حادثة العاقبية، حادث عرضي أم حدث تعقبي ستتلوه تعقبات وعواقب | بقلم العميد د. عادل مشموشي
شكَّل حادِثُ الاعتِداءُ على الدَّوريَّةِ التَّابِعَةِ للأُمَمِ المُتَّحِدَةِ “قُوَّاتِ اليونيفل” في محلَّة العاقبية جنوب مدينة صيدا وخارج نطاقِ بُقعَةِ انتِشارِ قُوَّاتِ اليونيفل في الجنوب اللبناني حدثاً مهماً شَغلَ الأوساطَ المَحلِّيَّةِ داخِليَّاً كما الجِهاتِ المَعنِيَّةِ على المُستوى الدَّولي إن كان على مُستوى الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ وبخاصَّةِ الأمين العام للأُمَم المُتَّحِدة أو مَجلِسِ الأمن الذي تَعملُ القواتُ الدَّوليَّةُ على تنفيذِ قرارِهِ رقم 1701 الذائع الصيت، أو على مُستوى الدُّولِ المَعنيَّةِ وفي طليعتِها الدَّولَةُ الإيرلندِيَّةُ التي يَحملُ الجُنودُ الذين وقعَ الاعتِداءُ عليهم جِنسيَّتَها، أو الدَّولةُ اللبنانيَّةُ التي وَقعَ الاعتِداءُ على أرضِها. وأهميَّثةُ هذا الحدثِ لا تقتصرُ على كونِ الحادثِ أسفرَ عن مَقتلِ أحدِ الجنودِ الإيرلنديين، وإصابةِ ثلاثةِ عناصرَ آخرين حالةُ أحدِهم ما تزالُ حرجة، إنما يُضافُ إلى ذلك كون هذا الحادِثِ لم يلِد يتميماً إنما جاءَ بعد حوادِثَ أخرى اقتصرَ بعضُها على اعتراضِ خط سير دوريَّاتِ قوَّاتِ اليونيفل لمنعِها من الدُّخول إلى بعضِ المناطِق، أو منعها من القيامِ بعمليَّاتِ تفتيشِ لبعضِ المُنشآتِ والمنازل بذريعةِ أن حزب الله يخزِّن أسلحةً فيها؛ ولكن أخطرُها ما تمثَّلَ في تَفجيرِ عُبواتٍ ناسِفَةٍ استهدفت بعضٍ من دَورِياتِها في أوقاتٍ وأمكنة مختلفةٍ وخار ِجِ بُقعةِ عَملها.
خُصوصِيَّةُ حادِثِ العاقبية تكمُنُ في أنه حَصلَ بعد تمديدِ مَهامِ قُوَّاتِ اليونيفل والذي تزامن مع إجراءِ تعديلٍ جوهري في البند السَّادسِ عشر من القرار 1701 المُشار إليه والذي أكّضدَ على حقِّ قوَّات اليونيفل تسييرِ دورياتٍ والقيام بنشاطاتِها من دون إعلام الجيش اللبناني، كما من دون أيَّة مُؤازرَةٍ منه، ويَبدو أن ثمَّةَ أزمَةُ ثِقةٍ قائمةٍ ما بينَ قوات اليونيفل من جِهةٍ وحزبِ الله من جِهةٍ أخرى أملَت إجراءَ هذا التَّعديل، وباعتِقادِنا أن أزمةَ الثِّقةِ هذه هي السَّببُ الأساسُ لتِكرارِ مثل هذه الحوادث، وانعِدامُ الثِّقَةِ المُتبادَلَةِ مَردُّهُ لكون القُوَّاتِ الدَّوليَّة ترى أن حِزب الله لا يتقيَّد ببنود القرار المُنوَّهِ الذي أوجبَ عليه عدم القِيامِ في أيِّ نَشاطٍ عَسكرِيٍّ في الأراضي اللُّبنانيَّةِ التي تَقعُ جَنوب مَجرى نهرِ الليطاني وصولاً إلى الحُدودِ مع فِلسطين المُحتلَّة، في المٌابلِ حزبُ الله يرى في بعضِ نشاطاتِ القواتِ الدَّوليَّةِ ما يهدفُ إلى كشفِ أنشِطةِ الحزبِ داخلِ وخارج بقعَةِ عَمَلِ القُوَّاتِ الدَّوليَّةِ وتزويدِ الكيان الإسرائيلي، بصورةٍ مُباشِرَةٍ أو غيرِ مُباشِرَة، بمَعلوماتٍ عَسكرِيَّةٍ هامَّةِ عن نشاطاتِ المقاومة.
لقد أعقبَ وقوعَ الحادثِ صُدورُ العديدِ من التَّصريحاتِ والبياناتِ المُندِّدةِ به، ومن مَراجِعَ مُختلفَةٍ لُبنانيَّةٍ وغير لُبنانيَّة، وخاصَّةً من الجِهات الأساسِيَّةِ المَعنيَّة، وفي طليعتِها الأمانَةِ العامَّةِ لللأمم المُتَّحِدَةِ وإيرلندا ولبنان على المُستوى الرَّسمي كما على مُستوى حزبِ الله الذي يؤكِّدُ مسؤولوه أن لا شأن للحِزبِ بالحادث، موحِياً بأن الحادثَ جاءَ عَرضِيَّاً وعلى أثر انحرافِ دوريَّةِ اليونيفل عن مسار سيرها الطبيعي من الناقورَةِ إلى بيروت، أي الأوتوستراد وليس الطريق البحريَّة، كون الأولَ أوسَعُ الطُّرُقِ المُتاحةِ وأسهَلُها.
إن تَبعاتِ مِثلِ هذه الحَوادِثِ ينبغي أن تُحدَّدَ على ضَوءِ ما تَكشِفُهُ التَّحقيقاتُ التي ينبغي إجراؤها بكُلِّ شفافِيَةٍ وحِرَفِيَّة، لأن أيَّ تعليقٍ لا يكون مَبنيَّا على واقِعاتٍ مؤكَّدَةٍ ومُثبَتةٍ يبقى من قَبيلِ التَّكَهُّنات، إلاّ أن ذلك لا يَمنعُ من تَقييمِ ما حَصلَ وفق المُعطياتِ المُتَوفِّرَةِ عَمَّا حَصَلَ قُبَيلَ الحادِثِ وخِلالَ حصولِه وما سَّبقةِ من أحداثٍ مُماثلةٍ ذاتِ صِلَة، للوقوفِ على ما ينبغي اعتِمادُه في مُتابَعَةِ ذيوله وتنعكاساتِه، وتلافياً لتَبِعاتٍ غيرِ مُرضِيَةٍ أو لا تصُبُّ في صالِحِ لبنان كدولَةٍ مَعنيَّةٍ بوجودِ قُوَّاتِ اليونيفل على أراضيها ومَسؤولةٍ عن حِمايَتِها على أقلِّ تَقديرٍ خارِجَ نِطاقِ بُقعَةِ عملِها، وهذا يوجِبُ الوقوفَ على الوُجهَةِ التي كانت الدَّورِيَّةُ مُتَّجِهَةً إليها والغَرَضُ من ذلك، وعَمَّا إذا كان يُمكِنُ استِغلالُ تلك المَهمَّةِ للقيامِ بأيَّةِ أنشِطةٍ مُلتبسةٍ خارِجَ إطارِ المَهامِ المُناطَةِ بها.
وفق المعلوماتِ المُتداولةِ إن الدَّوريَّةَ المُشارِ إليها كانت مُتوجِّهَةً من مَحلَّةِ الناقورَةِ إلى مَطارِ رَفيقِ الحَريري الدَّولي بمُهِمَّةِ نقلِ جُنودٍ متوجِّهينَ إلى دُولِهم لانتِهاءِ مُدَّةِ خِدمَتِهم في لُبنان، أو لقَضاءِ عُطلَتِهم الميلادِيَّة. وكانت الدَّوريَّةُ تتألَّفُ من أربعِ سيَّاراتٍ مُصفَّحةٍ، وأن الدَّوريَّةَ قد سلكت بادئ الأمرِ الأوتوستراد المنوّضهِ عنه، ولكن حدث أن تفرَّقت الدَّوريَّةُ في اتِّجاهين: آليتان منها تابعتا سيرها على الأوتوستراد، والآليَّتان الأخرتان سلكت الطريق البحري القديم، وبوصولِ الأخيرَةِ إلى بلدَةِ العقيبةِ مُحاوِلَةً العودةِ إلى الأوتوسترادِ للإلتِحاقِ بالآلِيَّتينِ الأخرتين، اعترَض مسيرَها شُبَّانٌ ومنعوها من التَّقدُّم فَعَمِلَت الدَّورِيَّةُ، بعد أن مُنعت من العُبور، إلى تَغيير اتِّجاهِ سَيرِها وَسَطَ الجمهَرَةِ نتيجَةَ ما تَعرَّضت له من مُضايقات، ويُحكى أنَّها صَدَمت أحداً من المُتَجَمهِرين وسيَّارةً كانت مُتوَقِّفَةً لجانبِ الطَّريق، ما دَفعَ بأحَدِ المُتواجدينَ في المحلَّةِ إلى إطلاقِ عياراتٍ نارِيَّةٍ مُباشَرَةً باتِّجاهِ الدَّورِيَّة، فأصابت إحدى الطَّلقاتِ سائقَ إحدى الآليَّتين برأسِهِ فانحرَفَت الآليَّةُ واصطدمت بحافَّةٍ من الإسمنت الأمرُ الذي أدى إلى إصابَةِ ثلاثَةِ جُنودٍ آخَرين كانوا داخِلَها، حالَةُ أحَدِهِم لا تزالُ حَرِجَة.
