يخيل للبعض أن الثقافة تتجسد في عدد الكتب أو عدد سنوات الدراسة والشهادات العلمية، تساءلت عدة مرات حول هذا الموضوع، أسئلة انكارية تجعلني حائرة في هذا المجتمع الغريب الذي مازال يقيم تقييمات سطحية جدا راكضا بذلك وراء الأوهام.
ما قيمة الطبيب غير المثقف إنسانيا؟ أو ما قيمة الأستاذ النرجسي الذي يظن أنه قد وصل لأقصى درجات العلم، أو ما قيمة الطالب المتفوق المغرور؟ نعم هذا ما صنعته مجتمعاتنا كمية لا تحصى من الأغبياء الذين يركضون وراء كل ما هو نمطي وتقليدي ثم لا يحققون بذلك أدنى المتطلبات ولا يقدمون حتى رسالة نبيلة للمجتمعات.
ليس بعيدا عني تجربة رجل أعمال شاء القدر أن يموت والده في سن مبكرة جدا بعد صراعه مع مرض السرطان تاركا له اثني عشر أخاً وأختاً لم يحالفه الحظ في إكمال دراسته، لكن وبعد سنوات من التعب والمجهود أصبح من أكبر رجال الأعمال المعترف بهم في الصين وألمانيا وغيرهما، لم يدرس، لم يحصل على شهادة علمية لكنه يوفر في وطنه شغلا لعدة مهندسين ولعدد كبير من أصحاب الشهادات العلمية، لم يدرس لكنه مثقف إنسانياً، مؤمن برسالة في الحياة وهي : أحبكم لله انفعكم للناس، لم يدرس لكنه اذهل الجميع بنجاحات لا تحصى ولا تعد في مجال الأعمال وفي ذكائه واجتهاده في عمله وإحساسه بالناس وتفكيره فيهم.
في هذا العالم ليس مهماً هذا العدد من الشهادات العلمية، المهم الإبداع، فالعلماء واجهوا الكثير من مدرسيهم ولم يعتقد أحد منهم أنهم سيصبحون يوما علماء بينما المتفوقون الذين يعتمدون على أسلوب الحفظ دون فهم ومن ثم يصبحون أطباء وغيرها من المهن بدون فهم وبدون غاية وبدون ثقافة إنسانية اكررها العديد من المرات ماذا قدموا للعالم لا شيء حتى مهنهم لا يؤدونها على أكمل وجه.
ليس مهماً كم درست وكم حصلت علميا، المهم ما رسالتك في الحياة وهل نجحت فيها أم لم تنجح.
ليس مهما كم عدد السنوات التى درستها ولا حتى شهادة الدكتوراه، المهم هل أبدعت أم لم تبدع؟ هل قدمت شيء جديد أم اكتفيت بالتقليد ؟ هل أنت إنسان فعلا موجود أم مجرد كيان يحكمه غروره؟
فالثقافة الحقيقية هي ثقافة الضمير والابداع والصبر والتواضع، الثقافة هي الثقافة الإنسانية قبل ان تكون أي شيء آخر.
الثقافة هي أن تترك بصمة في العالم لا أن تكون على نفس الوتيرة، وليس أن تكتب نفس السطور التى يكتبها الآخرون، بل لتكون مثقفاً فعلا يجب أن تكون مستقلا حرا لا تقارن نفسك لا بالقدامى ولا بأي إنسان على وجه الأرض، لأننا لم نخلق لنصبح نسخا متطابقة بل خلقنا من أجل أن نبتكر بعقل يفكر ويتأمل، ليفهم ويفهم، ليبدع ويبدع، لينفع وينفع، ليحقق رسالته في الحياة وهي البصمة.
إقرأ أيضًا: