في كل مرة كنت ألتقي فيها الشاعر الكبير الراحل محمد علي شمس الدين والحائز على ليسانس في الحقوق ودكتوراه في التاريخ كنت اسأل نفسي وانا استمع إلى هذا الشاعر المتدفق كالشلال السخي كالأرض، هل انا أمام مؤرّخ في الشعر أم شاعر في التاريخ؟ بل هل انا أمام مرافعة حقوقية في الشعر أم أمام شاعر يدافع عن الانسان بمنطق محام؟
هكذا كان محمد علي شمس الدين منذ تعرفت إليه طالبًا جامعيًا، في الستينات من القرن الفائت، تلمع في عينيه إشراقات ابداع، وتتسلل بين كلماته إرهاصات شاعر كبير.
أجمل ما في أبو علي بساطة لم تشوبها عيوب الشهرة، والتصاق بالواقع وقضاياه لم يبعده عن خيال الشعراء. فإذا راجعه الناس في قضاياهم كان خدومًا بلهفة شاعر واذا حضروا أمسية شعرية له لاحظوا في حضوره الدقيق انضباط موظف كبير في الضمان الاجتماعي.
في سنواته الثمانين أصدر 33 ديوانًا وكتابًا، وكتب الغزير من المقالات في النقد والتاريخ والمجتمع، وكنّا نسأل بعد كل كتاب أو ديوان شعر يصدره :، “ماذا لدى محمد علي شمس الدين من جديد لقوله”، واذا به معينًا من الإبداع لا ينضب وكنزًا من الافكار والتأمل لا قاع له.. وحين كنا نستضيفه في امسية شعرية أو حفل تكريم في “دار الندوة”، كان يعتلي المنبر بتواضع الكبار وقلق من التجربة وكأنها المرة الأولى.. بل كان يوزع الحب على سامعيه كما ازهار قصائده.
فيكبر به جبل عامل حيث نشأ، ويكبر به لبنان حيث أبدع، ويكبر به العرب حيث انشد لأمته وقضاياها ولفلسطين وللمقاومين في سبيلها، بعض اجمل قصأئده واستعاد فيها بعض أهم الرموز التاريخية العربية.
رحمه الله.