يتبادرُ إلى الذِّهنِ للوهلَةِ الأولى التَّساؤلُ عن سببِ تَجزئةِ الدَّورِيَّةِ إلى دَورِيَّتين وخُروجِ إحداهِما عن الأوتوستراد، كما عن السَّبَبِ الذي دَفعَ بأحدِ الأشخاصِ إلى إطلاقِ النَّارِ من سِلاحِ حَربي أوتوماتيكي مُباشَرَةً باتِّجاهِ الدَّوريَّة؟ وكيفَ تَوفَّرَ هذا السِّلاحِ فَوراً في مَكان الحادث؟ وهذا ما يدعو لطرحِ سؤالين مَنطِقِيَّين هامَّين: هل كان عناصِرُ الدَّورِيَّةِ يَتقصَّدونَ تَغييرَ مَسارِها للقِيامِ بمَهامٍ أُخرى غيرِ نقلِ الجُنودِ إلى المَطار؟ والآخَر: هل كانت عَملِيَّةُ التَّجمهرُ وإطلاقِ النَّارِ مُحَضَّرَةً مُسبَقاً وعن سابِقِ تَصوُّرٍ وتَصميم؟ وفي حالِ صِحَّةِ ذلك لأيَّةِ أغراضٍ ولِصالِحِ مَن؟
ثمَّةُ معطياتٌ توفَّرت لدينا بالتَّواتُرِ تُشيرُ إلى أن دوريَّةَ اليونيفل التي انطَلَقت من الناقُورَةِ مؤلَّفةٌ من فعلاً من أربعَةِ آليَّات، ولكنَ عناصِرَها لاحَظوا خلالَ مسيرِهم وجودَ من يَتَتَبَّعُهم “على الأقل سيَّارَةٍ مَدنيَّة واحِدة”، فاتخذّ آمرُها قراراُ، من تلقاءِ ذاتِهِ أم بتوجيهٍ من غُرفَةِ العَملِيَّاتِ التي يعملُ لِصالِحها، بالقيامِ بمناورَةِ تقوم على تقسيمِ الدَّورِيَّةِ إلى دوريَّتين على أن تُبدِّلَ إحداها المَسلَكَ المُقرَّرِ مُسبَقا، فانحَرَفت عن الأوتوسترادِ سالِكَة الطَّريقِ البَحري القَديم، فلَحِقَت السَّيَّارَةُ المُتعقِّبةُ هاتينِ الآليتين، وتُفيدُ المَعلوماتُ التي وصلتنا أن هاتينِ الآليَّتين قد تَعرَّضتا لمُضايقاتٍ في أكثرِ من بلدَةٍ قبل وصولِهما لبلدةِ العقيبة، ولكنَّها لم تَكُن بحجم المُضايَقاتِ التي حَصلت في الأخيرَة، حيث تمكَّنَ الجمعُ الغاضِبُ من مَنعِ الدَّورِيَّةِ من مُتابَعَةِ طَريقِها، فعمدت إلى تغييرِ اتِّجاهِها وَسَطَ الحَشدِ، وأفاد بعضُ الأهالي أن إحدى العربتين إصابَت أحدِ المُتجمعينَ حولَها كما صدمت إحدى السَّيَّاراتِ المَركونَةِ إلى جانِبِ الطَّريق، أثناء مُحاولتها الخروج من بين جمهور المعترضين على مسارها، ولكن المٍُتهجنُ أنها تَعرَّضت بعد تخلُّصِها من المتجمهرين لإطلاق نارٍ مُباشِرٍ أدى إلى إصابة الآليَّتين وسائق إحداها برأسِه ما أدى إلى وفاته على الفور، فانحرفت الآليَّةُ التي كانَ يقودُها واصطَدَمت بعامودِ كهرائي ومن بعدهِ بمبنى محاذٍ للطريقِ العام، ما أدى إلى إصابة ثلاثةِ جنودٍ آخرين داخِلِ المركَبَة.
