ازمة لبنانالاحدث
إيران أَوْلى بالتكفّل بمصاريف إعادة البناء والتَّعويض على ضَحايا الحرب | بقلم العميد د. عادل مشموشي
يخطئ المسؤولون اللبنانيون في الظُّهور مظهر الرافض للمساعدات الإيرانيَّة، لا بل مخطئ كل ناصحٍ بذلك، وليس من عين العقل إقصاء إيران عن قائمة الجهات الراغبةِ في التعويض عما لحق بلبنان من خسائر في الأرواح والمُمتلكات والبنى التَّحتيَّة، ومخطئ من يتحجَّج بوجود عقوبات على النظام الإيراني لرفض أيَّة مُساعدات إيرانيَّة غير مشروطة، لا بل من واجب الدولة اللبنانيَّة حثّ المُجتمعِ الدولي على اتِّخاذ قرار باستثناء لبنان من العقوبات الماليَّةِ والاقتصاديَّة المَفروضَةِ على إيران، وتذليل كل العقباتِ التي تحولُ دون حدوث ذلك، لارتفاعِ كلفةِ عمليَّةِ إعادَةِ إعمار وبناء ما تهدّم وإصلاح كل ما تم تخريبُهُ، وقبل كل ذلك التعويض على عائلات الشُّهداء، والتَّكفُّل بِعلاجِ جميع مُصابي الحربِ وفي طليعتهم المقاتلين وتَخصيصِهم برواتِبَ شَهريَّةٍ لكي يتمكنوا من العيش بكرامة بعد كل التَّضحيات التي قدَّموها. وحثُّ إيرانَ على احتِسابِ الشُّهداء الذين سقطوا على الجَبهات كشهداء واجِب جِهادي، ومعاملتهم تماماً كما تُعامِلُ شهداء جيشها وحرسها الثوري، وإيران بقُدراتِها الماليَّةِ وثرواتِها الطَّبيعيَّة قادرةٌ على الإيفاءِ بكُل ذلك.
رئيس مجلس الوزراء بعد ارتفاع حدَّةِ الأصوات التي تتَّهمه بإعاقَةِ قُبولِ المُساعداتِ الايرانيَّة أصبحَ مُطالباً بأن يُعلن صراحةً ترحيبَه بأيَّةِ مبادراتٍ إيرانيَّةٍ لمُساعدةِ لبنان ماليًّا وعينيًّا في إطار التَّخفيفِ من أوزار الحرب، وعلى المراجع الرَّسميَّة اللبنانيَّة أن تتعامل بانفتاح مع هذا التَّوجُّه وإبداء استِعدادِها وجهوزيَّتِها لتعامُلها مع أيِّ دعم إيراني غير مشروط، ويصبُّ في إطار التَّعويضِ عن الخسائر الماديَّة والمعنويَّة التي لحِقت بلبنان واللبنانيين جراء هذه الحرب التي أُقحِمَ لبنان بها بإيعازٍ إيراني، ومن دون إعارَةِ أيِّ اعتِبار لسيادةِ الدَّولة اللبنانيَّة وخياراتِها الذاتيَّة، على أن يُخصَّصَ قسمٌ منها للتَّعويضِ على عائلات الشُّهداءِ الذين قَضوا نحبهم في مواجَهةِ العدو الإسرائيلي، والمُصابين الذين لحقت بهم إعاقاتٍ أو تشوّهاتٍ مُستدامةٍ تحول دون تمكُّنِهِم من العُملِ مُستقبلا، أو تسبَّبت لهم بمُعاناة نفسيَّةٍ وجسديَّة.
هذه الخُطوةُ مَطلوبةٌ اليوم قبل الغد، وربما قبل فوات الأوان وبالتَّحديد قبل توسُّعِ المُواجهةِ ما بين العدو الإسرائيلي ومِحور المقاومة/ الممانعة وامتدادها وفق المؤشرات الى داخِلِ الأراضي الإيرانيَّة، وقبل انشغال إيران بإصلاح ما قد يلحقُ بها من دَمارٍ وخسائرَ بشريَّةٍ وماديَّةٍ على غرار ما أصاب الدُّول التي زعم بعضُ مسؤولي إيران أن عواصِمِها أضحت تحت السَّيطرةِ الإيرانيَّة.
المكونات اللبنانيَّة مُطالبةٌ بتشجيعِ الدَّولةِ على قُبولِ المًساعدات الإيرانيَّة وفقَ الأصولِ القانونيَّة والدُّبلوماسيَّة، والتي تُجيزُ قبولَ مُساعدات غير مَشروطة، طالما كان عرضُها وفقَ الأُطرِ المُتعارف عليها دوليًّا في عرض وقبول المُساعدات أي «عبر السلطات الرسميَّة حصريًّا»، ورفضِ قُبولِ أيَّةِ مُساعداتٍ خارجَ الأصول المُنوَّهِ عنها، أو لأغراضٍ ينهى عنها الدستور وتحظُرُها القوانين اللبنانيَّةُ النَّافذة وفي طليعتها قانون الجمعيات اللبناني المعمول به منذ العام ١٩٠٩ الذي يرعى الأحزاب السِّياسيَّة في لبنان، من حيث تأسيسها وممارسة نشاطاتها وتلقّيها المُساعدات، والذي يحظُرُ تلقّيها مُساعداتٍ من جِهاتٍ خارجيَّةٍ من دون عِلمِ الدَّولة بماهيتها والغرض منها؛ وعليه يَستوجبُ الأمرُ تولى إداراتِ الدَّولةِ ومؤسَّساتها الرَّسميَّةِ وأجهزتها عَمليَّةَ استلامِ المُساعداتِ وصرفها أو توزيعِها وفق الأغراضِ المشروعةِ المُخصْصَّةِ لها، وإلَّا شكَّل ذلك تدخُّلاً في شؤون الدَّولةِ الدَّاخليَّةِ وتَعدٍّ على سيادتِها، وانطوى على مَخاطرَ جَسيمةٍ لبنان بغنى عنها.
إن لم يبادر رئيس الحكومة إلى اتِّخاذ هذه الخُطوة الجريئة، سيكون عُرضة للملامَة، وسيُحمُلُ منفرداً وزرَ الافتئات عليه من كثيرين ممن سخَّرَ كل طاقاته للدِّفاعِ عنهم داخليًّا وخارجيًّا، وقد يُتيحُ المَجالَ لإيران نفسها للتَّملُّصِ من واجبها تجاه لبنان واللبنانيين، وتماديها في إطلاقِ المزاعِم والأُحجياتِ بأنَّها كانت راغبة في مساعدة لبنان واللبنانيين إلَّا أن السُّلطات اللبنانيَّة رفضت وفوَّتت الفرصةَ على المُتضررين من الحربِ فرصةَ حصولهم على تعويضاتٍ مباركةِ تعوِّضُ عليهم خَسائر الحرب.
