العالم ليس أميركا… الدبلوماسية الروسية تكثف هجماتها | بقلم د. عوض سليمية
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
بعد أيامٍ قليلة من انعقاد قمة طهران، والتي استضاف فيها الرئيس الايراني رئيسي، نظيريه الروسي بوتين والتركي اردوغان، وتناولت جملة من القضايا السياسية، الامنية والاقتصادية. وصل كبير الدبلوماسيين الروس سيرغي لافروف الى القاهرة، وفي خطابه امام مجلس جامعة الدول العربية، جدد زعيم الدبلوماسية الروسية تأكيده على اعتزاز موسكو بعلاقاتها المستمرة والقائمة على الصداقة والود مع الدول العربية، مُطمئنًا في الوقت نفسه شركاء روسيا بضمان تدفق سلاسل التوريد من الحبوب والمواد الغذائية الروسية وغيرها من السلع الى الاسواق العربية. ومثمنًا عاليًا الموقف المتوازن لاعضاء الجامعة من الحرب الدائرة بين موسكو والغرب على الارض الاوكرانية.
المحطة الاولى لكبير الدبلوماسيين الروس، ضمن جولته الأفريقية التي تشمل أيضًا (إثيوبيا وأوغندا والكونغو الديمقراطية)، ولقائه بالرئيس المصري الذي وصفه لافروف “بالشريك الرائد”، الى جانب كلمته امام ممثلي 22 دولة من التكتل العربي ضمن إطار الجامعة العربية وبحضور الامين العام أحمد ابو الغيط، يمكن قراءتها من عدة محاور، اولًا، تندرج الزيارة في إطار إستراتيجية الدبلوماسية النشطة التي تنتهجها موسكو، والرامية الى إفشال الخطط الأميركية الهادفة الى عزل روسيا عن أصدقائها وحلفائها في العالم. ثانيًا، تأكيد الحضور الروسي القوي والمؤثر على الساحة الدولية، بما فيها تبادل الافكار لمعالجة الازمات التي تعصف بمنطقتنا العربية بفعل السياسات الأميركية وايجاد الحلول الملائمة، ثالثًا، هي دعوة مباشرة لهذه الدول لتقديم مصالحها والدفاع عنها في الاطار الناظم للعلاقات الدولية الطبيعية بين الدول، نحو مزيد من الاستقلالية في القرار السيادي للكتلة العربية، الى جانب، الدفع بقوة نحو تسريع بناء نظام عالمي تكون الامة العربية أحد اقطابه، الرسالة الرابعة التي يمكن قراءتها، هي أن موسكو تضع الهواجس الامنية للامة العربية موضع الاهتمام، خاصة فيما يتعلق بقضية امتلاك ايران لاسلحة الدمار الشامل، وترى موسكو أنها الاقدر على ايجاد صيغة للحل ترضي جميع الاطراف بحكم نفوذها على طهران، ومنع انزلاق المنطقة نحو حرب جديدة مدمرة لا تخدم الا المصالح الاسرائيلية والأميركية.
رحلة لافروف وتصريحاته ترددت اصدائها سريعًا في أروقة الخارجية الأميركية والتي تراقب عن كثب الانشطة الدبلوماسية الروسية، حيث إدعى المتحدث باسمها نيد برايس، بأن خارجيته أقل اهتمامًا بمن يتواصل معهم وزير الخارجية لافروف وزملاؤه، وانهم فقط يركزون أكثر على الرسائل التي يسمعونها، مُقرًا في الوقت ذاته بأن الدول في جميع أنحاء العالم تحتفظ بعلاقات فردية ومميزة مع روسيا.
بينما تتنافس اوروبا والولايات المتحدة في اتخاذ كل اشكال التدابير والاجراءات غير البناءة الموجهة ضد روسيا ومصالحها، بما فيها الاجراءات الدبلوماسية، التجارية والاقتصادية والمتمثلة في فرض قوائم لا نهاية لها من اشكال العقوبات والقيود والتي تدفع بالاقتصاد العالمي نحو الكساد، الا ان الاقتصاد الروسي يستمر في تسجيل حالة نمو فريدة، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة “ناشونال انترست” فإن فائض التجارة الخارجية الروسية بلغ في الربع الثاني من هذا العام، مستوىً قياسي وسجل 70.1 مليار دولار، وان الروبل الروسي أظهر استقرارًا يحسد عليه. في المقابل بات الاقتصاد الاوروبي عاجزًا يتأرجح في مهب الريح، ولاول مرة منذ عقود إنهار سعر صرف اليورو. وتشير معظم الدلائل أن الاسوأ على اوروبا لم يأتِ بعد.
من ناحية أخرى، وبالرغم من تقييد النشاط الدبلوماسي والاعلامي الروسي داخل دول الاتحاد الاوروبي، وتوابعها، الى جانب محاولات شيطنة مواقف موسكو على الساحة الدولية، الا أن الدبلوماسية الروسية إستمرت في تسجل الاهداف في مرمى واشنطن وحلفائها، وتبدي حتى الان تماسكًا قويًا في شرح روايتها والاسباب الكامنة وراء هذه الحملات النازية الموجهة ضدها، وتعيد التأكيد في كل مناسبة، على ضرورة إعادة تأسيس وانتاج نظام عالمي جديد قائمًا على مبادئ الصداقة والمنفعة المتبادلة، فأمريكا ليست العالم والمجتمع الدولي ليس الغرب وحده.