مع نهاية ولاية الرئيس الأميركي جو بايدن، يَبرُزُ مشهدٌ مُعَقَّدٌ يَعكسُ تغييراتٍ سياسيةٍ واضحة في الشرق الأوسط، تُوِّجَت باتفاقيات وتهدئات في مناطق ساخنة مثل غزة، سوريا، ولبنان. هذه التحوُّلات السريعة تُثيرُ تساؤلاتٍ حول قدرة إدارة بايدن على تحقيق ما يبدو كإنجازاتٍ كبرى في وقتٍ قصير، خصوصًا وأنَّ عهده واجهَ انتقاداتٍ حادة نتيجة الأزمات المُستمرّة في المنطقة، إلى جانب تصاعُد التوتّرات في أوكرانيا.
من الواضح أنَّ إدارة بايدن اعتمدت على استراتيجيةٍ دقيقةٍ تهدفُ إلى إنهاءِ ولايته بسجلٍّ إيجابي في السياسة الخارجية، خصوصًا في ما يتعلّقُ بالشرق الأوسط، الذي طالما كان ساحة اختبارٍ مُعقَّدة للإدارات الأميركية المُتعاقبة. قد تكونُ هذه الإنجازات نتيجةَ تراكُم جهودٍ ديبلوماسية مُكثّفة لسنوات ولكن بخاصة خلال الاشهر الأخيرة، حيث مارست واشنطن ضغوطًا كبيرة على الأطراف الإقليمية والدولية لتحقيق توافقات سياسية مؤقتة. هناكَ دلائل على أنَّ بايدن استغلَّ اللحظة الانتقالية إلى الإدارة المقبلة لدَفعِ اللاعبين الأساسيين في المنطقة نحو تقديم تنازلات، ربما مدفوعة بمخاوف وعدم يقين بخصوص سياسات إدارة ترامب المقبلة.
التغيُّرات الإقليمية كانت أيضًا عاملًا رئيسًا، حيث شهدت المنطقة تقارُبًا بين عددٍ من الدول الفاعلة مثل المملكة العربية السعودية وإيران، والتغيُّر السياسي وعودة سوريا التدريجية إلى الساحة الديبلوماسية، وأخيرًا بداية انتظام المؤسّسات الدستورية في لبنان. شكّلت هذه التطوّرات مزيجًا من التراجُع الحاد في النفوذ الإيراني واحتضان حلفاء الولايات المتحدة لإيران في الوقت عينه، بما أتاحَ لواشنطن فرصةً أكبر للتأثير في سَيرِ الأحداث، خصوصًا في ظلِّ رغبةِ دول المنطقة في استقرار أوضاعها الداخلية وسط تحدّياتٍ اقتصادية وأمنية مُتزايدة. يبدو أن إدارةَ بايدن استثمرت في هذه التحوُّلات الإقليمية لتوجيه سياساتها نحو تحقيق إنجازاتٍ ملموسة، مُستفيدةً من رغبة القوى الإقليمية في تفادي التوتّرات مع الإدارة الأميركية المقبلة.
على الجانب الآخر، يُمكِنُ فَهمُ هذه التحرُّكات في سياقٍ أوسع يتعلّقُ بالأولويات الاستراتيجية لواشنطن. إذ تبدو هذه الجهود جُزءًا من خطّةٍ لتقليل الانخراط الأميركي المباشر في الشرق الأوسط، مع التركيزِ على أزماتٍ أُخرى أكثر أهمّيةً بالنسبة إلى واشنطن مثل أوكرانيا والصين. لقد قدّمت إدارة بايدن الشرق الأوسط كمسرحٍ لتحقيق تهدئةٍ شاملة قبل تحويل الانتباه والموارد إلى ساحاتِ صراعٍ جديدة.
السياساتُ البراغماتية التي تبنّاها بايدن لعبت دورًا محوريًا في تحقيق هذه النتائج. أبدت إدارته مرونةً واضحة تجاه التفاوُض مع القوى الإقليمية المختلفة، بما فيها إيران وتركيا، ما ساعدَ على خلقِ بيئةٍ مُناسِبة للتفاهُمات. هذه المرونة، المصحوبةُ بضغوطٍ دقيقة، ساعدت على توقيع اتفاقيات مثل وقف إطلاق النار في لبنان وقطاع غزة، اللذين جاءا كرسالةٍ واضحة على قدرة واشنطن على تحقيق استقرارٍ نسبي رُغمَ التحدّيات.
يُمكنُ القول إنَّ إدارة بايدن استثمرت اللحظة السياسية بحنكةٍ، حيثُ تمكّنت من استغلالِ ظروفٍ داخلية وخارجية لصالحها. هذا التحرُّك يعكسُ رغبةَ بايدن في تركِ بصمةٍ إيجابية في السياسة الخارجية، تُذكَرُ كجُزءٍ من إرثه السياسي، في لحظة رحيله من المشهد السياسي.