الاحدثفلسطين

عَقِبُ آخيل: “7 أكتوبر المَعكوس” وقواعد الاشتباك الجديدة | بقلم البروفسور بيار الخوري

العلاقةُ بينَ ما يُمكِنُ تسميته “7 تشرين الأول/أكتوبر المعكوس” وتغيير قواعد عمل “8 تشرين الأول/أكتوبر” (قواعد الاشتباك)، يُمكِنُ استعراضها عبر الفروق والتشابهات التي قد تكون موجودة بين التفجيرات الأخيرة لأجهزة ال”بايجر” (Pager) التي استهدفت “حزب الله” والمدنيين في مناطق مختلفة والهجوم المفاجئ الذي شنّته حركة “حماس” في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023.

الهجومُ الذي نفّذتهُ “حماس” في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 ضدّ إسرائيل كان من أبرز الأحداث التي قلبت موازين الصراع، إذ أحدثَ صدمةً كبيرة لإسرائيل نظرًا لطبيعتهِ المُباغِتة ونتائجه النفسية والسياسية.

فكرةُ “7 تشرين الأول/أكتوبر المَعكوس” في هذه الحالة هي محاولةٌ لرَسمِ مُقارنةٍ بين حَدَثَين مُتماثلَين من حيث المفاجأة والتأثير النفسي ( تستبعدُ هذه المُقارَبة الاثارَ السياسية طويلة الأمد على إسرائيل).

تفجيرات ال”بايجر” في 17 أيلول (سبتمبر) 2024 تُمثّلُ هجومًا إسرائيليًا مدروسًا يستهدفُ بُنيةً تَحتيةً حرجة ل”حزب الله”، ويُمثّلُ “ضربةً تقنية” وليس ضربة تقليدية عسكرية. هذا الاختراقُ الإلكتروني، الذي أدّى إلى تفجير أجهزة الاتصالات، هو بمثابةِ “هجومٍ صامت” ولكن فعّال، ما قد يجعله ردًا معكوسًا لعملياتٍ مُباغِتة مثل عملية 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023.

هل يُغَيِّرُ “7 تشرين الأول/أكتوبر المَعكوس” قواعد عمل “8 تشرين الأول/أكتوبر”؟

قواعد “8 تشرين الأول/أكتوبر” تُشيرُ إلى ما تُمثّله تلك الفترة في الصراع المستمر بين “حزب الله” وإسرائيل بعد الهجوم الكبير ل”حماس”. تطوّرت الاستراتيجيات العسكرية والاستخباراتية بشكلٍ سريع، وأصبحَ التركيزُ الأكبر على الحربِ السيبرانية والتقنيات الإلكترونية. التفجيراتُ الأخيرة قد تؤدّي إلى تعزيزِ الحرب السيبرانية حيث يشيرُ الهجوم السيبراني على أجهزة ال”بايجر” إلى انتقالِ الصراعِ بين إسرائيل و”حزب الله” من ساحاتِ المواجهة التقليدية إلى ميادين التكنولوجيا والاختراقات الإلكترونية. إسرائيل تُظهِرُ أنها قادرةٌ على تحقيقِ أهدافٍ مؤثّرة من دونِ اللجوء إلى العمل العسكري التقليدي، مما يُعزّزُ فُرَصَ الذهابِ إلى مساحةٍ غامضةٍ في قواعد الاشتباك لدى الطرفين.

وتمامًا كما أثارت عملياتُ 7 تشرين الأول (أكتوبر) صدمةً وردودَ فعلٍ سريعة، فإنَّ تفجيراتَ ال”بايجر” قد تكون محاولةً لبثِّ الرُعبِ وزعزعةِ الاستقرارِ داخل صفوف “حزب الله”، ما قد يُجبِرهُ على إعادة التفكير في كيفيةِ التعاملِ مع التهديدات الإلكترونية إلى جانب تلك العسكرية التقليدية.

إنَّ إعادةَ تنظيمِ الخططِ بسببِ تفجيرات ال”بايجر” قد تدفع “حزب الله” إلى التفكيرِ في تقنياتٍ جديدة لحماية أعضائه من الاختراقات الإلكترونية وللردّ ضمن معطيات الحرب الالكترونية. أيضًا، قد يدفعُ ذلك حلفاء “حزب الله” إلى إعادةِ تقييمِ قدراتهم التقنية ودعمهم في هذا المجال لمواجهة الهجمات السيبرانية الإسرائيلية.

ليست العملية الأولى التي تُستَخدَمُ فيها جرعةٌ تكنولوجية اسرائيلية زائدة، منذ اغتيال المهندس يحيى عياش بالهاتف النقال، لكنها الأكثر نوعيةً بلا شك، وربما استندت أيضًا إلى جرعةٍ إضافيةٍ من العملاء، وعلى “حزب الله” و”محور المقاومة” أن يتعاملا مع الخطرَين معًا.

قد تكونُ فكرة “7 تشرين الأول/أكتوبر المَعكوس” مَجازِيةً لتوضيح كيفَ أنَّ الهجومَ الإلكتروني الأخير غَيّرَ قواعد اللعبة، تمامًا كما غيّر هجوم “حماس” في 7 تشرين الأول (أكتوبر) قواعد اللعبة في حينه. إذا كانت عمليات 7 تشرين الأول (أكتوبر) أشعلت مرحلةً جديدة من المواجهات المسلّحة، فإنَّ تفجيرات ال”بايجر” قد تُشعِلُ مرحلةً جديدةً من الحرب السيبرانية وتغيير قواعد الاشتباك في المستقبل.

سرديةُ “عَقِب أخيل” أو “كَعب أخيل” هي أنَّ الجميع، بغضِّ النظر عن مدى قوّتهم أو تفوّقهم، لديهم نقطةُ ضعفٍ خفية قد تؤدّي إلى تفوُّقِ الخصم. في الأسطورة اليونانية، أخيل كان مُحاربًا لا يُقهَر تقريبًا، باستثناء نقطة ضعفه الوحيدة في كعبه، حيث لم تحمِه المياه السحرية للنهر الذي غُمِرَ فيه وهو طفل. هذه النقطة الضعيفة هي التي استغلّها خصومه.

العبرةُ هنا هي أنَّ القوةَ المُطلَقة غير موجودة، وأنَّ الجميعَ عُرضةً للخطر بسبب نقطةِ ضعفٍ قد تكون غير مُتَوقَّعة أو غير مَرئية.

فإسرائيل تستغلُّ التكنولوجيا بشكلٍ تكتيكي لتحقيقِ أهدافها في ظلِّ تصعيدٍ مُحتَمل، ما يجعل ميزان قوى المعادلة القائمة مُتغيِّرًا بشكلٍ دائمٍ وسريعٍ، ويصعبُ توقّعهُ بين الأطراف، ويجعلُ قواعد عمل “8 تشرين الأول/أكتوبر” أكثر تعقيدًا وتنطوي على احتمالاتٍ أكثر خطورة.

.ينشر المقال بالتزامن مع أسواق العرب

د. بيار بولس الخوري ناشر الموقع

الدكتور بيار بولس الخوري أكاديمي وباحث ومتحدث بارز يتمتع بامكانات واسعة في مجالات الاقتصاد والاقتصاد السياسي، مع تركيز خاص على سياسات الاقتصاد الكلي وإدارة التعليم العالي. يشغل حاليًا منصب عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا وأمين سر الجمعية الاقتصادية اللبنانية. عمل خبيرًا اقتصاديًا في عدد من البنوك المركزية العربية. تخصص في صناعة السياسات الاقتصادية والمالية في معهد صندوق النقد الدولي بواشنطن العاصمة، في برامج لصانعي السياسات في الدول الاعضاء. يشغل ايضا" مركز أستاذ زائر في تكنولوجيا البلوك تشين بجامعة داياناندا ساغار في الهند ومستشار أكاديمي في الأكاديمية البحرية الدولية. ألّف أربعة كتب نُشرت في الولايات المتحدة وألمانيا ولبنان، تناولت تحولات اقتصاد التعليم العالي وتحديات إدارته، منها كتاب "التعليم الإلكتروني في العالم العربي" و"التعليم الجامعي بموذج الشركنة". نشر أكثر من 40 بحثًا علميًا في دوريات محكمة دوليًا،. يُعد مرجعًا في قضايا مبادرة الحزام والطريق والشؤون الآسيوية، مع تركيز على تداعياتها الجيوسياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط. أسس موقع الملف الاستراتيجي المهتم بالتحليل الاقتصادي والسياسي وموقع بيروت يا بيروت المخصص للأدب والثقافة. أطلق بودكاست "حقيقة بكم دقيقة" على منصة "بوديو"، ليناقش قضايا اجتماعية واقتصادية بطريقة مبسطة. شارك في تأليف سلسلتين بارزتين: "الأزرق الملتهب: الصراع على حوض المتوسط"، الذي يحلل التنافسات الجيوسياسية حول موارد البحر المتوسط، و"17 تشرين: اللحظة التي أنهت الصفقة مع الشيطان"، وهي مجموعة دراسات ومقالات عميقة حول انتفاضة لبنان عام 2019، والمتوفرتان على منصة أمازون كيندل. لديه مئات المقابلات في وسائل إعلام محلية عربية وعالمية مقروءة ومتلفزة، حيث يناقش قضايا الاقتصاد اللبناني والأزمات الإقليمية والشؤون الدولية. يكتب مقالات رأي في منصات إلكترونية رائدة مثل اسواق العرب اللندنية كما في صحف النهار والجمهورية ونداء الوطن في لبنان. يُعتبر الخوري صوتًا مؤثرًا في النقاشات حول مسيرة اصلاح السياسات الكلية وسياسات محاربة الفساد والجريمة المنظمة في لبنان كما مسيرة النهوض بالتعليم والتعليم العالي وربطه باحتياجات سوق العمل. لديه خبرة واسعة في دمج تطبيقات تكنولوجيا البلوكتشين في عالم الاعمال ومن اوائل المدافعين عن الصلاحية الاخلاقية والاقتصادية لمفهوم العملات المشفرة ومستقبلها، حيث قدم سلسلة من ورش العمل والتدريبات في هذا المجال، بما في ذلك تدريب لوزارة الخارجية النيجيرية حول استخدام البلوك تشين في المساعدات الإنسانية وتدريب الشركات الرائدة في بانغالور عبر جامعة ساغار. كما يمتلك أكثر من 30 عامًا من الخبرة في التدريب وإدارة البرامج التدريبية لشركات ومؤسسات مرموقة مثل شركة نفط الكويت والمنظمة العربية لانتاج وتصدير النفط OAPEC. يجمع الخوري بين العمق الأكاديمي، فهم البنى الاجتماعية-الاقتصادية والاستشراف العملي، مما يجعله خبيرا" اقتصاديا" موثوقا" في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى