصيحة او نقد فليجأ الى الغلظة بمفردات تعبر عن قساوة في التعامل مع الاخر ،ويلعن البيئة والمجتمع الذي يحيا فيه ويكون جزءا من مشكلة وليس حلا أو إنه يقدم حلا .
ورغم إن بيئة المجتمع العراقي بيئة دينية إلا إنه يميل الى الافكار السوداوية التي تثار هنا وهناك وتدفعنا الى اليأس من حيث لانشعر ،وقد يشاركهم في ذلك الخطباء والوعاظ من على المنابر الارشادية التي ينبغي أن تبعث روح الامل والتفاؤل لاننا على موعد من النصر أو الفوز في الحياة الدنيا {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ } 51من سورة غافر
ناهيك عن الحياة الاخر .
ولهذا علينا ان نتعامل مع الحياة كما هي بمفرداتها لنستطيع التكيف معها والمضي ببناء مستقبل لائق .
إننا بحاجة الى رؤية جديدة يشترك فيها رواد الفكر الديني والاجتماعي والسياسي ودراسة الحركة الاجتماعية للمجتمع العراقي وعدم الاعتماد على الحكومة لحل كل مشاكلنا لاننا نعيش حالتين متناقضتين فمرة ننظر لاي حكومة وكأنها الاب الراعي لنا ومرة ننظر لها وكأنها شركة تجارية تريد استغلالنا !.
ان مسؤولية المفكرين والمثقفين والسياسين أن يستنهضوا في الفرد والمجموعة على حد سواء مكامن القوة ،والعوامل التي تبعث على الامل وتجعل من الانسان مستقرا نفسيا يستطيع التغلب على الضغوط اليومية اجتماعية او امنية او سياسية كانت
ولعل مشكلتنا تكمن في أن زعماءنا يتفاعلون مع ارهاصات الشارع وينساقون لها بدلا من (الترفع ) -ان جاز التعبير – ودراستها بالنظر لها من واقع المفكر المؤثر لا المتأثر ومن ثم ايجاد الحلول المطلوبة .
وكما قال كونفوشيوس “بدل ان تلعن الظلام ، أوقد شمعة ” وللحديث بقية .
علي الهماشي