مسؤولية الدول الخالية من الوباء أكبر من تلك المبتلية| هشام نصر شمالي
للأشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
دِرهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج!
رُويَ قديمًا عن فتاة قالت لصديقتها متباهية: ” أبي حكيمٌ و ذكي جدًّا، تخيلي أن باستطاعته أن يُصلح البيض المكسور!”.
فردت صديقتها بثقة عالية وقالت: “بل أبي أذكى و أكثر حكمة من أبيكِ، فأبي لا يدعُ البيضَ ينكسر”.
من الجيد أن تواجه الأنظمة والحكومات “فايروس كورونا” برصْد ميزانيات ضخمة و تفعيل أنظمة الطوارىء وإنشاء خلايا أزمة، والعمل على دعم القطاع الصحي والاستعانة بالقطاع الخاص.
حتى أنَّ العديد من الدول أنزلت الجيش لمساعدتها في تطبيق حالة الطوارئ مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإيطاليا وإيران.
كلُّ ما ذُكر جيدٌ ولا غبارَ عليه، لكن كل ما سبق يتم العمل به في حال تفشي المرض في البلاد.
فماذا عن البلدان التي لم يصلْها الوباء بعد؟ أو التي لم تُسَجَّل فيها أي حالة إصابة بفايروس كورونا حتى اللحظة؟!
هل تقف حكومات تلك الدول موقف المتفرج وتنتظر وصولَ الوباء وتُكَرِّر تجربة البلدان التي تفشّى بها الوباء وتعيش نفس السيناريو المرعب؟ أم تقوم بعمل خطوات استباقية للوقاية؟
وبما أنَّ رأس مال الحضارات وثروتها الحقيقية هو الإنسان، فلا ضيرَ أنْ تتخذ الدول التي لم يصلْها الوباء كلَّ ما هو ضروري لمنع وصول الوباء لمواطنيها، مثل إغلاق حدودها ومطاراتها وتطهير جميع المرافق العامة وإيقاف عجلة الحياة لمدة شهرٍ من أجل الحفاظ على حياة المواطنين، وإلا فماذا ستستفيد الحكومات من المصانع والمطارات والجامعات والمختبرات دون الإنسان نفسه ليحركها!
السياحة إنْ توقفت يمكن تنشيطها لاحقًا، المصانع إنْ توقف إنتاجها يمكننا مضاعفة الإنتاج فيما بعد، العبرة أنَّ كل خسارةٍ يمكن تعويضها إلا خسارة الإنسان فهي غير قابلة للتعويض.
لذلك من الضروري عدم النظر لأي خسارة مادية في الوقت الراهن، ويجب أن تعمل الحكومات بكامل طاقتها من أجل الحفاظ على أرواح مواطنيها، فالانتصار الحقيقي هو منع الوباء من الوصول للدولة ومحاصرته، وليس انتظار وصوله والتعامل معه كأمر واقع.
إيطاليا مثالٌ على الاستهتار وعدم تقديرٍ لواقع الحال، فإيطاليا التي يبلغ عدد سكانها حوالي 60.5 مليون نسمة، والتي تُعد من أولى الدول في العالم من حيث ارتفاع أعمار سكانها (23.3% من مواطنيها فوق 45 عامًا) لم تُظهِرْ اهتمامًا بالأزمة في بادئ الأمر، فالحكومة الإيطالية أنكرت وجود الفايروس بدايةً، ثم لم تأخذْ تحذيرات المخابرات على محمل الجد -حسب تقارير أجنبية- ولم توقفْ رحلاتها الجوية مع الصين، ولم تضعْ العائدين من الصين تحديدًا في الحجر الصحي الاحترازي.
وبحسب تقاريرٍ عدة، فإن الطبقة السياسية الحاكمة في إيطاليا أظهرت جهلاً بائنًا في التعامل مع الأزمة.
إيطاليا قامت بعمل خطوات كبيرة لاحقًا، لكن للأسف بعد فوات الأوان وكان بإمكانها توفير الكثير الكثير من طاقاتها لو أخذت الموضوع على محمل الجد وتعاملت مع الأزمة بحزم.
منظمة الصحة العالمية تتحدث عن أرقام مخيفة جدًّا، فتقول المنظمة في تقريرها الصادر يوم أمس أنَّ إيطاليا سجلت اليوم فقط 795 حالة وفاة، وإنّ مجموع الحالات المصابة المؤكدة وصل إلى 53578 حالة، وإنَّ الحالات الجديدة بلغت 6557 حالة، كما بلغ مجموع الوفيات جراء الإصابة بالفايروس 4827 حالة وفاة منذ بداية الأزمة وحتى تاريخ 22.3.2020، ما يعني أن نسبة الوفيات بلغت 8.6% (عدد الوفيات من أصل العدد الإجمالي للمصابين).
المشاهد الواردة من إيطاليا مرعبة جدًّا وخاصة في مدينة بيرغامو بإقليم لومبارديا شمال البلاد، وتدعو للقلق وتدق ناقوس الخطر لعلَّ الدولَ تتعلم الدرس وتتجنب وضعَ مواطنيها في خطر حقيقي يمكنها تجنيبهم إياه بإجراءات مؤقتة، ويمكن وصفها بغير المكلفة مقارنة بتكاليف التعامل مع الأزمة حال وقوعها ومقاومتها.
من لم يصله الوباء بعد مسؤول أمام شعبه أكثر ممن ابتلى بالوفاء. والتاريخ وشعبه والعالم سيحاسبونه بأضعاف ما سيحاسب غيره. انت أمام تجربة وجرس انذار لم يتسنى لغيرك، وأماكن تجارب من نجحوا ومن فشلوا وكيف دفعت الاثمان فلماذا تريد الدفع مجدداً؟
للأشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا