ربيع الأمهات في “عصر كورونا” رفيف الأماني وميراث الحب بقلم فادي محمد الدحدوح
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
أماه من مواطن الجراح وضجيج الفيروسات وتطوراتها المتسارعة في عالمنا، اسمحي لي أن أخط برسالة تفيض نورا لتكون لقاحا معنويا مؤثرا يلامس شغاف قلوب الأمهات فينثر بين الضفاف عطور البر والوفاء، وسقا الله أيام زمان يا أمي عندما كان للكلمات أجنحة تحلق وتصفق في فضاءات أرواحنا قبل أن يجندلها زمن الصعاب، فالكلمات تبقى خلدة في صدر الزمان، عصية على الإلغاء والإندثار متناسخة مع الوجود الإنساني تخلد ملاحمه التي تتناقلها الأجيال وتنهل من آدابها وعلومها وأبجدية عطاء لا تنقطع، كلمات للأجيال على مدى الأيام حُملت على شغاف قلب لا يزال ينبض برايات أمهات مصممات على مواصلة التضحيات والعطاء والرسالة المشرقة لتحقيق رفيف الأماني.
اسمحي لي اذا أماه الغالية رحمك ربي أن أخاطبك برفقة الأمهات فكل الأمهات تشبه قلبك الجميل، حتى وأنتِ بعيدة راحلة لعالم السماء. أنتِ قريبة لا تغيبِ أبداً، وحتى ولو للحظات من اليوم، إني أراكِ كما أرى الأمهات اليوم في ربيعهم الجميل في كل زاوية من زوايا العالم يواجهن أعاصير الأزمات وتموجات الجوائح بتضحيات جسام، كما أراهم في مختبرات العلوم والمعارف والتكنولوجيا عالمات يخترعن ويبتكرن لقاحات لينجو العالم من الفقد والخسارة والضجيج، كما هم كذلك في غلاف كتاب، وسطور حكمة، وتذوق طعام، وغفلة من نوم، عطاءكم الذي تجلّى فيه عطاءُ الله، بالكاد أستطيع رسم جماله برسالة ربيعية أكتبها على جناحَي زاجل لأبسطهما بغلاف من نور أمام الإنسان أينما تواجد ليقرأ فيها نافذة من قطع منثورة على الحياة برائحة الجنة.
ومع قسوة الأيام واشتداد الأزمات تأتي الأمهات تقدم التضحيات العظيمة وتفيض بالحنان والعاطفة على ظلال أحبتها، رغم ما تقاسيه من آلام الحياة، وتعانيه من ظروف الواقع وقساوته في نهر محبتها، محاولاً عبثاً أن يلوثه ويغير لونه ورائحته، ولكن يبقى لون الحب في الأمومة طاغياً، ولقد جاء يوم الأمهات مع انطلاق ربيع الحياة لينقش هذا التاريخ شلالُ عطاءٍ لا يتوقَّف، ودنيا واسعة الأفق، ويحملنا بين حناياه إلى عالم آخر لا وجود للشر فيه، عالم مليء بالحب والعاطفة، بالتضحية والتفاني، بالخير والأمل، بيوم جديد أجمل، ومستقبل مشرق.
الربيع يا أمي في الفصول هو الخصوبة والشباب والقدرة على التجدّد، وهذا ما تؤديه الأمهات على أتم التمام وخالص الكمال في رحاب عالمنا، إذ تنبض فيه الحياة والأمل والدفء ومعالم الصبر الممزوج بالإيمان والثقة التي تؤسس للمستقبل، وتحافظ على الماضي، وتنطلق في الحاضر عملاً وأملاً، تنسى التعب، لاغيةً الشكوى، ضامنةً وعد الأمنيات، تنظر إلى آفاق رحبة من النور والضياء، وكما أن حيوية أشجار الزيتون نموذجا في الرسوخ والثبات ولا ينتهي بسنين بسيطة، كذلك فإن شباب الأمهات يدوم ويعمر، بحيث يبقى مثمراً على مدى العمر، نفتح أروقة كتاب معاني الربيع لنرى معاني الأمومة فلا نجد غير التفاني والبذل في سبيل التربية الصالحة وإنشاء جيل مثقف وواع، وفي معاني كتابها ننحني إجلالاً أمام المحبة والعطاء والتضحية وسهر الليالي للمتابعة من أجل أن تنير المعرفة وتسقط الظلام، ويأتي النور، ويبدّل اليأس بالأمل والتفاؤل.
إسمحي لي أمي العظيمة أن أُحيّك للأمهات فستاناً ربيعياً بألوان فلسطين الزاهرة بالصبر والعطاء، وأن أضع على روحك العطرة التي تسكن أرض فلسطين طوقاً من زهرٍ ببساطٍ ربيعي، ولأكشف لك عن حقيقة لن تغيب عن العالم مهما تعاظم، أن ربيع الحياة للعالم لن يرى ميراث الحب وتمام نوره إلا مع الأمهات، عطاؤكم برحابة صدر، وبلا حدود، أروقة الحنان، ميدان الارتواء في أوقات الصحاري الجفاف، حيث أثبتت الأم العربية تحديدا أنها إنسانة عظيمة، عظيمة في تضحياتها، ووفائها وعطائها الثمين، فالأمهات يا أمي يزرعوا مع كل شروق شمس القيم السامية والأخلاق الحميدة، يرسمون البسمة في كل أرض يسيرون عليها، في شغف يوم الأم الجميل، أنتن مصدر فخرنا واعتزازنا، أعتز بكل أم ضحّت وتضحّي من أجل نفسها ووطنها وأسرتها، من أجل أداء رسالة قيمية وأخلاقية وتربوية ونضالية ووطنية، أفتخر بكل أم تفني حياتها وتكابد مشاق الحياة بصبر جميل، وأفتخر بأمي.
كم يدهشني هذا العالم الفائض بالسرعة والذي يستطيع أن يلخص الكلمات والأحداث والمناظرات…! نعقد يوما للاحتفال بـ تاريخ عيد الأم ، نتحدث في مؤتمر، نكتب شعرا، وننثر أدبا، ونطبق دراسة علمية عن واقع النساء..! هل تكفي حقاً يا أمي؟ كم تتوارى كلمات العرفان والحب أمام عطائكم أمهاتنا خجلاً…. الملخص العظيم هنا يا أمي لقد خصك الله في كتابه الكريم، وأوصى بك سيد البشرية: «أمك ثم أمك ثم أمك».