الحرب في أوكرانيا تتسبب في تفاقم نقص تمويل الأزمات الأخرى
أطلقت الأمم المتحدة يوم 24 نوفمبر الماضي مناشدتها الإنسانية لعام 2023، وهي دعوة غير مسبوقة لحث الجهات المانحة على العمل على تأمين التمويلات اللازمة؛ فخلال هذا العام، اتسعت الفجوة بين احتياجات التمويل في معظم وكالات الأمم المتحدة من جهة، وبين الأموال التي تتلقاها هذه الوكالات من الجهات المانحة من جهة أخرى. ورغم أن الحرب في أوكرانيا تٌعتبر من العوامل الأساسية التي تسببت في تفاقم النقص في التمويل، إلا أنها ليست العامل الوحيد.
في استعراضها السنوي للاحتياجات الإنسانية المتوقعة الصادر في أول ديسمبر الجاري، تقدر الأمم المتحدة أنها ستحتاج إلى مبلغ قياسي قدره 51.5 مليار دولار في عام 2023 للاستجابة للاحتياجات الإنسانية الهائلة، بزيادة قدرها 10.5 مليار دولار مقارنة بتوقعاتها العام الماضي لعام 2022. ويأتي هذا ليزيد الطين بلة على عام آخر شهد تحطيم الأرقام القياسية ؤي وقت تُكافح فيه وكالات الأمم المتحدة بالفعل من أجل إيجاد أموال لتمويل احتياجاتها المتفاقمة.
في تقريرها المعنون “نقص التمويل” الذي نُشر في شهر سبتمبر الماضي، تم تسليط الضوء على اثنتي عشرة دولة لا تصل فيها نسبة تمويل عملياتها حتى إلى 50%. وفي أواخر أكتوبر المنقضي، وجّهت المفوضية نداءً آخر للمانحين، أعربت فيه عن حاجتها إلى 700 مليون دولار على الأقل (693 مليون فرنك) بحلول نهاية العام وعن خشيتها في حال عدم تأمين هذه المبالغ من أن “الجولة التالية من التخفيضات ستكون كارثية على المحتاجين”.
في الوقت نفسه، يمثل نقص التمويل يمثل مشكلة بالنسبة لوكالات المعونة الأخرى التابعة للأمم المتحدة. ويصرّح متحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية قائلاً إنه مع اقتراب نهاية العام، أسفرت نداءات المساعدات التي تقوم بتنسيقها الأمم المتحدة عن تأمين ما نسبته 46.7% فقط من الاحتياجات التمويلية للعام بأكمله لغاية 22 نوفمبر الفائت، مقارنة بنسبة متوسطة في نفس الفترة بلغت 55% خلال السنوات الثلاث السابقة.
وصرح المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ينس ليركه لـ SWI swissinfo.ch قائلاً : “هذا الأمر يدق بالطبع ناقوس الخطر لأننا، كما يبدو، نتجه نحو نقص غير مسبوق في مبالغ التمويل الذي نحتاجه على الصعيد العالمي”. ويتابع قائلاً : “إن المشكلة تكمن في أنه، حتى لو اتسعت الفجوة بين الاحتياجات والأموال المتلقاة، فإن الأموال المتلقاة بالدولار الحقيقي تزداد”، ذلك أن “المشكلة هي أن النداءات تزداد باستمرار والتمويل آخذ في الازدياد، ولكن ليس بالسرعة نفسها. لذا فإن الفجوة بين التمويل والاحتياجات آخذة في الاتساع”.
تضمنت نداءات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة التي تم تمويلها بنسبة تقل عن 50% في 4 نوفمبر، على سبيل المثال، النداءات الإنسانية المتعلقة بسوريا واليمن والصومال وتشاد وجمهورية الكونغو الديمقراطية والسودان، بالإضافة إلى خطط الاستجابة لأوضاع اللاجئين من سوريا وفنزويلا، واللاجئين من ميانمار في بنغلاديش. يتم توجيه نداءات عاجلة عدة مرات في السنة وذلك حسب الاحتياجات. الجدير بالذكر أن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية يقوم بتنسيق النداءات الموجهة إلى الأمم المتحدة ووكالات المعونة الأخرى، ولا سيّما اللجنة الدولية للصليب الأحمر على وجه الخصوص. أما الجهات المانحة فهي في الغالب حكومات غربية، ولكن هناك أيضاً وبشكل متزايد مانحون خواص.
