الخديعة الكبرى (2) : أين ذهبت أموال المودعين في لبنان؟ تلخيص د. طلال حمود
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
نستكمل في هذا الجزء الحديث الجدي ونستعرض الأسباب التي أدت الى هذا الانهيار الكبير بحسب الإفادات والشهادات التي وردت فيه.
فإذا ما حاولنا القراءة بين السطور في تصريحات جميع المسؤولين الذين استفتتهم الصديقه حطيط وفريق العمل الذي شاركها في الإعداد والتحقيق يظهر لي ولكم وبحسب خبرتي المتواضعة في مجال الإقتصاد والمال والنقد والتي لم تمنعني من تلخيص أهم ملاحظاتي على هذا الوثائقي الهام ان اسباب هذا الانهيار الكبير متعدده ويمكن ان نحصر منها بشكل أساسي الأمور التالية:
١-السياسات الإقتصادية والمالية التي كرّسها الرئيس الشهيد رفيق الحريري منذ وصوله الى السلطة في التسعينات من القرن الماضي والتي كانت قائمه على الاقتصاد الريعي، وعلى أن لبنان الذي سيعقد لاحقًا الصلح مع العدو الصهيوني من الممكن ان يكون فقط “بلد خدمات” على ان يكون اقتصاده قائم على قطاع الخدمات المصرفية والمالية والسياحية وتجارة العقارات وهذا ما أدّى الى تدمير الزراعة والصناعة والى انهيار اقتصاده كليًا. كما ان غياب الدور الرقابي والتوجيهي لمجلس النواب على كل تلك السياسات المالية والإقتصادية طيلة الفترات الماضية وتواطوئه، ودعمه لسياسات الهدر والفساد التي تكرست منذ ذلك الوقت وتجذرت في كل مفاصل الدولة واداراتها وصناديقها ومجالسها التي شملتها المحاصصة والمحسوبيات بين اهم اركان المنظومة.
وزدْ على ذلك المبالغ الهائلة التي صُرفت على كهرباء لبنان والتي تُقدّر بحوالي ملياري دولار اميركي سنويًا طيلة اكثر من عشرين سنة والتي استهلكت وهدرت القسم الأكبر من اموال الخزينة والمودعين دون ان تصل الكهرباء الى كل منزل في لبنان حتى تاريخ اليوم؟!
دون ان ننسى في الفترة الأخيرة تأثير عدم اعتماد “موازنات حقيقية للدولة” وإجراء قطوعات حساب منذ العام ٢٠١٠ طيلة السنوات الماضية وعدم اقرار “قانون كابيتال كونترول” من قبل مجلس النواب حتى الساعة رغم مرور اكثر من سنتين ونصف من الأزمة.
٢- السياسة الخاطئة التي اعتمدت على “تثبيت سعر العملة الوطنية” مما كلف مصرف لبنان أموال طائلة …
وينطبق ذلك ايضًا على سياسات “دعم السلع الأساسية” من محروقات ومشتقات نفطية وادوية وقمح وغيرها مما ادى الى هدر عدة مليارات من الدولارات ذهبت بمعظمها الى جيوب كبار التجار وحيتان المال وبعض النافذين المدعومين من مرجعيات سياسية او دينية معينة.
٣-الفساد المؤكد لحاكم مصرف لبنان وتحكّمه بصلاحيات واسعة جدًا في مركزه وبرئاسه هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان وهيئة الأسواق المالية وغيرها من المراكز.. بالاضافة الى تفرّده في اتخاذ معظم بل كل القرارات بشكل آحادي بمعزل عن موافقه المجلس المركزي لمصرف لبنان ومحاولاته استرضاء كافة الأطراف السياسية ودفع رشاوى كبيرة عبر الهندسات المالية التي يقال انها وصلت لحدود ٤ الى ٥ مليار دولار على الأقل استفادت منها مصارف محسوبة على عدة اطراف سياسية من اجل خدمة اهداف ومآرب شخصية معروفة.
ونذكر هنا ايضًا عرقلته المميتة حتى اليوم لكل محاولات التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان والتي حاول فريق رئيس الجمهورية جاهدًا ان يقوم به دون اي خرق ممكن تحت عناوين وحجج واهية من اهمها قانون السرية المصرفية والحصانات؟! علمًا انه يمكن تحديد اين تبخرت الودائع واين وقع الهدر والسطو الأكبر على المال العام ومن قام بكل هذه العمليات اذا ما طُبّقت القوانين النافذة ورفعت السرية والحصانات.
٤- جشع أصحاب المصارف وسياسه الفوائد المُرتفعة المُتّبعة طيلة الفترة الماضية التي شجعت المصارف على الاستثمار في أموال المودعين في مصرف لبنان والتي كان يهدرها بوسائل مختلفة لخدمة الطبقة الحاكمة ودعم استمراريتها ونفوذها مقابل بقائه في مركزه وتحكّمه في ادارة البلد فعليًا. وهذه الفوائد العالية كانت ايضًا السلاح الفتاك الذي استعملته المصارف لإغراء المودعين ودفعهم لوضع اموالهم في المصارف بالنسبة للمقيمين او لضخّ اموال جديدة الى لبنان بالنسبة للمغتربين ًوالأشقّاء العرب.
وفي هذا السياق نلحظ ايضًا تهريب نحو سبع مليارات دولار على الأقل تابعه لأصحاب المصارف واعضاء مجالس ادارتها ولسياسيين نافذين وحيتان مال وتجار كبار ولكبار المودعين خلال فتره اغلاق المصارف التي دامت اسبوعين كاملين في بدايه الحراك دون اي مبرّر او مُسوّغ قانوني او امني وما الى ذلك.
٥-عبء “النظام السياسي الطائفي المحاصصاتي المقيت” وما يترتّب عليه وبسببه من انحلال الدولة والزبائنية والتهريب والتهرب الضريبي الذين اثقلوا الدولة اعباء هائلة وحرموها من ايرادات وسياسة اجتماعية وضريبية عادلة كما والفساد الذي طال وغطى الجميع سياسيين وماليين ومفسدين من الشعب وفاسدين من الموظفين العامين.
٦- تفشيل الخطة الاقتصادية الإنقاذية الإصلاحية التي أقرّتها حكومة الدكتور حسان دياب من قبل كل المتضررين من اي اصلاح والمستفيدين من استمرار الهدر والفساد على النحو الذي كان سائدًا طيلة اكثر من ٣٠ سنة مضت. وقد ادى توقّف لبنان عن سداد سندات اليوروبوند التي كانت مستحقه في شهر آذار من العام ٢٠٢٠ الى زيادة الضغوطات عليه وهذا ما ادّى ايضًا الى تردي وتقهقر سريع لتصنيف لبنان لدى الشركات الإئتمانية مما اسهم في تسريع الإنهيار ايضًا.
٧-تواطؤ القضاء وانقسامه بين جناح يمثّل أكثريه القضاء المتواطئ مع السلطة السياسية والمالية ومع المصارف وهو الذي منع محاسبة المصارف وملاحقتها ولم يكبح كل التصرفات التعسّفية التي قامت بها طيله الفترة الماضية وغطّاها احيانًا وانحاز الى جانبها ضد المودعين ومصالحهم. الجزء الثاني من القضاء وهو القضاء الغير مرتهن لمصالح حزب المصرف حاول أن يقوم بواجباته لكن التدخّلات السياسيه منعته من ذلك ونحن نعرف جيدًا ان الجناح الأقوى في القضاء له اليد الطولى على الارض وهو شريك اساسي في هذه الجريمة لأنه مرتهن لمرجعيات سياسية متورطة ومرتكبة شاركت في كل عمليات الهدر والفساد وفي صفقات كبيرة غطّاها القضاء.
عدم تعاون القضاء اللبناني مع القضاء السويسري، والقضاء الفرنسي بشكل جدي طيلة كل الفترات الماضية لأسباب معروفة للجميع هدفها الأساسي حماية حاكم مصرف لبنان والمصارف.
٨-العقوبات الأميركية على بعض المصارف اللبنانية وخاصة تلك التي طالت بنك الجمال وادت الى تصفيته، وقانون قيصر وغيرها من العقوبات على اشخاص وكيانات لبنانية بتهم متعددة اهمها “الارهاب” كما تدعي الإدارة الأميركية.
٩- غياب خطّة اقتصادية جذرية للتعافي الاقتصادي يكون فيها توزيع عادل للخسائر يطال كل الذين ساهموا في الأزمه ومن أهمهم اصحاب المصارف والسياسيين الذين نهبوا وهدروا وحوّلوا الى الخارج كميات كبيرة من اموال المودعين واصحاب المصارف واعضاء مجالس اداراتها والمساهمين فيها والذين استفادوا من كل السياسات التي ذكرناها طيلة اكثر من ٣٠ سنة وحاكم مصرف لبنان والشركات الوهمية التي وظّفها لتبييض واختلاس الاموال بالتعاون مع اخيه رجا سلامه ومساعدتة ماريان الحويّك وغيرهم من افراد عائلته والمقربين منه، على ان تكون هذه الخطة على حساب صغار المودعين في كل حال كما تحاول المصارف وبعض اركان السلطة
وطبعًا علينا ان لا نغفل ان العوامل المذكورة أعلاه تضاف الى سواها من العوامل وهي ليست حصرية ويجب ان تضاف اليها الأسباب البنيوية في النظام السياسي والطائفي اللبناني الذي ادّى الى تعطيل قيام دولة المؤسسات والى فترات تعطيل متبادل للمشاريع الحيوية من هذا الفريق او غيره والى فترات إعتكاف ومقاطعة وشلل تنفيذي، وغياب طويل لمدراء عامين واداريين اساسيين، وتشجيع نهب المال العام والفساد المستشري وعدم المحاسبة والافلات من العقاب.
وأنصحكم جميعًا بمشاهدة هذا الوثائقي الهام جدًا والذي يغوص في كواليس هذا الملف السياسي الاقتصادي المالي القضائي الشائك والذي تحاول من خلاله الصديقه حطيط معرفه أين تبخرت أموال الشعب اللبناني المقدره بحوالي ١٢٠ مليار دولار اميركي والى حدوث افظع واوسع جريمه مالية في العصر الحديث كما وصفها خبراء البنك الدولي.
لمن فاتته متابعة الجزء الأول: