كان في كل يومٍ، يتجمّع عدد من الطلاب والطالبات أمام البناء المجاور للبناء الذي أقطنُ فيه، وذلك بانتظار حلول الوقت ليأخذوا دروساً في اللغة الألمانية.
ومن “حشريتي” سألتُ مرّة مجموعة منهم عن دراستهم، فأجابوني أنهم في الجامعة وتتراوح دراستهم بين الكليات الطبية والهندسية. وأنهم يدرسون اللغة الألمانية لكي يهاجروا بعد، أو حتى قبل التخرج بالنسبة للشباب.
ذُهلتُ بعد متابعتي لهذا الموضوع وتنبّهتُ بأن هنالك تيّار جارف لهجرة الطلاب أو الخرّيجين الجدد من مختلف الجامعات السورية والغالبية منهم تفكر بألمانيا كوجهة نهائية لهجرتهم، حتى أن إحدى الطالبات قالت لي:
“عمو .. سنشكّل جمهورية ألمانية الحلبية هناك” وضَحِكَتْ فبادلتها بابتسامة وقلت في نفسي “الله يوفقكون”.
أجل أيها السادة .. أستطيع أن أجزم وأوكّد أن غالبية أحاديث طلاب جامعاتنا تدور حول الهجرة.
لماذا يهاجر الشباب المتعلم؟
هل هو عدم وضوح الأفق بالنسبة للمستقبل؟
هؤلاء الشباب .. يدفعهم أهاليهم – أو على الأقل لم يمانعوا – بأن يهاجروا. وخلال فترات زمنية في المهاجر .. يتعبون فيها، لكنهم يحصدون النجاحات المميزة نتيجة تعبهم .. وقد أبدى الكثير من الطلاب الذين التقيهم خلال سفراتي عن ارتياحهم لتسهيل شؤون الطلاب في جامعات الغرب.
وأسمع الكثير من قصص نجاح طلابنا في دراساتهم وحياتهم المهنية بعد ذلك وهم لم يتجاوزوا خمسة سنوات .. أما نحن فنفتخر و “نجعجع” بأنهم سوريون وقد نسينا أننا نقوم بتعقيد أمور دراساتهم من خلال بعض القرارات.
في جامعات الغرب يحاولون الكثير لأجل أن ينجح الطالب .. وعندنا .. بسبب خطأ موظف في الجامعة، نشطب سنتين دراسيتين للطالب ولكنّنا .. نوجّه بفرض العقوبة على الموظف.
هل عامين من حياة الطالب رخيصة إلى هذا الحد .. وبسبب من؟ .. هم بعض المترهلين في جهازنا الإداري.
لا شك أن هذه الحوادث ليست هي السبب لهجرة أبنائنا، ولكنها تزيد من معاناة الطلاب وعدم إلتفاتهم من بعد نجاحاتهم في الغرب إلى حامعاتهم التي هي آخر صلة لهم بالوطن.
يغادرون وينجحون في المهجر، ونحن نفتخر بأنهم لولا أنهم سوريون لَمَا نجحوا. ونسينا أن البلاد التي هاجروا إليها بسبب الحرب ونتائجها تفتح لهم أذرعها الأخطبوطية لتتلقاهم وتغريهم بالمال.
هذا هو هدف أميركا والغرب عامة التي دخلوا إلى أراضينا كاللصوص.
العقول وليس النفط هو ما يريدونه، وسنكون أغبياء إذا افترضنا أنهم في سورية من أجل سرقة نفطنا فقط.
إن العقول هي التي يريدونها، ويجنّدون كل الإمكانيات الضخمة لأجل إغرائها ويبحثون عن الظروف الصعبة والسيئة في المجتمعات لكي يصطادوا هذه العقول.
لأن مثل هذه العقول وغيرها هي التي أعطت الثورة التقنية والعلمية التي نتباهى بشراء بعض نتائجها مثل الميكرويف والخليوي وغيرها.
هل سمعتم بالمخابرات العلمية؟ عملها هو البحث عن العقول في كل العالم ونقلها إلى بلادهم .. وانتقال العلماء الألمان بعد الحرب العالمية الثانية هي نموذج .. وسورية اليوم هي نموذج.
لقد أصبحت لنا عقول سورية الأصل في الكثير من البدان.
والأيام ستكشف لنا كم لدينا مِثل “جمهورية ألمانيا الحلبية”
اللهم اشهد اني بلّغت