من الذاكرة … كيف تعاقب الأوليغارشية الفقراء ؟؟ | كتب د. ناجي صفا
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
في العام ١٩٧٤، وعلى مسافة ايام من مؤتمر وزراء الخارجية والدفاع العرب الذي عقد في القاهرة، وقد تحدثت عن تلك الفضيحة في مقالة سابقة، عقد مجلس النواب جلسة خاصة لمناقشة المادة التاسعة من قانون الضمان الإجتماعي.
ذهبت الى المجلس كعادتي لأغطي هذا النشاط واتابع مجريات الجلسة لنقلها الى صحيفتي.
كنت اتوقع بداية ان يجري طرح ما حصل في مؤتمر وزراء الخارجية والدفاع العرب في القاهرة ولو عن طريق الاوراق الواردة، ومناقشة الفضيحة التي حصلت في الأداء بين رئيس الحكومة ووزرائه على مرأى ومسمع من الوزراء العرب.
افتتحت الجلسة وتلى الموظف الإداري نص القانون لمناقشته وتعديله سلبا او ايجابا واقراره، صدمت عندما وجدت ان احد من النواب لم ينبس ببنت شفة حول ما جرى في القاهرة.
كنت اتوقع ان يجري مساءلة الحكومة ومحاسبتها على ما اقترفه رئيسها ووزرائه في مؤتمر القاهرة وصولا الى طرح الثقة فيها، لكن شيئا من هذا لم يحصل.
كان موضوع الجلسة كما اشرت مناقشة المادة التاسعة من قانون الضمان الإجتماعي، فقد تبين بموجب المادة التاسعة من القانون ان العتال ( الحمال ) هو رب عمل، وان البويجي ( ماسح الأحذية ) هو ايضا رب عمل بموجب تلك المادة، وان سائق التاكسي ايضا رب عمل، وان هؤلاء الثلاثة لا يحق لهم الإستفادة من تقديمات الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، سواء تعويضات او طبابة او تعويضات عائلية، وان مدراء البنوك، ومدراء الشركات، بموجب ذات المادة من القانون هم اجراء ويحق لهم الإستفادة من تقديمات الصندوق.
نقاش مطول جرى حول هذه المادة، بذلت فيه الأوليغارشية جهدا كبيرا عبر ادواتها في المجلس لتكريس هذا النص، الذي يعتبر قصاصا لهذه الشرائح الفقيرة من الناس وانتهاكا لحقوقها الإنسانية.
اثناء التصويت تبين ان غالبية مجلس النواب مع ابقاء النص على حاله، وان من عارضه من عموم مجلس النواب اربعة فقط، هم زاهر الخطيب، نجاح واكيم، البير منصور، وعبد المجيد الرافعي.
رأى النواب في العتال والبويجي وسائق التاكسي رب عمل ولا يحق له الإفادة من تقديمات الضمان الإجتماعي. يومها ادركت ان في هذا النظام خللا بنيويا ليس من السهل اصلاحه، وانه يحتاج لثورة تواجه سلطة الاوليغارشية الممسكة بتلابيب هذا النظام، وان الظلم الإجتماعي المتراكم لا بد له وان ينفجر يوما ويطيح بهذه الطبقة الظالمة، التي لا يهمها عيش المواطن وحقوقه وانما همها تكديس الاموال. ولا زلنا ننتظر ذلك منذ ٤٧ عاما دون أمل.