ازمة لبنانالاحدث
لبنان وخطوات الإصلاح: بين إعادة هيكلة المصارف ودعم قطاع الكهرباء | بقلم د. رنا منصور

في ظل أزمة اقتصاديّة طاحنة تعصف بلبنان منذ العام 2019، والتي تُعزى إلى عقود من سوء الإدارة والفساد، أقرَّت الحكومة اللبنانيّة مؤخّراً حزمة إصلاحات تهدف إلى استعادة ثقة المجتمع الدوليّ وتمهيد الطريق للحصول على دعم ماليّ يُنقذ الاقتصاد من الإنهيار. تأتي هذه الخطوات ضمن شروط صارمة وضعها صندوق النقد الدوليّ والمجتمع الدوليّ، والتي تُعتبر
مفتاحاً للحصول على مليارات الدولارات لإنعاش البلاد.
إصلاح القطاع المصرفيّ: خطوة نحو اتّفاق مع صندوق النقد
أعلن وزير الإعلام اللبنانيّ بول مرقص، بعد جلسة لمجلس الوزراء، إقرار مشروع قانون لإعادة هيكلة المصارف، واصفاً إيّاه بأنّه “الأول من نوعه في تاريخ الحكومات اللبنانيّة”. يهدف هذا القانون إلى تنظيم القطاع المصرفيّ وحماية حقوق المودعين، لاسيّما صغارهم، عبر إصلاحات تشريعيّة ترتبط بمعالجة الفجوة الماليّة الناجمة عن الأزمة، وإعادة هيكلة المصارف، وتعديل قانون سريّة المصارف الذي سبق إقراره. وأكّد مرقص أنّ هذه الإصلاحات “تتقاطع مع متطلّبات الإتفاق مع صندوق النقد الدوليّ”، الذي أبدى استعداده في شباط الماضي لبدء مفاوضات مع لبنان حول برنامج دعم جديد. يُذكر أنّ المجتمع الدوليّ يشترط تنفيذ إصلاحات جوهريّة، بما في ذلك الشفافيّة الماليّة ومحاربة الفساد، قبل إطلاق أي حزمة إنقاذ.
من جهته، رحَّب مكتب المنسّق الخاص للأمم المتّحدة في لبنان بهذه الخطوة، واصفاً إيّاها بـ”المؤشر الإضافيّ على التزام الحكومة بالإصلاح”، لكنّه شدّد على ضرورة تحويل هذه القوانين إلى “إجراءات ملموسة على الأرض”، في إشارة إلى تاريخ لبنان الطويل مع الوعود الإصلاحيّة غير المُنفّذة.
كهرباء لبنان: قرض بـ250 مليون دولار وخطة للإصلاح الهيكليّ
بالتوازي مع الإصلاحات الماليّة، وقَّع لبنان مع البنك الدوليّ اتفاقيّة قرض بقيمة 250 مليون دولار، مخصّصة لإصلاح قطاع الكهرباء المتهالك، الذي يُعدّ رمزاً للأزمة البنيويّة في البلاد. وأوضح وزير المال ياسين جابر أنّ القرض سيدعم إنشاء “مركز تحكّم وطنيّ” جديد، وتحسين نظام الفوترة والتحصيل في مؤسسة كهرباء لبنان، وتطوير مشاريع طاقة شمسيّة تُنتج 150 ميغاواط في مرحلتها الأولى، ممّا يوفّر نحو 40 مليون دولار سنويّاً من فاتورة الوقود.
من جانبه، وصف المدير الإقليميّ في البنك الدوليّ “جان كريستوف كاريه” الإتفاقية بأنّها “لحظة مفصليّة” في شراكة البنك مع لبنان، خاصة أنّها أول قرض من البنك الدوليّ للإنشاء والتعمير لقطاع الكهرباء، بعد عقود من الدعم الفنيّ دون نتائج ملموسة. وأشار إلى أنّ القرض يرتبط بإصلاحات سياسيّة التزمت بها الحكومة، مثل تعيّين هيئة تنظيميّة مستقلّة، وهو شرطٌ طال انتظاره لضمان إدارة شفافة للقطاع.
التحديّات: بين الإصلاحات الورقيّة والواقع
رغم التفاؤل الرسميّ، يُطرح سؤال جوهريّ: هل ستنجح هذه الإصلاحات في كسر الحلقة المفرغة للأزمات في لبنان؟ فتاريخيّاً، ظلت القوانين حبيسة الأدراج بسبب الفساد والخلافات السياسيّة. فمشروع إعادة هيكلة المصارف، مثلاً، سيُعلَّق تنفيذه حتى إقرار قانون معالجة الفجوة الماليّة، وهو ما قد يؤخر الإصلاحات لشهور أو سنوات. كما أنّ نجاح إصلاح الكهرباء مرهون بتجاوز المحاصصة السياسيّة في تعيّين الهيئات التنظيميّة، وضمان استقلاليّتها. فالفشل في تحقيق ذلك قد يحوّل القرض الدوليّ إلى دين إضافيّ دون نتائج تُذكر، في بلد يعاني من أحد أعلى نسب الديون إلى الناتج المحليّ عالميّاً.
خطوات أولى على طريق طويل
لا شك أنّ الإصلاحات الأخيرة تُعتبر إشارة إيجابيّة في ظل انهيار اقتصاديّ حوّل حياة اللبنانيّين إلى جحيم، مع انخفاض قيمة العملة بنسبة 98%، وانهيار الإدخارات، وانتشار الفقر على نطاق غير مسبوق. لكن النجاح الحقيقيّ سيتطلب إرادة سياسيّة حقيقيّة لمواجهة شبكات الفساد، وضمان شفافيّة تنفيذ المشاريع، واستمرار الضغط الدوليّ لتحويل النصوص القانونيّة إلى واقع ملموس. فلبنان اليوم على مفترق طرق: إمّا أن تكتمل مسيرة الإصلاح لإنقاذ ما تبقى من الدولة، أو تُضاف هذه الخطوات إلى سجل الوعود المُجهضة.