خطاب الطلقة الاخيرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والعقيدة النووية المُحدثة | بقلم د. عوض سليمية
قرارات الادارة الامريكية الاخيرة بمنح الضوء الاخضر لزيلينسكي بإستخدام الصواريخ الامريكية “اتاكمز”، بالاضافة الى توريد شحنة من الالغام الامريكية المضادة للافراد لابطاء تقدم الجيش الروسي الى جانب القنابل الانزلاقية طويلة المدى. وما تبعها من قرارات مماثلة -غير معلنة بشكل رسمي، لكل من فرنسا وبريطانيا بإستخدام صواريخ “سكالب” و”ستورم شادو” لقصف العمق الروسي على مسافة 250-300كم، ترفع مستوى حدة المواجهة القائمة منذ فبراير/شباط 2022 بين روسيا واوكرانيا، الى مرحلة بالغة الخطورة من التصعيد، وتدفع بالامور نحو تغيير ديناميكية المواجهة وجغرافيا الحرب، بإتجاه الصدام المباشر بين روسيا وحلف الناتو. وهو الموقف الذي يتمناه زيلينسكي منذ اكثر من عامين.
بسرعة القرار الامريكي ومفاجأة توقيته، إنطلقت ست صواريخ امريكية لضرب اهدافاً عسكرية داخل الاراضي الروسية في منطقة بريانسك الحدودية، تم اسقاط خمسة منها بفعل منظومة الدفاع الجوي الشهيرة S400 ومنظومة بانتسير للدفاع الجوي، وسقطت شظايا من الصاروخ السادس المتضرر على الاراضي التابعة للمنشأة العسكرية، وفقاً البيان الروسي. تبعها إطلاق ما لا يقل عن 12 مقذوف من الصواريخ البريطانية الفرنسية الصنع من طراز “ستورم شادو” نحو اهدافا جديدة على منطقة كورسك على مسافة 35 ميل داخل الاراضي الروسية، اوقعت العديد من القتلى والجرحى.
هذا التطور الخطير، دفع القيادة الروسية لاعادة النظر في عقيدة الردع النووي الروسي، ووقع الرئيس بوتين مرسوماً لتحديث طارئ على دواعي استخدام الاسلحة النووية. تفيد الوثيقة المُحدثة التي جاءت تحت عنوان “أسس سياسة الدولة للاتحاد الروسي في مجال الردع النووي، من بين بنود اخرى، بأن “أي هجوم تقليدي تقوم به أي دولة غير نووية على روسيا بدعم من قوة نووية سيعتبر هجوماً مشتركاً، كما أن أي اعتداء على روسيا من قبل دولة عضو في تحالف يعتبر عدواناً من قبل التحالف بأكمله”. و “يمكن لروسيا استخدام الأسلحة النووية في حالة وجود تهديد خطير للسيادة وسلامة الأراضي لها ولبيلارو”.
في عقيدة بوتين القتالية للتعامل مع الغرب الامبريالي بالمثل، وبنفس القدر من الحاق الضرر، فإن الافعال تسبق الاقوال. وفي سياق الردع، اعلن بوتين ان بلاده شنت هجوماً على منشآت المجمع الصناعي العسكري في اوكرانيا بصواريخ باليستية فرط صوتية من طراز أوريشنيك، مرسلاً رسائل سريعة الى بريد واشنطن وبروكسل، ان لا حصانة لأي منشآة عسكرية تتبع لأي دولة تشارك في هجمات على بلاده. وان هذا الرد كان مجرد اختبار لصاروخ فرط صوتي “بدون اسلحة نووية”. متوعداً في خطاب اذاعته وسائل الاعلام الروسية والعالمية، ان روسيا “سوف تحدد الأهداف التي ستُضرب خلال التجارب الأخرى بأحدث منظوماتها من القذائف استنادا إلى التهديدات التي يتعرض لها أمن الاتحاد الروسي. واضاف بوتين “نعتبر أنفسنا مؤهلين لاستخدام أسلحتنا ضد المنشآت العسكرية للبلدان التي تسمح باستخدام أسلحتها ضد منشآتنا، وفي حالة تصعيد الأعمال العدوانية، سنرد بنفس القدر من الحزم والصورة المرآة” وانهى خطابه بتوصية النخب الحاكمة في الغرب التي لديها مخططات لاستخدام ترسانتها العسكرية ضد روسيا. “بأن تفكر بجدية في هذا الأمر”.
ينظر العديد من المراقبين الى ان قرار الرئيس جو بايدن بمنح اوكرانيا الاذن بقصف عمق الاراضي الروسية خلال المرحلة الانتقالية للحكم، كان مقصوداً ومُوجهاً مباشرة للرئيس ترامب وليس لنظيره بوتين. بهدف إضافة مزيداً من الملفات العالمية المُعقدة على طاولة الرئيس المُنتخب، بعد ان ظهرت علامات تقارب مع الرئيس الروسي بوتين، صدرت عن الرئيس المنتخب ترامب خلال حملته الانتخابية ومقابلاته بعد الفوز الانتخابي، جوهرها ان لديه خطه لانهاء الحرب في اوكرانيا في غضون 24 ساعة. الامر الذي لم يُرِق للادارة الديموقراطية الخاسرة، التي اشعلت وغذت نيران الحرب، باموال دافعي الضرائب الامريكيين، في اكثر من مكان في العالم، واصبحت تسابق الزمن لاشعال حرباً عالمية ثالثة، وربما نووية.
بينما يتحضر الرئيس المنتخب ترامب لتسلم مفاتيح البيت الابيض، بإنتقال سلس للسلطات، المفترض يوم 20 يناير 2025، يحاول الديموقراطيون خلخلة الموازين، واشغال الادارة الجديدة عن الملفات الداخلية التي تعهد ترامب بمعالجتها، بما فيها اجتثاث الديموقراطيين من المؤسسات، الوزارات، المحاكم الفدرالية ومراكز صنع القرار، لترشيد النفقات وتحويلها الى مؤسسات تابعة. بالاضافة الى وعوده بتنفيذ حملة طرد جماعي لملايين المهاجرين المقيمين في الولايات المتحدة بصورة غير رسمية، وإعلان حرب على سياسات الديموقراطيين في العديد من القضايا الداخلية بما فيها الاجهاض والمثلية الجنسية… وغيرها من القضايا الداخلية التي تبنتها حملة ترامب الانتخابية على قاعدة “امريكا اولاً”.
من جديد، يُشدد الرئيس بايدن عبر قراراته الخطيرة والمتهورة في هذه المرحلة المتأخرة من قيادته، ان العدو الاول للديموقراطيين الامريكيين، هو السلام والامن والاستقرار الدولي. وأن “الحرب أولاً”، ويرفع مستوى المخاطرة اما رجل روسيا القوي، الذي يبدي موقفاً صارماً على اسقاط الهيمنة ونظام القطب الواحد الامريكي. رغم قناعات -بايدن، المُسبقة ان هذه الصواريخ لن تغير من مسارات الحرب القائمة والهزائم اليومية التي يتلقاها الجيش الاوكراني على جبهات القتال. فقد سبق وان تم استخدام هذه الصواريخ لقصف شبه جزيرة القرم في وقت سابق من هذا العام. ودفع بالدبابات الامريكية والفرنسية والبريطانية الى ساحة المعركة، دون ان تغير في الامر شيئاً.
لكن العم جو الذي يبدو انه تخلى عن المسؤولية والقيادة الحقيقية، يأمل من خلال هذا التصعيد غير محسوب العواقب، ان يحول دون وصول الرئيس ترامب الى البيت الابيض او على الاقل إفشال مخططاته لوقف الحرب، عبر استفزاز الدب الروسي ودفعه نحو استخدام الاسلحة النووية في اوكرانيا دون الاكتراث لاعداد الضحايا. او على الاقل توجيه ضربات صاروخية نحو المنشآت العسكرية لدول حلف الناتو المُشاركة في الهجمات على الاراضي الروسية وفق العقيدة الروسية المحدثة. وبالتالي اعلان واشنطن دخولها في حرب مباشرة مع موسكو بحجة الدفاع عن حلفائها الغربيين. الامر الذي يبرر للادارة الديموقراطية تأجيل التسليم السلس لادارة ترامب في الوقت المُحدد بحجة إعلان الطوارئ ودخول البلاد في حالة حرب.