قد تتخلف بعض الدول ما بين الحين والآخر عن سداد ديونها، وقد يرجع ذلك إلى عجزها أحيانا، وعدم رغبتها في أحيان أخرى في سداد التزاماتها المالية، ولعل كل من باكستان وروسيا والأرجنتين من أبرز الأمثلة في هذا الصدد خلال العقدين الماضيين.
ويختلف الأمر من دولة لأخرى بالطبع، فأحيانا ما يتعلق التقصير في السداد بسعر الفائدة وأحيانا ما يرتبط بالمدفوعات الرئيسية نفسها، كما ان هناك بعض الدول قد تؤخر عملية سداد مديونتها إلى فترة أطول. وقد تسعى بعض الدول المتعثرة إلى تعديل البنود الخاصة بالقروض والخضوع لشروط جديدة، وفي تلك الحال قد تقبل الدولة الدائنة بسعر فائدة أقل أو خصم قسري للدين أو الحصول على سند مقابل الدين بقيمة اسمية أقل من القيمة الأصلية.
وتمثل مشكلة التعثر في سداد الديون أزمة كبرى لكثير من البلدان التي تقوم بالاقتراض بالعملة الاجنبية، وذلك لانه في حال حدوث عجز في موازنة هذه الدولة، فإنها لا تتمكن من طباعة المزيد من النقود.
قد تلجأ بعض البلدان النامية إلى إصدار سندات بعملة بديلة- الدولار الأمريكي غالبا- ويعتبر مؤشر ثروة الدول وحجم قروضها من أخطر ما يهدد بوقوع دولة ما في فخ العجز عن التسوية والسداد. فبمجرد ان تتخلف دولة ما عن سداد ديونها فقد يصعب عليها الحصول على قرض مجددا. مما يجعل البلدان الأقل من حيث الدخل القومي هي الأكثر عرضة للعجز عن الوفاء بالتزاماتها.
وبحسب ما قاله مسعود أحمد المدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي سابقا والمدير الحالي لمركز التنمية العالمية، فإنه منذ أكتوبر 2018 تم تصنيف 59 دولة بوصفها الأقل دخلا في العالم. وقد كان من بينهم 24 دولة يعاني بعضها من أزمة تفاقم الدين بصورة فعلية، وأخرى على شفا الوصول إلى تلك المرحلة الصعبة أيضا.
وقد تلعب السياسات الحكومية لدولة ما دورا بارزا في حدوث أزمة التخلف عن السداد، فهناك بعض السياسات المالية التي قد تزيد من مستوى الرفاهية الاجتماعية، بالإضافة إلى فتح باب الاقتراض بلا حدود في وجه المستثمرين المحليين والأجانب. كما أن الحكومات نفسها قد تتألف من طبقات سياسية غير حكيمة مما يتسبب في طيش الإنفاق الذي يؤدي بدوره إلى التعثر عن سداد الديون في نهاية الأمر.
وفي ظل قدرتها على طباعة أموالها الخاصة، قد تبدو بعض الدول حول العالم محصنة ضد العجز عن سداد الديون، لكن ليس الأمر هكذا تماما. فقد تعثرت الولايات المتحدة أكثر من مرة. وفي عام 1979 تسبب خطأ كتابي من قبل وزارة الخزانة الأمريكية في ضياع مدفوعات بقيمة 122 مليون دولار من حجم الديون. وفي الوقت الذي قد تكون الحكومة مستعدة تماما لسداد ديونها، فقد لا يبدي المشرعون استعدادهم التام لذلك.
وقد يحصل المستثمرون على خصم قسري للدين الحكومي حتى في حال عدم تعثر الدولة بصورة رسمية. وفي الوقت الذي يتعين فيه على وزارة الخزانة القيام بطباعة المزيد من الأوراق النقدية، فإنه يزداد إجمالي العرض من النقود داخل الدولة، الأمر الذي يتسبب في فقدان العملة لقدر من قيمة التداول الخاصة بها.
والجدير بالذكر، فإنه حينما تتخلف دولة ما عن سداد ديونها ، فإن العواقب تكون وخيمة على حاملي السندات. فضلا عن الضحايا من المستثمرين الأفراد . كما يؤثر التخلف عن السداد على صناديق التقاعد وكبارالمستثمرين ممن لديهم حيازات كبيرة.
ومن الطرق التي قد يلجأ إليها المستثمرون لحماية أنفسهم من الخسائر الفادحة، القيام بإبرام ما يسمى بـ عقد مقايضة العجز عند سداد الائتمان. حيث يقوم الطرف الأول المتعاقد بسداد أي رسوم أو فوائد في حال تخلف الدولة عن سداد ديونها، وفي المقابل يتعهد الطرف الآخر بدفع رسوم حماية عن فترة محددة فيما يشبه فكرة التأمين. وفي تلك الحالة يوافق الطرف الأول على تحويل السند الأصلي بما يحمله من قيمة متبقية إلى نظيره في حالة وقوع بعض المخاطر الائتمانية.
وتعتبر مقايضات التخلف عن سداد الديون أحد الوسائل المتطورة نسبيا إلا انه عادة ما يتم تنفيذها بصورة مطلقة دون إطار محدد لها، وبالتالي قد يصعب على المستثمرين الأفراد التماشي مع الأسعار الحديثة بالأسواق، ولعل هذا ما يجعل المستثمرين المؤسسين يلجأون عادة إلى هذا الأسلوب لمعرفتهم القوية بطبيعة الأسواق وقدرتهم على التعامل مع أنظمة الحاسب الآلي التي تقوم بجمع كافة البيانات الخاصة بالمعاملات المالية فيها.
ومثلما يواجه الفرد صعوبة في الحصول على قروض ميسرة في حال تأخره عن سداد بعض الدفعات الخاصة بقرض ما ، فإن البلدان التي تتخلف عن السداد ايضا، تواجه تكاليف اقتراض أعلى بكثير. وتتولى وكالات مثل Moody’s و Standard & Poor’s و Fitch مسؤولية تصنيف مستوى ديون البلدان في جميع أنحاء العالم على أساس وضعها المالي والسياسي. وبشكل عام ، تتمتع الدول ذات التصنيف الائتماني العالي بأسعار فائدة منخفضة.
وفي حال تعثر بلد ما عن سداد الديون، فإن الأمر قد يحتاج لسنوات طويلة كي يتم الخروج من عنق الزجاجة. ولعل الأرجنتين هي خير مثال على ذلك، فمنذ تخلفها عن سداد مدفوعات السندات في عام 2001 فإنه بحلول عام 2012 كان سعر الفائدة على سنداتها قد تجاوز سعر سندات الخزانة الأمريكية بنسبة تتجاوز الـ 12% تقريبا.
ويكمن الخطر الأكبر المتعلق بمشكلة التخلف عن السداد في التأثير الواضح على الاقتصاد بوجه عام، ففي الولايات المتحدة الامريكية ترتبط العديد من القروض العقارية والقروض الطلابية بأسعار سندات الخزانة الأمريكية. ففي حال تعثر بعض المقترضين وارتفاع أسعار الفائدة المتراكمة عليهم، فإن ذلك يؤثر سلبا بلا شك على حجم الدخل أو الإنفاق العام على السلع والخدمات.
وفي الوقت الذي ينظر بعض المستثمرين إلى تلك الأزمة باعتبارها نوع من الفوضى، يراها آخرون فرصة كبرى، حيث يركزون على مسألة ارتفاع قيمة السندات الحكومية باعتبارها الجانب المشرق من الأمر.
ويتخصص بعض أصحاب الصناديق الاستثمارية في ذلك النوع من الصفقات فيما يشبه وكالة تحصيل الديون التي تعمد إلى شراء حسابات الائتمان الشخصية بتكلفة منخفضة، فإن تلك الصناديق تقوم بشراء السندات الحكومية مقابل جزء بسيط من قيمتها الأصلية.
وقد حدثت بعض الطفرات على مدار العقود القليلة الماضية، مما شجع الكثيرين على الاستثمار. فقد ارتفعت أسواق الأسهم في كل من روسيا والبرازيل والمكسيك بصورة فائقة في أعقاب أزمة السندات. ويبقى السر وراء ذلك في البحث عن الشركات ذات الميزات التنافسية الكبرى والتعرف على معدل انخفاض السعر بالنسبة للمكاسب التي تحققها مما يتيتح التعرف على مؤشرات المخاطرة.
رابط المقال الأصلياضغط هنا
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
قد يعجبك ايضاً
http://box5852.temp.domains/~iepcalmy/strategicfile/إقتصاد/خدعة-مؤسسات-التصنيف-الكبرى-هكذا-تعمل-ا/