ليس من قبيل إفشاء الأسرار القولُ بأن حزبَ لله قد دخلَ هذه الحرب بإيعازٍ إيراني، وكذلك الأمرُ بالنِّسبةِ لباقي مكوناتِ مِحورِ المقاومة/ المُمانعَة لكونِ فتحِ ما سُميَ بجبهاتِ الإسناد قد جاء مًتناسقاً ومُتناغماً من حيث الأهداف المعلنةِ واشتراطِ وقف الحرب على غزة (وهو التزام أخلاقي)؛ وما كان لِمُنظَّمةِ حماسٍ أن تُبادرَ إلى تنفيذِ عمليَّةِ طوفان الأقصى لولا تلقّي الإشارة من إيران، أو بأقلّ تقدير، نيل مُباركةِ مُرشِدِها الأعلى، وبالتالي فإن جميع الخَسائرِ البشريَّة والماديَّة والمعنويَّةِ التي لحقت بكل من مُكوناتِ مِحور المُمانعَةِ الدَّائرة في فلك الثَّورةِ الإيرانيَّة «أي حماس والجهاد الإسلامي وحزب لله والحشد الشعبي في العراق والحوثيين» وبُلدانِهِم مردُّها لخيارِ أقل ما يقال فيه أنه غير مدروس ولإساءة تقديرِ الموقفِ وردَّات فِعل العدو الإسرائيلي والدُّول الغربيَّة الدَّاعمة له على عمليَّةٍ أمنيَّةٍ نوعيَّة بهذا الحجم، ويُضافُ إلى ذلك سوء إدارة مِحور المُمانعة للحرب التي شنَّها العدو على أثر عَمليَّةِ الطُّوفان، الأمرُ الذي مكَّن الأخير من أن يستفردَ بمُكوناتِ المِحورِ واحِداً تلو الآخر. والأخطرُ من كل ذلك وقوفُ إيران موقفَ المُتفرِّج على عمليَّاتِ إجهازِ العدو على أعوانها الذين اضطرهم لمواجهةِ آلة حربِه المتقدِّمة من دون توفُّر الحد الأدنى من مُقوماتِ الصُّمود، وهذا ما قلب النتائجَ رأسا على عقب، و تركِ المُقاومين مُنفردين يتصدُّونَ لتَّوغلات العدوِّ البريَّةِ من دون حمايةِ أو مَدد، وقد كلَّفهم ذلك تقديم أرواحِهم على مذبحِ حربٍ كل مؤشراتها السياسيَّةِ والعسكريَّةِ توحي بأنها غيرُ مُتكافئة.
من أَوْلى من إيران في تحمُّلِ مسؤوليَّةِ هذا الخيار الذي تسبَّبَ بكل الخراب والدَّمار الذي تعرَّضَ له لبنان وبإزهاق آلافِ أرواح الأبرياء، ولما لا تُتاح لها الفُرصةُ إن كانت جادَّةً في ما تُعلنه؟ ولمصلحة من ها الخيار؟ خاصَّة بعد أن خرجت أصوات تخون وأخرى تُنادي بمُساءلةِ إيران عما لحقَ بلبنان من خَسائر جرَّاء هذه الحرب، ومطالبتها بالتَّعويض ماديًّا ومعنويًّا عنها، ةأصواتٌ أخرى تنادي بضرورة إقامة دعوى بهذا الخصوص أمام المراجع القضائيَّة الدَّوليَّة وبمُلاحقةِ كِبار المسؤولين الإيرانيين أمام المَحكمة الجنائيَّة الدوليَّة لمسؤوليَّتهم الجزائيَّة عما لحق بلبنان وغيره من الدول العربية.
إن مسؤوليَّة إيران عن التَّعويض، وإن لم تكن نابعةً عن إخلالها بالتزامات تعاقديَّة، فهي مبنيَّةٌ على مَسؤوليَّة أخلاقيَّة في المقام الأول، وقانونيَّةٍ ثانياً، وفي هذا الإطار هي مسؤوليَّة مزدوجة مُباشِرةِ «لتَدخُّلِها في الشُّؤون الدَّاخِلِيَّة اللبنانيَّة» وغيرِ مُباشِرةٍ «لجهةِ مَسؤوليَّةِ المَتبوعِ عن التَّابع»، والتي تطبَّقُ على الهيئات المَعنويَّةِ في حال تسبُّبِ العاملين لديها وبتوجيهاتها بأيَّةِ أضرارٍ للغَير، من هنا تأتي مُطالبتُنا بضَرورةِ التَّرحيب بأية مُبادرةٍ إيرانيَّة بغرضِ التَّعويض على لبنان ولو بمساعدات ماليَّةٍ وأُخرى عينيَّة، طالما كانت متوافقةً مع القوانين النَّافذة والمواثيق والأعراف الدَّوليَّة.