النقص في التمويل وتداعياته على اللاجئين
في مواجهة فجوة التمويل، اضطرت المفوضية فعلياً إلى اللجوء إلى إجراء تخفيضات في الميزانية. وتُعتبر أوغندا، على سبيل المثال، واحدة من أكثر الدول المضيفة كرماً مع اللاجئين الأفارقة، حيث تقوم بتوفير المأوى للاجئين خاصة من جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان. وهي تواجه حالياً، تفشي مرض الإيبولا القاتل، لكن المفوضية تُعرب عن عجزها في تأمين الأموال الكافية لشراء الصابون ومستلزمات النظافة بغية المساعدة في حماية اللاجئين من الفيروس.
وفي تشاد، التي نزح إليها لاجئون من السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى بالإضافة إلى وجود نازحين من الداخل نتيجة النزاعات وتغير المناخ، اضطرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كما تصرّح، إلى قطع إمدادات المياه عن مخيمات النازحين من الداخل بسبب نقص الوقود. وفي لبنان، الذي يستضيف لاجئين ولا سيما من سوريا، أشارت وكالة الأمم المتحدة إلى وجود “70.000 عائلة لاجئة من الفئات الضعيفة، التي لم تعد تتلقى مساعدة شبكة الأمان الخاصة بها من المفوضية”. وتخشى المفوضية في حال انقطاع المساعدات النقدية عن اللاجئين في الشرق الأوسط هذا الشتاء، من تجمد العائلات الضعيفة لعدم قدرتها على تأمين وسائل التدفئة، أو حتى من طردها من مساكنها لعدم قدرتها على دفع الإيجار.
محتويات خارجية
وتقول أولغا سارادو، المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في جنيف: “نعلم أننا لا نحصل عادةً على الميزانية المطلوبة لتأمين الاحتياجات بالكامل، لأنه لا يتم تمويلها بالكامل”. “المشكلة هذا العام هي أن مبلغ 700 مليون دولار [المطلوب قبل نهاية العام] هو في الحقيقة الحد الأدنى المطلوب لتغطية الاحتياجات الأساسية.”
عامل الحرب في أوكرانيا
هناك أسباب مختلفة تفسّر أزمة نقص التمويل، بما في ذلك تداعيات جائحة كوفيد -19 وتغير المناخ، والمشاكل الاقتصادية الحالية التي تعاني منها بعض الدول الغربية. ويرى خبراء الأمم المتحدة أن حرب أوكرانيا هي أيضاً من العوامل الأساسية الكامنة، وراء هذه الأزمة.
فقد أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى ارتفاع عدد النازحين قسراً في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك ملايين اللاجئين الأوكرانيين إلى بلدان أخرى وملايين آخرين من النازحين داخلياً. وفي شهر أكتوبر المنصرم، ومع استضافة بولندا لما يقارب من مليون ونصف مليون لاجئ، أحصت سجلات الأمم المتحدة 7.6 مليون لاجئ أوكراني في جميع أنحاء أوروبا. وصرّحت سارادو من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بأن الحاجة إلى التمويل قد تفاقمت أيضاً في مناطق أخرى، كما أن عملية إيصال المساعدات أضحت أكثر تكلفة نتيجة “التداعيات غير المباشرة” لحرب أوكرانيا، والتي أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود. ويتوقّع صندوق النقد الدولي زيادة معدلات التضخم العالمي في عام 2023، بنسبة 6.6% في الاقتصادات المتقدمة وبنسبة 9.5% في البلدان النامية.
