السودان ما بين صراع القوى الداخلية وتنافس القوى الخارجية.
الأزمة في السودان.. هل أصبحت الخرطوم بمثابة حلبة جديدة للصراع الإقليمي؟ ولماذا بادرت معظم دول المنطقة إلى تقديم المساعدة إلى الشعب السوداني عقب اندلاع الاحتجاجات الشعبية في ديسمبر الماضي؟
منذ اندلاع الموجة الجديدة من الثورات والاحتجاجات الشعبية في منطقة الشرق الأوسط، والتي اتخذت من دولة السودان هذه المرة مقرا لها، وذلك نظرا لما شهدته أسعار السلع والخدمات في الخرطوم من ارتفاع مبالغ فيه نهاية العام المنصرم، والجميع يتساءلون عن المستقبل الضبابي الذي ينتظر ذاك البلد الذي عانى طويلا من الانقسامات والنزاعات الداخلية على مدى العقود الماضية، فهو سيواجه نفس المصير الذي لاقته بعض الأقطار الأخرى التي أعلنت شعوبها التمرد على حكامها!
في ديسمبر الماضي، احتشد الشعب السوداني مطالبا بتغيير النظام الحاكم، واستمرت الاعتصامات والحركات الاحتجاجية على مدى شهور حتى تم الإطاحة بالرئيس عمر البشير بتاريخ 30 أبريل من العام الجاري والذي ظل مستحوذا على كرسي الحكم في السودان على مدار 30 عام، وتم تسليم السلطة مؤقتا إلى الجيش السوداني، والذي قدم بدروه وعودا صريحة إلى الشعب بسرعة انتقال وتسليم السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة.
ولكن يبدو أن السيناريو المرافق للحركات الثورية يعيد تكرار نفسه، ولكن ربما مع اختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص المشاركين في صناعة الأحداث، فبمجرد تشكيل المجلس العسكري الانتقالي، أعلن الجيش السوداني بأنه لن يتم تسليم السلطة إلا بعد مرور عامين، الأمر الذي حمل المتظاهرون على الخروج إلى الشوارع مجددا مطالبين بسرعة نقل السلطة إلى حكومة مدنية.
وبقراءة أكثر تحليلا للمشهد الخارجي، فإنه يمكن القول بأن دول منطقة الشرق الأوسط عاكفة على مراقبة سير الأحداث في السودان، في محاولة منها لتحقيق الاستفادة القصوى والحفاظ على مصالحها في ظل حالة الفوضى التي تجتاح الأراضي السودانية، فالمملكة العربية السعودية مثلا تعد بمثابة الداعم الأكبر للسودان، وذلك بعد أن نجحت الرياض في إقناع الخرطوم بقطع علاقاتها مع إيران باعتبارها مصدر الخطر الأكبر الذي يهدد المنطقة.
وقد أعربت المملكة العربية السعودية عن قلقها البالغ إثرالتنامي الملحوظ للدور التركي في السودان مؤخرا، حيث كشفت تركيا عن خططها التي تستهدف زيادة حجم استثماراتها في السودان عبر إعادة إعمار وتشغيل ميناء سواكن الواقع على ساحل البحر الأحمر والذي كان يعد من أهم المرافئ البحرية في عهد الدولة العثمانية.
ومن جانبها، فقد أعلنت مصر عن رغبتها في تقديم بعض المساعي الدبلوماسية من أجل احتواء الأزمة في السودان، وذلك من باب الخوف على تعرض المنابع المائية لمصر والمعتمدة في الأساس على نهر النيل للخطر عقب اندلاع الحركات الثورية في الخرطوم.
وقد حرصت دول المنطقة على تقديم الدعم المادي للشعب السوداني منذ اشتعال الأزمة في الخرطوم وذلك بغية تخفيف حدة التوتر الناجم عن ارتفاع الأسعار، والمراقب جيدا للدور السعودي في الخرطوم سيجد أن المساعدات السعودية المقدمة إلى الشعب السوداني مرهونة بسعي الحكومة السودانية نحو قطع علاقاتها مع تركيا.
وبمجرد إسقاط النظام الحاكم وتصدر المجلس العسكري الانتقالي للمشهد، تعهدت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات بتقديم مساعدات للخرطوم بقيمة 3 بلايين دولار، على أن يتم تحويل الدفعة الأولى من المساعدات والبالغ قيمتها 500 مليون دولار مباشرة إلى خزينة البنك المركزي في الخرطوم، الأمر الذي أثار مخاوف تركيا من احتمال انجذاب الخرطوم نحو العروض الخليجية، مما قد يضر بخططها الاستراتيجية في ميناء سواكن.
وفي ظل هذا التنافس الإقليمي الواضح على أرض السودان، فهل سيتحول الخرطوم إلى ساحة جديدة للصراع بين العديد من الأطراف، وهل ستبقى الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها اللاعب الدبلوماسي الأكبر عالميا غائبة عن المشهد!
على أية حال، فإن التجارب الثورية على مدار الثماني سنوات الماضية بمنطقة الشرق الأوسط قد برهنت على أنه لا يوجد داعم حقيقي للشعوب ولا أحد يكترث أبدا بالتحول الديمقراطي للدول الثائرة، بل إن الصوت الأعلى يبقى دوما لسياسة تغليب المصالح من خلال تشكيل جبهات استقطابية داخلية تؤدي في الأخير إلى التمزق والصراعات وتدفع الدولة نحو المزيد من الضياع، ولعل المشهد في سوريا واليمن هو خير دليل، وربما يتمكن السودان من إعادة ترتيب أوراقه واستعادة وضعه بوتيرة سريعة نسبيا كما حدث في مصر عقب اندلاع الموجة الأولى من ثورات الربيع العربي في يناير 2011
رابط المقال الأصلي:اضغط هنا