وفق المَفهوم الأمني من البديهي أن يعمدَ آمرُ الدَّوريَّةِ كرجلٍ عسكري إلى المُناوَرَةِ للتَّحقُّقِ من أن الدَّورِيَّةَ مُراقبة أم لا، وفي حال تَحقُّقِه من ذلك أن يَقومَ بمحاولةِ تَضليلٍ للمُتَعقِّبين، وهذا ما يُفسِّرُ تَقسيمَ الدَّورِيَّةِ إلى دَورِيَّتين، بحيث تَفلُتُ إحداها من المُتابِعَة، وأن تَعمَدَ الأخرى إلى سُلوكِ طُرُقاتٍ فَرعِيَّةٍ للتَّخَلُّصِ ممن يَتَعَقَّبُها، أمَّا ازديادُ عَددِ من اعترضَ مسير الآليَّة في مجلَّة العاقبيَّةِ عمَّا حصلَ في قُرىً أُخرى، فيوحيِ بأن ثمَّةَ اتِّصالاتٍ سَريعَةٍ حصلت قبل وصولِ الدَّورية إلى مكان الحادِثِ، كما يوحي أنه هناكَ من يرصُدُ تحَرُّكاتِها، وأن اعتراضَها جاءَ بإيعازٍ من جِهَةٍ ما قادَرَةٍ على حشدِ جمعٍ من الشَّبَّابِ في مكان مُعَيَّن بوقتٍ قياسي.
ولكن تبقى الإجابةُ عما إذا كانت عمليَّةُ إطلاقِ النَّارِ جاءت عن سابق تصور وتصميم، أم أنها بالحدِّ الأدنى وليدةَ ساعَتِها وبقرارٍ مرتجلِ من مطلق النار؟ في الواقعِ إن حِيازَةَ بندُقِيَّةٍ حَربِيَّةٍ بحَوزَةِ أحَدِهِم من دون موجِب تدعو للتَّساؤل والرَّيبة، كما أن إقدامً فردٍ على إطلاقِ النَّار من بندقية أوتوماتيكيَّة وبالمُباشِرِ على دَورِيَّةٍ تابِعَةٍ للأُمَمِ المُتَّحِدَةِ ليس بالقَرارِ السَّهل الذي بمقدورِ أي فردٍ عادي ارتِجالُهُ أنَّا تَمتَّعَ بجُرأة ومهما كانت دوافِعُه، ولا يُمكن تصوُّرُ أن تصِلَ السَّذاجةُ بأي عابرِ سبيل أو مُتواجِدٍ بحُكمِ الصُّدفَةِ في المكانِ إلى ارتِكابِ هذه الحَماقَة؛ خاصَّةً وأن مَحلَّة العقيبةِ ليست بمنطقةٍ عَسكرِيَّة ولا ينطوي سير دوريَّةٍ لليونيفل فيها على أيَّةِ مخاطرَ، خاصَّةً وأنها تقعُ خارجَ جُغرافيا مهام اليونيفل وأنشِطةِ المقاومةِ العسكريَّة، وهذا ما يدعونا للقولِ أن عمليَّةَ التَّعقُّبِ واعتراض سير الدَّوريَّة كان موجَّها، إنما عمليَّةُ إطلاقِ النارِ لم تكن مُتَّخةٌ ولا مُخطَّطٍ لها سابقا، وإن انطَوَت على جَريمَةِ قَتلٍ قَصدي؛ وهذا ما يُمكِنُ أن يَستشِفُّهُ أي عاقلٍ بصورَةٍ موضوعِيَّة.
وتوخي الموضوعيَّةِ والتَّجرُّدِ في هذا مُقارَبَةِ هذا الحادِثِ أمرٌ مَطلوبٌ لكونِ وجودِ قِوى اليونيفل على الحُدودِ اللبنانيَّةِ ـ الفلسطينيَّةِ جاءَ بناءً لرغبة لُبنان، كما أن وجودَهم يَصُبُّ في مَصلَحتِه، كونه الفريقُ الأضعَفِ والمُعتَدى عليه في مَعرَضِ الصِّراعِ مع العدوِّ الإسرائيلي.