وتقدر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أعداد النازحين قسراً في جميع أنحاء العالم بـ 103 مليون بحلول منتصف العام الجاري. وتشمل هذه الأعداد كلا من اللاجئين وطالبي اللجوء والنازحين داخلياً، أي بزيادة بلغت 13.6 مليون نسمة (تمثل نسبة 15%) مقارنة بالأعداد المسجّلة نهاية عام 2021. ووفقاً لإحصاءات المفوضية المتعلقة بالنزوح القسري، فإن هذه الزيادة في أعداد اللاجئين تعدّ الأكبر على الإطلاق التي سُجّلت في السنوات الماضية.
وفي حين اعتُبرت أوكرانيا أكبر مصدر للنازحين القسريين خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2022، إلا أننا شهدنا أيضاً زيادة بنسبة 21% في أعداد النازحين من فنزويلا، الذين فروا في أغلبيتهم إلى كولومبيا ودول أمريكا اللاتينية الأخرى. كما تفاقمت أعداد النازحين القسريين في أجزاء أخرى من العالم، لا سيما في أجزاء من قارتيْ إفريقيا وآسيا.
ونظراً للحاجة المتزايدة إلى التمويل، وجهت المفوضية نداءات عديدة للجهات المانحة. وتقول سارادو لـ SWI swissinfo.ch : “لقد تلقينا تمويلات تفوق ما تلقيناه في أي وقت مضى، ولكن هذه التمويلات ما زالت لا تلبي احتياجاتنا الحالية”.
الأزمات الممتدة
في السياق، يُسلط تقرير “نقص التمويل” الصادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الضوء على اثنتي عشرة دولة “تعاني من نقص مزمن في التمويل” وهي كل من بنغلاديش وتشاد وكولومبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا والعراق والأردن ولبنان وجنوب السودان، والسودان وأوغندا واليمن.
وتقرّ سارادو بأن الجهات المانحة غالباً ما تفتر همتها في تمويل المساعدات المتعلقة باللاجئين والنازحين عند الأزمات الممتدة. وفي هذا الصدد، تشير إلى وجود حوالي 40 مليون شخص في هذه البلدان الـاثني عشر ممن هم بحاجة إلى المساعدات والدعم، على غرار اللاجئين والنازحين من أوكرانيا. وتقول سارادو لـ SWI swissinfo.ch : “هؤلاء بحاجة إلى المساعدات والدعم وكذلك إلى دعم مجتمعات البلدان المضيفة”. وتضيف قائلة: “لذلك من المهم أن يطال نفس الالتزام والتعاطف الذي أظهره العالم تجاه الأوكرانيين، جميع هؤلاء اللاجئين، وغيرهم من الأشخاص، الذين أجبروا على الفرار هرباً من الصراع، وانعدام الأمن في بلادهم”.
كما تشير سارادو إلى أن أكثر اللاجئين في العالم ممن يحتاجون إلى الحماية الدولية هم من السوريين، يليهم الفنزويليون والأوكرانيون، ثم الأفغان إضافة إلى النازحين من جنوب السودان وميانمار. وتعلق على هذا الموضوع قائلة: “صحيح أن أعداد اللاجئين والنازحين من أوكرانيا كبيرة، لكن أعداد اللاجئين من الجنسيات الأخرى أكبر”.
وتقول سارادو إن بعض الجهات المانحة فقط التي تأخذ على عاتقها التمويلات الصغيرة هي التي قامت بربط منح تمويلها بأوكرانيا على وجه التحديد. كما تضيف أيضاً أن معظم الدول المانحة “تتفهم أهمية التمويل المرن”، مما يعني أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يمكنها استخدام نسبة 40% تقريباً من التمويل لتأمين أي احتياجات أخرى تعتبرها ذات أولوية.
وقد ساهمت أزمة اللاجئين في أوكرانيا في الحصول على دعم بعض المانحين الجدد للمفوضية، لا سيما الأفراد والشركات والمؤسسات. وفي هذا الإطار، تقول سارادو: “لقد قرر هؤلاء المانحون دعم اللاجئين لأنهم أدركوا ما يحدث في أوكرانيا”. وتأمل أن يستمر هذا الدعم إلى ما بعد هذا العام، وأن يشمل جنسيات وضحايا أزمات أخرى، وألا يقتصر على أزمة أوكرانيا فقط.