أما المَجالاتُ التي يمكن لإيران تقديمُ المُساعدة للبنان فهي مُتعددة ومتنوعة، ونكتفي بالإشارةِ إلى أهمِّها وعلى سبيل المِثال لا الحصر:
– إعادة ترميم شبكاتِ الطُّرقاتِ والمياه والكهرباء والهاتفِ والصَّرف الصحي التي تضرَّرت جراء الحربِ بما فيها مَحطَّاتُ الانتاج أو التَّوزيع أو البثِّ أو التَّكريرِ أو الصَّرف.
– إعادة بناء الأحياءِ السَّكنيَّةِ في المدن والقرى التي تضرَّرت بسبب الحرب بما في ذلك بُناها التَّحتية.
– إعادة بناء المنازل والشُّققِ السَّكنيَّة التي تَضررت جرَّاء الحربِ وأمَست آيلةً للسقوط، كما ترميم المباني والشِّقق التي تضرَّرت بما في ذلك تدعيمها إن لزم الأمر تجنُّباً لتفادي مخاطرِ سقوطها مُستقبلا على رؤوس قاطنيها.
– التَّعويضُ على ذوي الشُّهداء الذين سَقطوا خلالَ المواجَهة سواء من القياديين أم المقاتلين الميدانيين الشُّجعان الذين لم يبخلوا بأرواحِهم، وصمدوا وسطّروا بطولات حتى رمقهم الأخير، والتَّكفُّلِ مُستقبلاً بإعالةِ عائلاتهِم لجهة التَّعليم والطبابَةِ ومُختلِفِ احتياجاتِهِم المَعيشِيَّة.
– التَّعويضُ على ذوي الأبرياء الذين سقطوا في هذه الحرب وليس لهم أيَّةَ علاقَةٍ بها، إنما لعبتِ الصُّدف في مصرعهم من دون أي ذنب.
– التعويض على كافة المُصابين وبخاصَّةٍ المُقاتلين منهم وفي مُقدِّمتِهم الذين تم استِهدافُهُم بعَمليَتي البيجر وأجهزة الاتصال اللاسلكيَّة (ICOM)، وسائرِ الذين وقعوا ضحيَّةَ الاختراقات التقنيَّةِ والبشريَّة (العملاء)، من دون إغفال باقي المُصابين الذين صودِف وجودهم في أيَّةِ أمكنة مَدنيَّة أُستُهدفت بذريعةِ وجودِ مَسؤولينَ أو أسلِحَةٍ أو تجهيزات أو منشآت أخرى في المكان المُستهدف.
– التَّعويضُ على أصحابِ الشَّركاتِ والمؤسَّساتِ الصِّناعِيَّةِ والتِّجاريَّةِ والمَتاجرِ وأصحابِ العياداتِ والمُختبرات والمكاتب الخاصَّة بذوي المهن الحرَّةِ وغيرهم ممن تعرَّضت ممتلكاتُهم لأضرارٍ طالت المنشآتِ أو المُحتوياتِ كالمعدات أو التَّجهيزاتِ أو البرمجيَّاتِ أو الملفات الخ…
هذا عن التَّعويضاتِ عن الخَسائرِ البَشريَّةِ والمادِّيَّةِ أما عن التَّعويضِ عن الأضرارِ المَعنويَّةِ والعاطفيَّة فتَقتضي الموضوعيَّة منا القولُ، وبصراحة مطلقة، أن جميع اللبنانيين قد لحقت بهم خسائرُ متفاوتة نتيجة توقف أعمالهم، ولما عانوه نفسيًّا بسبب الحربِ ومآسيها.
أقول قولي هذا إحقاقاً للحق منعاً لأي التباس أو مَساعٍ لتحميلِ الدَّولةِ مسؤوليَّةَ ما لا وزرَ لها به، وتفادياً لاضطرار المُتضررين إلى اللجوء لجِهات غير رسميَّة، وتجنُّباً لتِكرار حملاتِ الافتئات والتَّخوين على غرار ما حصل بعد حرب عام 2006.