“قمة الجزائر” بين التفاؤل والتشاؤم | كتب مسعود بيت سعيد
تفصلنا ساعات قليلة عن القمة العربية المزمع عقدها في الجزائر، بعد أن أخذت وقتها الكافي من الاستعدادات والمشاورات والتحضيرات وتجاوز بعض المعوقات، والتي تتزامن مع ذكرى انطلاق حرب التحرير الوطنية الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، وحيث تعقد تحت شعار “وحدة الصف العربي” العزيز على قلوب الجماهير العربية.
وتأتي القمة وسط تحديات وجودية وأجواء ومناخات عربية ودولية رغم حرارتها ربما تكون في أفضل حالاتها؛ حيث من المفترض أن تكون كل الخيارات الإقليمية قد وصلت بنتائجها المتوقعة غايتها- أو على الأقل- أصبح أفقها مرئيا بحصاده المُر، وحيث المسارات الدولية أكثر وضوحًا من ذي قبل؛ مما يوفر للاختيارات القومية إمكانية التأسيس النوعي للمرحلة القادمة.
وإن كانت علة العمل العربي طيلة الفترة الماضية تتمثل في فقدان القرار الوطني السيادي؛ حيث الإرادة القومية الجماعية هي حاصل الإرادات القُطرية الفردية والتي تأسست معظمها على نقيض البعد القومي، الأمر الذي يُبقي سقف التفاؤل في حدوده الدنيا، وسيكون من قبيل الشطط الفكري والسياسي توقع نتائج معاكسة لتركيبة الواقع وتناقضاته واتجاهه التاريخي؛ ما يعكس الانطباعات المتباينة بين التفاؤل والتشاؤم، وحيث لا يمكن التقليل من التراكمات السلبية والتي تفعل فعلها بمعزل عن الأحلام المثالية.
والسؤال: هل تستطيع القمة المرتقبة أن تضيء شمعة في ليل العرب الحالك؟ وهل يمكن بناء تفاؤل موضوعي يمكن الرهان عليه؟
لا نستطيع الذهاب بعيدًا في هذا المنحى، يكفي تقدير حجم التمثيل الرسمي حتى نلمس بكل حواسنا عدم استشعار واستيعاب خطورة المرحلة. وما زالت الثغرات جلية في بنية النظم العربية كلها، وتطال استراتيجياتها الوطنية التي جُلها تنطلق من الاستجابة لنزعة قُطرية ترسخت بفعل عوامل موضوعية وذاتية في الذهنية العربية، ولعل اللحظة تستدعي التأكيد مجددًا على الحقيقة القائلة إنه لا تستطيع أي دولة عربية مهما كان حجمها ومواردها وصدق خططها خلق تنمية قُطرية، ناهيك عن الحفاظ على سيادتها الوطنية في ظل عالم التكتلات الاقتصادية والسياسية الكبرى، والشواهد العملية القاطعة والحاسمة قد أطاحت بكل أوهام المشروع القطري خارج أفقه القومي، ودون ذلك مجرد حديث للتسلية لا يثير إلا الشفقة والاشمزاز معًا. وعلى الذين أطنبوا في الترويج لهذه الخيارات، تقديم إجابات واضحة وتعليل أسباب ودوافع تجارب التكتلات الدولية، والتي مضامينها تؤكد بالملموس فشل المشاريع القطرية وضرورة وأهمية العمل التكاملي. ولماذا تسعى دول صناعية كبرى ذات كثافة سكانية وموارد طبيعية وبشرية هائلة للجوء لمثل هذه التكتلات؟ هل هي حاجة نرجسة ذاتية أم حاجة موضوعية علمية تفرضها طبيعة المرحلة ومتطلباتها؟
العجيب أن تلك التجارب تقدم في كل محفل كنموذج؛ الأمر الذي يكشف جوانب النقص في مستوى التفكير الاستراتيجي العربي.
إن عالم الأمس واليوم والغد تحكمه موازين قوى وليس الخزعبلات، وإن أهمية التكتلات الاقتصادية والسياسية لا تنطلق فقط من مشاعر قومية وعاطفية؛ بل من حاجة وضرورة موضوعية وعلمية واستراتيجية. والعالم من حولنا يتحرك والحروب التي جرت في الماضي والحاضر وتلك المحتملة كانت وستبقى دوافعها الجوهرية السيطرة على الموارد والأسواق والمواقع الإستراتيجية، ولن يتمكن أي كيان وطني من أن يحتل موقعًا على الخريطة الجيوسياسية القادمة خارج سياج متكامل قادر على حماية وجوده أولا ومصالحه ثانيا.
وتبقى الفرصة متاحة أمام الأمة العربية ذات المشترك الواسع اللغوي والروحي والجغرافي والثقافي والتكوين النفسي وغيرها. وإذا كانت الجزائر تبذل جهدًا حميدًا في محاولة استعادة المشروع القومي من خلال شعار القمة المرتقبة بأبعاده القومية، فإنَّ هذا التوجه بحاجة إلى رفده من قبل كل المخلصين، بحيث يعطي النتائج المرجوة التي تنتشل الأمة العربية من أوحال الصراعات العبثية المدمرة وتفتح أفقًا للمستقبل المشرق.