المساعدات الخارجية تجعل الدول الفاسدة أكثر فسادا
عادة ما يتم النظر إلى المساعدات الخارجية المقدمة من الدول العظمى باعتبارها الشراب الكحولي المستخدم في علاج إدمان الكحول، مما يعني أنه لا خلاص ولا منجى منها على الإطلاق. وفي اجتماع مغلق لمجلس النواب الأمريكي بعد الاستماع لشهادة الرئيس ترامب عن تأخير تقديم المساعدات الأمريكية إلى أوكرانيا، قال زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر:” الأرقام لا تكذب، الرئيس ترامب ليس هو القائد المنوط به مكافحة الفساد كما كان يزعم من قبل”.
لقد افترضت معظم التقارير والتغطيات الصحفية جدلا، أن المعونة الأمريكية من شأنها إنقاذ أوكرانيا من الفساد، ولكن ذلك يغض الطرف عن التاريخ الغير مشرف للمساعدات الأمريكية، والوضع العام في أوكرانيا ما بعد الاتحاد السوفيتي.
وقد خلص تحليل سابق أجرته مجلة American Economic Reviewفي عام 2002 إلى نتيجة مفاداها أن الزيادات في حجم المساعدات الخارجية ترتبط بالضرورة بارتفاع معدلات الفساد، وأن هناك علاقة طردية بين حجم الفساد وحجم المساعدات القادمة من الولايات المتحدة الأمريكية.
وخلال العام نفسه، قام الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش بالإعلان عن برنامج جديد من المساعدات الأمريكية وهو حساب تحدي الألفية الجديدة the Millennium Challenge Account (MCA)) حيث قال صراحة آنذاك أنه من غير المنطقي توجيه المساعدات إلى الدول الفاسدة، لكن إدارة بوش استمرت في تقديم مليارات الدولارات في صورة مساعدات موجهة إلى الأنظمة الأكثر فسادا في العالم مثل جورجيا، وقد وجد فريق العمل المحيط بالرئيس بوش حينها مئات الأعذار كي يتمكن من تبرير موقفه من تقديم المساعدات الصادرة عن صندوق تحدي الألفية إلى عدد من البلدان الفاسدة.
وفي عام 2010 ، أعلن الرئيس باراك أوباما في الأمم المتحدة أن أمريكا تلعب دورا قياديا بارزا في مكافحة الفساد، وقال “مساعدو أوباما” إن الولايات المتحدة في الماضي كانت في كثير من الأحيان تبدو وكأنها توجه الأموال وتوظفها من أجل حل المشكلات “، حسبما ذكرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز.
ولكن في العام التالي، تم إزاحة الستار عن تلك التمثيلية الهزلية، وذلك عندما قاومت إدارة أوباما بشدة كافة الجهود المبذولة من قبل الكونجرس للتصدي للأموال المهدرة على المساعدات. وقد حذرت وزيرة الخارجية آنذاك- هيلاري كلينتون- من أن أية محاولة لتقييد برامج المساعدات إلى الدول التي تفشل في اختبارات كشف الفساد، من شأنها التأثير على حجم المساعدات المقدمة بوجه عام إلى عدد كبير من الدول المحتاجة إلىها بالفعل.
وقد استمرت إدارة أوباما في ضخ مليارات الدولارات من أموال الضرائب الأمريكية في بعض المستنقعات مثل أفغانستان، والمعروفة بالفساد منذ زمن طويل حتى أن رئيسها أشرف غني قد أقر في عام 2006 بكون دولته من أكثر بلدان العالم فسادا على الإطلاق. ويمكن القول بأن طوفان المساعدات التي حصلت عليها أفغانستان قد تسبب في إغراقها في المزيد من الفساد.
وقال جون سوبكو المفتش الخاص بالهيئة العامة لإعادة إعمار أفغانستان:” يجب علينا أن نفهم جيدا كيف حرضت المساعدات الأمريكية عن دون عمد على زيادة معدلات الفساد في البلدان المختلفة، كما يجب أخذ الحيطة من التعامل مع الشخصيات أو الشبكات التي لا تتمتع بالسمعة الطبية، وتتسامح مع الانتهاكات المتعمدة، والتي تتقبل أيضا الأداء الردئ، وتعكف على تقديم مشروعات ضعيفة وغير مستدامة”.
وقد استمعت جلسات استماع مجلس النواب المغلقة الأسبوع الماضي إلى القائم بأعمال السفير الأمريكي في أوكرانيا ويليام تايلور، والذي أكد بأنه يعمل على تعزيز الجهود الأمريكية الرامية إلى دعم أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي ومساعدة الدولة في القضاء على الفساد.
ووفقا لما ذكرته واشنطن بوست، فإن تايلور مشهود له طوال عقد التسعينات بمحاولة إقناع الساسة في أوكرانيا بأن السبيل الوحيد أمام رفاهية الدولة هي القضاء على الفساد وتعزيز سيادة القانون، وذلك خلال فترة توليه منصب رئيس البرنامج التنموي الأمريكي والقائم بتقديم المساعدات إلى بلدان ما بعد الاتحاد السوفيتي.
وقد كشف التقرير السنوي الصادر عن منظمة الشفافية الدولية والذي يوضح مؤشرات الفساد في العالم، بأن معدل الفساد قد ارتفع في أوكرانيا في أواخر التسعينات ولازال يزداد بصورة فاحشة رغم وجود بعض التحسينات الطفيفة. وكان تايلور سفيرا للولايات المتحدة في أوكرانيا خلال الفترة من 2006 إلى 2009 وذلك عندما تفاقم الفساد بشكل حاد رغم مئات الملايين من الدولارات القادمة من المساعدات الأمريكية. وتصنف أوكرانيا حاليا باعتبارها الدولة التي تأتي في المرتبة الـ 120 بين الدول الأقل فسادا في العالم، أي أنها أقل فسادا من مصر وباكستان، بالنظر إلى كونهما من أبرز الدول الحاصلة على المساعدات الأمريكية. ولعل ذلك ما أكده دان سنايدر، مالك فريق واشنطن ريدكيز لكرة القدم خلال حديثه لاتحاد الكرة الأمريكي، حيث قال:” يبدو أن تايلور كان السبب الأساسي في مكافحة الفساد”.
ويمكن القول بأن تقديم الرشوة إلى السياسيين في البلدان الأجنبية بمثابة توزيع الواقيات الذكورية بهدف محاربة الفعل الفاحش، فبدلا من تشجيع سياسات الحكم الرشيد، فقد أدت المساعدات الخارجية إلى تفشي الفساد وإنتاج حكومات اللصوص. ووفقا للملاحظات التي رصدها معهد بروكينغز، فإن تاريخ المساعدات الأمريكية ملئ بالعديد من قصص الحكام الفاسدين في الدول الأخرى والذين يستغلون المساعدات في ملء جيوبهم الخاصة، ودعم التعزيزات العسكرية وتمويل المشروعات التي تضمن لهم الاستمرار على العرش. وفيما يبدو أن السياسيين والبيروقراطيين في أمريكا يريدون مواصلة الرحلة المارقة، بغض النظر عن كيفية قيام الأنظمة الحاكمة في الدول الأخرى بإهدار الأموال أو استخدامها في قمع مواطنيها.
وإذا كان برنامج المساعدات الأمريكية فعالا حقا، لأصبحت أوكرانيا جنة تحكمها وتنظمها القوانين. قد يكون الرئيس الأوكراني الجديد فولوديمير زيلينسكي صادقا في جهوده الهادفة إلى محاربة الفساد. لكن الإهانة الكبرى له ولأمته تتمثل في التظاهر بأن أوكرانيا لن تتمكن من استئصال الفساد دون مساعدة دونالد ترامب. وختاما فإنه يمكن القول بأن الطريقة الأضمن للحد من الفساد هي إنهاء المساعدات الأجنبية.
رابط المقال الأصلي اضغط هنا
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا