الدول في مواجهة كورونا: اشباحٌ تطاردُ اشباح | فريهان طايع
إيطاليا قد تجاوزت الصين في نسبة الوفيات. إيطاليا اليوم تطلب الدعم العالمي و هي عاجزة عن إيقاف كل هذه المآسي و هي تدفن في مواطنيها يوما بعد يوما و بعدد المئات كل يوم ليصل الحال لموت الآلاف الذين فقدوا حياتهم بدون حتى جنازات تخلد ذكراهم و بدون حتى حضور أهاليهم و ذويهم. لقد تجاوز الأمر كل إمكانيات البشر.
إيطاليا اليوم تصرخ من الوجع بعد أن كانت رمز الحياة و نبض العالم.
إيطاليا اليوم عاجزة أن تجد حلول وعاجزة أن توفر غرف أخرى للمصابين و أجهزة لتنفس و لم يعد أمامها من خيار غير أن تترك المسنين للموت وان تحرم المصابين الذين يبلغون 80 عاما فأكثر من العلاج لأنها عاجزة والأعداد تزداد يوما بعد يوم، إيطاليا التى تمتلك 5090 سريرا للعناية المركزة لم يعد بإمكانها ان تستجيب لعدد المصابين الذي تجاوز قدرة الاستيعاب بكثير حيث لم يعد أمامها خيارا إلا أن تمنح العلاج لفئة دون فئة أخرى.
إيطاليا أصبحت بلاد الحزن و الأوجاع و الجثث المرمية و المتبعثرة في كل مكان حيث لم تعد تكتب الصحف الأخبار السارة بل في كل صفحة من صفحاتها عدد لا يحصى من الوفيات هكذا كانت العناوين في صحيفة ليكو دي بيرغامو حيث خصصت 10 صفحات لنعى الموتى الذين غادروا الحياة بكل وجع و ألم بعد أن فقدوا أملهم في مقاومة هذا الفيروس الذي حصد حياة الكثيرين من الصين إلى إيران إلى إيطاليا إلى فرنسا و من ثم لهولندا و سويسرا و ألمانيا و بلجيكا و النمسا و بريطانيا متجها بذلك إلى الإمارات و العراق و السعودية و الاردن و تونس و لبنان و مصر إلى غيرها من الدول التى أصبحت مطاردة من قبل فيروس كورونا.
لكن لا تزال أوجاع إيطاليا الأكثر عالميا حيث وصل عدد الوفيات لعدد كبير جدا في ظل غياب أدوية فعالة للقضاء على هذا الوباء الذي حول الدول إلى أشباح تغيب فيها الحركة و الناس و الشوراع الممتلئة أصبحت بلا نبض لا يوجد فيها أحد ،فارغة من محلات إلى مقاهي إلى كل شئ.
و في مقابل امتلاء المستشفيات بعدد لا يحصى من المصابين في كل مكان عاجزين حتى على الأمل في الغد مودعين الحياة بكل مرارة هكذا أصبحت إيطاليا التى دمرها أقوى وباء عرفه تاريخها مستسلمة بذلك أمام ضعف قدرتها على الصمود مجددا في ظل تردي الوضع الإقتصادي أيضا و تردي الأوضاع في كل القطاعات و العجز عن إيجاد حل لإيقاف هذه الكارثة المستفحلة يوما بعد يوم مولدة بذلك الرعب و القلق في نفوس الإيطاليين على هول الجثث المرمية كل ثانية بدون توقف و لا أمل في الحياة.
ماذا أثبت للعالم فيروس كوررونا؟
في الواقع قد أثبت الكثير من الأشياء من جملتها عجز هذا الكائن البشري أمام شئ لا مرئي ،عجز البشر و هو يحاربون في عدو يسرق الحياة لكنه ليس موجود بشكل واضح.
اثبت فيروس كورونا أن العلم و الأبحاث البيولوجية و العلماء و كل شئ نسبي لا توجد إمكانيات و لا قدرات مطلقة.
أثبت فيروس كورونا كذلك على الصعيد الإنساني أنانية الكثيرين ممن يستحوذون على المواد الاستهلاكية بطريقة في غاية الإفراط متناسين بذلك الفئة الأخرى من الناس العاجزة على الشراء و قد لخص مشهد عجوز بريطاني في إحدى المغازات في بريطانيا و هو حائر ماذا سيفعل عندما لم يجد ما يقتني من حاجياته
أثبت فيروس كورونا أنانية الناس الذين يحملون الفيروس حاملين العدوى لكل من يعبر سبيلهم و منهم الذين كانوا في الأماكن المؤبوة و الذين اعتبرهم مجرمون لأنهم لم يحرصوا على سلامة غيرهم و هم على يقين بكونهم ربما يحملون الفيروس كيف لا و هم من قدموا من أماكن مؤبوة و عبر مطارات و طائرات و في وسط كم هائل من الناس بدون إحساس بالمسؤولية و بدون حتى حس وطني و إنساني حيث تشير الإحصائيات في كوريا لنقل سيدة لفيروس الكورونا لألف شخص من كنيسة إلى مستشفى إلى العودة إلى المستشفى مرة أخرى حيث أخبرها الطاقم الطبي بضرورة إجراء فحص لفيروس كورونا لكنها رفضت و من ثم حضرت لإحدى الدعوات في فندق قد وجد فيه الكثير من الناس من مكان إلى مكان آخر تنقل في فيروس الموت لناس إلى أن تم إكتشاف الأمر بعد الكارثة و بعد إصابة الكثيرين.
إذا كان البعض ليس خائفاً، لماذا لا يفكر في بعض الناس الذين يعانون من الأمراض المزمنة و بعض الشباب الذين لا يكتسبون مناعة قوية تخولهم لمحاربة هذا الفيروس؟
لقد أصبحنا في سباق من يقتل أخوه الإنسان، لقد أصبحنا في سباق لا مبالاة و انعدام الإنسانية و الرحمة رغم فيروس كورونا يحمل في طياته بعض الرسائل و هي أن البشر لا شئ وأنه رغم التكبر و الاستعلاء والشر الذي بداخل الإنسان إستطاع فيروس لا مرئي ان يدمر قوة هذا الإنسان و يهدد وجوده.
ما يحدث الآن و أمام إرتفاع معدلات الموتى كل يوم بعدد لا يحصى و كأنه يوم المحشر و كأننا لا شئ في هذه الدنيا نحن فعلا هكذا ضيوف لكن الموت لم يطرق حتى الباب و لا الإنذار لا نعلم من القادم و ماذا سيحدث ربما ستكون نهاية العالم قريبا بعد انهيار الدول بأكملها لم يحدث مثل هذا الأمر في تاريخ البشرية حتى الحروب لم تفعل ما فعله هذا الوباء الذي حل على البشرية بأكملها.
فيروس كورونا قد أثبت أنه لا توجد دول قوية بل كل الدول الضعيفة، أثبت أن الحسابات و الإنجازات و الإقتصاد و كل شئ محسوب و مخطط له بإمكان شئ لا يرى بالعين المجردة أن يدمره، فاليوم خسائر لا تحصى و لا تعد في كافة القطاعات اليوم خسائر لشركات و لمشاهير بقيمة المليارات.
اليوم كل العالم عاجز عن إيجاد الحلول لمعالجة و لو قليلا ما يحدث على صعيد الواقع أمام هذا الفيروس لم تعد تنفع و لا تشفع المظاهر و الشكليات و لا النار و الحروب و الأسلحة.
هذا الفيروس حير أمر الجميع و لا زال يذكرنا أننا لا شئ في هذه الدنيا نحن ضعفاء لدرجة ان يدمرنا فيروس غير مرئي.