اجتماعالاحدث

انه الإنسان أيها الأحمق! | بقلم د. أحمد عيّاش

وانت تنظر الى جبال الالب الممتدة الى الاعلى كأعمدة صخرية عملاقة تتذكر القائد محبوب الرب “حنبعل” او “هنيبعل”، ليخطر على البال سؤال طبيعي إلا هو ماذا جاء يفعل قائد قرطاجي من شمال افريقيا ليعبر جبالا صخرية وليسلك اوعر الطرق ليغزو روما وليحاصرها لمدة 15عاما وذلك في حوالي سنة 200 ق.م؟

200 ق.م!

اي صراع هو بين دول وجيوش تجعل القادة وجنودهم يشقون البحر والبرّ والصخر والجبال ليتقاتلوا وبلاد الرب الواسعة اوسع ما تكون وفارغة من السكان ومليئة بالخيرات الطبيعية من انهار ومن اشجار ومن ثمر ومن حيوانات لا تعدّ ولا تحصى.

كانت الدنيا فارغة من الناس وغابات الخير على مد النظر فلماذا تسلق جبال الالب بعشرات الفيلة وبعشرةالاف حصان وبثلاثين الف فارس؟

انه التوق لاراقة الدم.

ربما كانوا قادة عسكريين لامعين الا انهم كانوا ايضا على قدر واسع من الوحشنة والحماقة والسخافة.

كان قادة الفراعنة والاشوريين والسريان و الروم والفرس والعرب والاغريق والتتر والفايكينغ قادرين على اكتشاف اراض وجزر مليئة بالثمر وبالحيوانات وبالماء بدل المواجهة والقتال حتى الموت.

لا يريد الانسان الا التقاتل.

عندما كانت الحروب في اجازة استعدادا لحروب تالية كانت الناس لا تخسر وقتها بل تتمتع برياضة وحشية كقتل ثور بالسيوف او بتقاتل اسرى فيما بينهم حتى الموت او بافلات اسود جائعة على محكومين وسط ملعب واسع او بتضارب اثنان بلعبة الملاكمة حتى سقوط احدهما .

محمد علي كلاي وفورمان متوحشان.

كانت وما زالت الشعوب متوحشة اكثر من قياداتها بما فيها تلك الشعوب المعتبرة الراقية والتي ان تعرضت لنسبة مئوية ضئيلة لشروط عيش الشعوب الهمجية من دول العالم الثالث لتحوّلت لشيطانية هي الاخرى وما الحربين العالميتين الا انتاج تلك الشعوب نفسها…وما زالت تلك الشعوب تقاتل بالمرسيدس وبالبيجو وبالفولفو وبالالفا روميو وبآيبل.

ما الذي الزم صاحبنا المسمى بطلا تاريخيا ان يعبر البحر وان يشق الجبال وان يصنع المستحيل كي يقاتل روما التي هي الاخرى ما تركت بلدا بأمان وبمعزل عن شرّها في زمن كانت قارات بأمها وبأبيها مليئة بالخيرات وتسع كل الناس…

حجة حروب اليوم ان الدنيا تعج بالبشر والخيرات ضئيلة فما هي حجة الامس اذن؟

انه الإنسان الذي لا يستحق ان تنقذه.

دع البشرية تنتهي.

وحده الإنسان المتوحش حيّ فينا ينمو ويكبر ليمارس حقارته في اوكرانيا وروسيا ،في العراق وسوريا وليبيا والصومال ولبنان وفلسطين وقريبا في تايوان وفي الصين وفي واشنطن وفي باريس وبرلين ولندن.

وكانت الدنيا فكرة تافهة دفع ثمنها المرهفون المتعبون اصحاب القلوب الزهرية واصحاب العقول الوردية والمسلسل مستمر.
تبّا لاستاذ يمتحن تلامذته حول بطولة هنيبعل والاسكندر المقدوني وقورش وينسى من دفع الثمن.

نحن من لا نملك سيوفا ولا رغيف خبز من يدفع الثمن.
نحن من يدفع ثمن بطولات وهمية سيثبت التاريخ خفاياها من صور الى قرطاج الى واشنطن الى بكين.

الدكتور أحمد عياش، باحث في علم النفس السياسي والديني

الدكتور احمد عياش، طبيب نفسي وكاتب. صدر له كتاب الانتحار الصادر عن دار الفارابي (2003)، وكتاب الاعاقة الخامسة: الاعاقة النفسية الاجتماعية الصادر عن مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب (2008)، بالاضافة لكتاب الشر والجريمة عن دار الكتاب اللبناني للطباعة والنشر والتوزيع (2013)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى