فيروز: أنتِ الإنسان الذي سيُعيد مَجدَ أوروبا! بقلم البروفسور بيار الخوري
أعاد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، اكتشاف ما كان قد سبقه إليه الرئيس اللبناني الراحل، كميل شمعون، في خمسينات القرن الماضي: الفن يصنع الأوطان!
بعد نَيل لبنان استقلاله في العام 1943 تجاذبته قَيَمٌ مُتنافرة بين مناطق وطوائف لديها شعور الإنتماء الى ذلك اللبنان الوليد، وبين مَن كانوا لا يزالون ينشدون تاريخهم وعلاقاتهم وقيمهم القومية خارج حدود ذلك اللبنان.
في الخمسينات الفائتة كان بدأ عصر الأثير الذي سمح بتداول الموسيقى والأغاني خارج المسارح ودور العرض، وهو أمرٌ تلقّفه الرئيس الراحل كميل شمعون ليبني فكرة لبنان، وانتماء أهله المؤسّسين إلى ذلك العالم من الموسيقى والمسرحيات والحوارات والأغاني التي ميّزت عصر الرحابنة. فبات اللبنانيون متميزين بين أشقائهم العرب، وصار عظماء فنانيهم من الرحابنة وفيروز ووديع الصافي وصباح وفيلمون وهبي ونصري شمس الدين وزكي ناصيف اختيارات فنية لكل العرب، وخصوصاً في سوريا والأردن وفلسطين. هكذا أصبح لبنان مرتبطاً في الذاكره بهذه الأسماء الكبرى وذلك الفن العظيم.
“سنرجع يوماً” أشعلت عواطف اللبنانيين في المُغتربات، “رُدَّني إلي بلادي” أبكت ملايين اللبنانيين الفارين من حرب الإنقطاع عن الحضارة، “راجع راجع يتعمّر راجع لبنان” أعادت الفرح والأمل إلى كلّ مَن قطع الأمل بالعودة إلى وطنٍ يُمكن أن يكون يوماً وطناً لأحلامه يُشبه تلك المغتربات التي صنعت نجاحاته.
الوطن شعور وفكرة، ثم تاريخ، وليس أعظم من الموسيقى والفن في إيصال الأفكار العظيمة إلي الشعوب التي قد لا تفقه الأفكار الكبرى ولا منطقها ولا المنهجية التي اعتُمِدَت من أجل إرسائها، وليس أعظم من الفن قدرة على التوسّط اللطيف بين عظمة الأفكار وعالم المشاعر.
يُلاحظ المُفكّر اللبناني كمال ديب كيف أن الرئيس الفرنسي الراحل، شارل ديغول، قد حمى جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار يوم كانا يُهاجمانه بلا كلل ويوزّعان المنشورات بأيديهما على الباريسيين، ويوم اجتاح نابليون بونابرت ألمانيا كان أول طلب له أن يستقبله المُفكّر والفيلسوف الألماني يوهان غوته ليقول له: أنت الإنسان يا غوته!
الشعور اللبناني الذي صنعه هؤلاء الفنانون العظام قبل أن يحلّ بغالبيتهم العَوز والمرض، عاش معظمهم آواخر أيامه أو مات من دون التفاتة أو لفتة من أحد. كان الرئيس السوري الراحل، حافظ الأسد، يطمئن على هؤلاء، ويُقدّم الدعم المادي لبعضهم، وفي ذلك بحدّ ذاته تعرية كبيرة للنخبة السياسية اللبنانية.
جاء ماكرون الى حيث يجب ان يأتي: الى السيده فيروز! ولأنه جاء خالي الوفاض إلّا من زرع الأمل بعد النكبة التي دفعت اللبنانيين بكافة انتماءاتهم وطوائفهم الي الكفر بما وصلت له حال بلدهم، لم يجد الرجل في زيارته الثانية ما يستلهم منه زرع الأمل لدى شعب يائس أفضل من “سفيرته إلى النجوم” لإعادة بث وطن في شعبه. ولم تجد ماجدة الرومي أفضل من البكاء على صدر ماكرون كأنها تقول إني غير مُصدّقة.
إيمانويل ماكرون لم ياتِ من أجلنا بل من أجل فرنسا وأوروبا. وهو قالها بصراحة: “مُستقبلنا مُرتبط بمستقبلكم”، لكنه لم يجد أفضل من “الديفا” فيروز للدفاع عن مستقبله السياسي ومُستقبل أوروبا التي تعرف قيمة “الديفا” في صناعة المستقبل. “فيروز، أنتِ الإنسان الذي سيُعيد مجد أوروبا”، كأني سمعته يقول ذلك.
رابط المقال اضغط هنا