الرئيس الفرنسي ماكرون في الرياض: مغزى التوقيت في الاقتصاد والسياسة | بقلم حسان خضر
زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى السعودية جاءت لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في توقيت حساس عالميًا، حيث تسعى فرنسا لدور سياسي واقتصادي قوي في المنطقة بالتعاون مع الرياض، في ظل ملفات دولية معقدة وأولويات إقليمية تشمل لبنان، غزة، والتنمية الاقتصادية وفق رؤية المملكة 2030.
اختتم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارته إلى المملكة العربية السعودية في إطار زيارة دولة استمرت 3 أيام، وامتدت من 2 إلى 4 كانون الأول (ديسمبر) 2024، التقى خلالها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وجاءت تلك الزيارة بهدف تعزيز العلاقات الثنائية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، حيث تم إجراء محادثات موسعة بشأن العلاقات السياسية، والثنائية بين البلدين، والتركيز على جوانب اقتصادية وثقافية وبيئية.
ولا شك بأن تلك الزيارة قد حملت بعدين هامين: بُعد اقتصادي وبُعد سياسي، وهي الزيارة الثالثة لماكرون للمملكة منذ 2017. ولكن ما هو مغزى الزيارة في الوقت الحالي الى المملكة ذات النفوذ الهام في الشرق الأوسط؟
فإذا نظرنا الى العلاقات بين فرنسا والدول الخليجية، فمن المنظور الفرنسي، تمثل الشريك والطرف الرئيسي، حيث تكثفت جولات الحوار السياسي بينهم، وتبنيا مواقف متقاربة إزاء كثير من القضايا الإقليمية. وترتكز الشراكة الاقتصادية والثقافية بين الجانبين على العقود والاتفاقيات المشتركة والمصالح المتبادلة، حيث توجد حركة تجارية نشطة آخذة في التعاظم بين دول المجلس وفرنسا التي تستورد النفط والغاز الطبيعي بالدرجة الأولى من تلك الدول. وعلى صعيد آخر، تكشف التعهدات الأمنية الفرنسية عن نفسها عبر مسارات ثلاثة، هي تدعيم أنشطة مكافحة الإرهاب، والمساهمة في تقوية القدرات الدفاعية لدول المجلس، والاستعداد للمشاركة في نظام جماعي يستهدف حماية أمن الخليج.
ولكن لماذا زيارة المملكة الآن؟ وما أهميتها؟
يمر العالم في الوقت الراهن في مرحلة من الانتظار والترقب الى حين تسلم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مقاليد البيت الأبيض وزمام الأمور في الداخل الأميركي وعلى الساحة العالمية. كما أن القارة الأوروبية منشغلة بالتطورات الهامة والخطيرة التي تشهدها الحرب الروسية الأوكرانية. كما تأتي زيارة الرئيس الفرنسي في ظل مستجدات الأوضاع في سوريا، وبعد وقت قصير من إقامة هدنة في لبنان. ومن هنا جاء توقيت زيارة الرئيس الفرنسي في لحظة يمكن تسميتها لحظة سكون سياسي على الساحة الدولية، في وقت تطمح فيه فرنسا الى إعادة التموضع وبقوة في المنطقة – بالسياسة – ولكن من بوابة الاقتصاد والاتفاقيات الاستراتيجية.
فالجهود الفرنسية في المنطقة ولا سيما في لبنان لم تؤتِ ثمارها، وبشكل خاص، جهود الرئيس ماكرون في تأمين انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية منذ عامين ونيف والتدخل الأميركي في هذا الأمر ومحاولة الاستفراد بالقرار اللبناني ليطيح بالجهود الفرنسية أكثر من مرة وهو ما اعتُبِر فشلاً للدبلوماسية الفرنسية. كما أن فرنسا كانت قد وقفت في وجه إسرائيل في المجازر التي ترتكبها في غزة وضرورة وقف الحرب، علماً بأن إسرائيل، كانت قد اتخذت إجراءات عقابية ضد فرنسا بسبب موقف باريس من العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان، تشمل التحرك القانوني ضد الرئيس ماكرون.
ومن هنا كانت الرياض
في السياسة: عاصمة المملكة هي البوابة الأوسع في منطقة الخليج ودول الشرق الأوسط، وهي صاحبة النفوذ الأكبر حالياً بعد خروج مصر من الحلبة، وهي المؤثر في المسيرة السياسية والاستراتيجية القادمة والمستقبلية في حال شهدت منطقة الشرق الأوسط سلاماً واستقراراً وحلاً للدولتين. وهي مفتاح الحل مع الجار الإيراني بعد التحسن الأخير في العلاقات بين الدولتين. وهي أحد اللاعبين الأساسيين في الساحة اللبنانية وفي انتخاب رئيس للجمهورية وفي إعادة الاعمار وتسليح الجيش وتأمين الاستقرار.
في الاقتصاد: المملكة محرك هام في الساحة الاقتصادية العالمية كأكبر منتج للنفط وهي عضو في مجموعة دول العشرين، وتملك واحد من أكبر الصناديق الاستثمارية السيادية في العالم، كما أنها تشهد حالياً نهضة غير مسبوقة على كافة الصعد الاقتصادية والتنموية والعمرانية والحداثة والتطور. كما أنها الشقيق الأكبر بين دول مجلس التعاون الذي يرتبط بعلاقات هامة وثابتة مع فرنسا.
من هنا كان التوقيت الذكي للزيارة الفرنسية الى الرياض لجني ما يمكن جنيه من مكاسب؛ أولاً: في الاقتصاد من خلال توقيع اتفاقيات استراتيجية، حيث تسعى باريس للاستفادة من هذا التوجه ليس فقط لتدارك التراجع في تجارتها الخارجية مع السعودية بنسبة 14%مقارنة مع 2022، ولكن أيضا لقطع الطريق على المنافسين الكبار مثل الصين وروسيا. والرغبة الفرنسية في تعزيز مكانة فرنسا كشريك أساسي وموثوق للمملكة في جميع مجالات تنميتها، وهي المملكة الساعية من جهتها الى تقليل اعتمادها على الريع النفطي مقابل استقطاب مزيد من الاستثمارات الأجنبية وفق “رؤية 2030”.
أما ثانيا: في السياسة وخاصة في لبنان، فإن ما تريد فرنسا العمل بشأنه، بالتعاون مع السعودية، هو استمراراً لدورها السياسي، والعمل على تدعيم وقف إطلاق النار، والعمل معاً على الملفات السياسية، والتوصل إلى إجراء الانتخابات الرئاسية لملء الفراغ على رأس الدولة اللبنانية، وقيام حكومة، وكذلك إطلاق إطار للحوار من أجل الإصلاحات التي ينشدها الشركاء الدوليون، ولكن أيضاً اللبنانيون.
وفي السياسة ايضاً وبامتياز أهمية المساهمة في العمل من أجل حلول دبلوماسية للأزمات التي تضرب المنطقة، والعمل مع السعودية بالنسبة لحرب غزة نظراً لدور الرياض في إطار الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ومنها التحالف الدولي، من أجل قيام الدولة الفلسطينية وحل الدولتين. عملياً، تريد باريس العمل مع السعودية من أجل وقف النار في غزة في أسرع وقت، وإطلاق سراح الرهائن وحماية المدنيين والتوصل في نهاية المطاف إلى الخروج من الحرب بحل سياسي.
إذاَ، فالزيارة الباريسية الى الرياض قد جاءت في توقيت يمكن أن يُقال عنه أنه أكثر من مناسب، وفي لحظة يحقق الاستفادة القصوى منه، ويوجه العديد من الرسائل في كافة الجهات العالمية بأن فرنسا بإمكانياتها السياسية والاقتصادية والعسكرية وشبكة علاقاتها الدولية ولا سيما الخليجية يجعلها لاعباً مؤثراً وحاضراً على الساحة الدولية.
نشر المقال في ” النهار” أولا.