ولو كان التَّعرُّضُ في وجهِ دورِيَّةٍ للعدو لكان موقِفُنا مُخالفٌ تماماً وبعيداً عن التَّجرُّدِ، ولكُنَّا سننحازُ إلى جانِبِ المُقاوَمَةِ ظالِمَةً أو مَظلومَة. ولكن هذا التَّعرُّضَ جاءَ غَبِيَّاً في الشَّكلِ ومُتَهَوِّراً في المَضمون، ومُجرجٌ للسُلُطاتِ اللبنانيَّة ويُحمِّلُ تِبعَةَ ما حصَلَ للدَّولةِ باعتِبارِها المَسؤولةَ حَصرِيَّاً عمَّا يَقَعُ على أرضِها من جَرائمَ، وبالأَخص تلك الانتِهاكاتِ التي تَتعرَّضُ لها وَحداتُ اليونيفل وعناصِرها خارِجَ نِطاقِ بُقعَةِ عَملِها، ولأن ما حَصَلَ أشبَهُ بمن يغدُرُ بمُحايدٍ استَنجَدَ به للدِّفاعِ عنه بطَعنَةٍ في الظَّهر.
للأسَفِ إن الدَّولةَ اللبنانيَّةَ كعادَتِها تَقِفُ مَوقِفَ المُتَفرِّجِ أو المُراقِبِ مُكتَفِيَةً ببياناتِ الاستِنكارِ والإدانَة، وكأنَّها غير مَعنيَّةٍ بكلِّ ما حَصل ويحصل، والأخطرُ من ذلكَ أنها كما النَّعامَةُ بتجاهُلِها لما سَبقَ وتعرَّضت له قُوَّاتِ اليونيفل ودورِيَّاتِها من اعتِداءات، ولم يعنِها انعِدامُ الثِّقَةِ بها نتيجَةَ بقاءُ الفاعِلين مَجهولينَ أو مُجَهَّلين، وهذا ما يزيدُ من النُّقاطِ السَّودِ في سِجلِّاتِها التي لم تعُد تتَّسِعُ للعديدِ منها.
ولم تزل تُمعِنُ في تجاهُلِها إلى حد قد يضعُها أمامَ رَدَّات فِعلٍ غيرِ مُتوقَّعَة، وليست لِصالِحِ لبنان بالتَّأكيد، كإقدامِ إحدى الدُّولِ المُشاركَةِ في هذه القِوى على سَحبِ وَحَداتِها، أو إقدامِ مَجلِسِ الأمن على اتِّخاذِ قراراتٍ قاسِيَةٍ بحَقِّ لُبنان؛ أو كلَّفَ لجنةَ تحقيقٍ دوليَّة لكشفِ ملابساتِ هذا الحادثِ، ماذا لو كلَّفها بإجراء تحقيق موسَّع لكشفِ ملابساتِ جَميعِ الانتِهاكاتِ التي سَبقَ وتَعرَّضت لها قِوى اليونيفل؟؟؟ هذا عدا عن أن كُلَّ التَّحليلاتِ تُشيرُ إلى أن لا مَصلَحَةَ للبنان في مَثلِ هذه الحَوادِثِ كما لا تَصُبُّ في خِدمَةِ المُقاومَة.
وأخلُصُ من كُلِّ ذلك للقَول: إنه لم يَعُد بمَقدورِ الدَّولَةِ اللبنانيَّةِ التَّغاضي عن كُلِّ ما يَحصَلُ داخِلَ إقليمِها أو من قِبَلِ أيَّةٍ جِهاتٍ لُبنانِيَّةٍ أو غيرِ لبنانيَّة، كما عن أيِّ تهوُّرٍ من أيَّةِ جِهةٍ خارِجَ الحُدودِ اللبنانيَّة، لأن الإنعِكاساتِ السَّلبيَّةِ تطالُ لبنان برُمَّتِه، وفي ما خَصَّ هذا الحادِثِ نرى وجوبَ إيلاءِ كَشفِ مُلابَساتِ هذا الاعتِداءِ ومَن يَقِفُ خلفَهُ ومُحاسَبتِهم، كي لا تَتكرَّرَ مِثلُ هذه الأحداثِ الوَخيمَةِ العَواقِب.