المحاسبة الإبداعية
هناك عامل آخر يؤثر على التبرعات وهو أن بعض البلدان تحول جزءاً من المساعدة الإنمائية الرسمية – وهي مساعدات حكومية تهدف إلى تعزيز التنمية الاقتصادية ورفاهية البلدان النامية – لتغطية تكاليف استضافة اللاجئين الداخليين، ولا سيما اللاجئين الأوكرانيين خلال عام 2022. وفي الوقت الذي يُسمح فيه للبلدان بالقيام بهذا الأمر بموجب القواعد المتفق عليها دولياً، إلا أن بعض البلدان كما يبدو، تعمل على توسيع نطاق تطبيق هذه القواعد إلى أقصى حد.
ويقول ليركه إنه من الصعب تتبع هذه الممارسات، لكن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية يدرك أن بعض البلدان، بما في ذلك الدول الإسكندنافية، تستخدم جزءاً من المساعدة الإنمائية الرسمية للاجئين الداخليين المتواجدين فوق أراضيها. “هذه الدول تُصنّفها كمساعدات إنسانية، وتقوم بشكل أساسي بمنحها لأنفسها لتلبية حاجات اللاجئين القادمين. نحن لا نتفق مع هذا التصنيف للمساعدات الإنسانية، ولكن موقفنا هذا هو مجرد رأي نعبّر عنه”.
ووفقاً لتقرير صدر مؤخراً في صحيفة الغارديان البريطانية، يشير خبراء التنمية إلى أن المملكة المتحدة، على سبيل المثال، تنفق حالياً أكثر من ميزانيتها التنموية الدولية في الداخل مقارنة بالدول النامية الفقيرة. ويذكر التقرير، نقلاً عن بحث أجراه مركز التنمية العالمية، أن نسبة كبيرة من هذه الميزانية، يتم إنفاقها على إسكان اللاجئين القادمين بشكل أساسي من أوكرانيا، وأن المملكة المتحدة هي “واحدة من عدد قليل من البلدان – والوحيدة في مجموعة الدول السبع الكبرى – التي تقوم بتمويل جميع تكاليف حاجات اللاجئين الأوكرانيين من ميزانيتها الحالية للمعونة”.
في سياق متصل، تتوقع سويسرا أن ترتفع نسبة ميزانيتها المعتمدة في المساعدة الإنمائية الرسمية (اختصارا ODA) المستخدمة داخلياً هذا العام. و”عملاً بقواعد الإبلاغ الخاصة بلجنة المساعدة الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، تصرّح سويسرا أيضاً عن تكاليف استقبال طالبي اللجوء، والأشخاص المقبولين مؤقتاً، واللاجئين من البلدان النامية خلال الأشهر الاثني عشر الأولى من تواجدهم في سويسرا، كمساعدات إنمائية رسمية”، وفقاً لموقع الحكومة السويسرية الذي يُشير إلى أن هذه التكاليف بلغت نسبتها 9% من إجمالي المساعدات الإنمائية الرسمية السويسرية في عام 2021.
ورداً على سؤال عما إذا كانت سويسرا قد رفعت من قيمة مساعداتها التنموية الخارجية في عام 2022 بغية تلبية النداءات المطالبة بالحصول على مزيد من التمويل، صرّح متحدّث باسم وزارة الخارجية بأن بيانات عام 2022 ما زالت قيد التحرير وغير متاحة ،”ولكن من المتوقّع أن ترتفع المساعدة الإنمائية الرسمية بسبب الزيادة المتوقعة في تكاليف استضافة اللاجئين في سويسرا (تكاليف اللاجئين داخل أراضي الجهات المانحة، المؤهلة جزئياً للحصول على صفة المساعدات الإنمائية الرسمية) “. وأضاف المتحدّث أنه “في عام 2022, من المتوقع أيضاً أن ينخفض مستوى المساعدات الإنمائية الرسمية من دون احتساب تكاليف اللاجئين داخل أراضي الجهات المانحة، وذلك على الرغم من الموارد المالية الإضافية الممنوحة لمعالجة تداعيات الحرب في أوكرانيا”.
مصدر المقال : اضغط هنا