الاحدثدولي

100 يوم على رئاسة ترامب: ما الذي تغير في السياسة الخارجية الأمريكية؟

إعداد د. عوض سليمية 

بعد حملة الانتخابات الرئاسية الاطول في تاريخ الولايات المتحدة، والتي إمتدت على مدار اربع سنوات، تمكن ترامب مرة اخرى من العودة الى البيت الابيض في إنتخابات 2024. متمسكاً بإلتزاماته الانتخابية القائمة على عكس جميع السياسات الخارجية لسلفه بايدن، والتي إختزلت دور الولايات المتحدة الى مرتبة دولة من العالم الثالث وفقاً لتعبيراته. أعلن ترامب بداية حقبة جديدة من العلاقات الدولية القائمة على قاعدة “أمريكا أولاً” وأن “العصر الذهبي لامريكا قد بدأ”، مشدداً على ان ارث بايدن السياسي والحربي لا مكان له على الاجندة الترامبية الجديدة.

في استراتيجياته الدبلوماسية المصممة لتجنب الحروب الكبيرة، بما في ذلك المواجهة الروسية الغربية التي تحدث على الأراضي الأوكرانية منذ شباط/فبراير من العام 2022، أعلن ترامب عن نيته إنهاء هذه الحرب غير المجدية في غضون 24 ساعة فقط من توليه منصبه، قائلاً: «… سأنجز هذا الاتفاق في غضون 24 ساعة». وأنه ينوي الاستفادة من علاقته الراسخة مع زعيم الكرملين بوتين لتسهيل وقف الأعمال العدائية بين الجانبين. فيما يتعلق بحرب الابادة الجماعية المستمرة التي تشنها إسرائيل منذ احداث اكتوبر من العام 2023، تعهد ترامب بوقفها على الفور”…سأعيد الهدوء إلى الشرق الأوسط». بعد مرور 100 يوم على تسلمه مفاتيح البيت الابيض، ما زالت الحروب مُشتعلة والأزمات الدولية تتفاقم، والعالم مرشح نحو مزيدٍ من الحروب والاضطرابات، بما فيها، مواجهة محتملة بين بكين وواشنطن بدأت إشاراتها بحرب الرسوم الجمركية، وبين الاخيرة وطهران في قضية الملف النووي، وحالة التوتر الشديدة القائمة بين الهند وباكستان في كشمير.

في السياق المتعلق بقضية العدوان المستمر على قطاع غزة ودولة فلسطين عموماً. في يومه الاول، وقع ترامب امراً تنفيذياً ينص على الغاء قرار كان قد وقعه سلفه بايدن في شباط/ فبراير من العام 2024، ينص على فرض عقوبات وتجميد اصول إقتصادية، لعدد من المستوطنين وقادتهم ممن يحملون الجنسية الامريكية، بسبب تورطهم في جرائم عنف ضد المدنيين الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية. تزامن هذا الاعفاء مع هجوم عنيف للمستوطنين المتطرفين على قرية الفندق في شمال الضفة الغربية. هذا الاجراء، كان اولى إشارات الادارة الجديدة على تأكيد ما وصفه الوزير المتطرف في حكومة نتنياهو سموتريتش “بالدعم الامريكي الثابت لاسرائيل، في تعزيز ما اسماه “الشراكات الاستراتيجية”.

لم يتوقف ترامب في مغازلة المستوطنين عند هذا الحد، بل وجه لعدد من قادتهم دعوات للمشاركة في مراسم تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة يوم 20 كانون ثاني/ يناير 2025. بالاضافة الى ما صرح به المتطرف سموتريتش، فإن هذه الخطوة تأتي في سياق قناعات ترامب الراسخة منذ فترة رئاسته الاولى بان المستوطنات الاسرائيلية المقامة على اراضي دولة فلسطين، لا تشكل عقبة امام عملية السلام في المنطقة.

في مشهدٍ آخر، وبعد اسبوع من إصداره للاوامر التنفيذية، وجه ترامب بالافراج عن شحنة من القنابل تصل زنتها الى 2000 رطل بالاضافة الى صواريخ موجهة من نوع “هيلفاير” وشحنة من الجرافات العملاقة D9، ومعدات عسكرية اخرى، بمبلغ إجمالي وصلت قيمته الى قرابة 12 مليار دولار، كانت إدارة بايدن قد منعت شحنها لاسرائيل، بسبب مخاوف مؤكدة من إستخدامها ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية. يتفاخر ترامب بعلاقاته المميزة مع اسرائيل وتوقيعه “إعلانًا لاستخدام سلطات الطوارئ للتعجيل بتسليم ما يقرب من 4 مليارات دولار من المساعدات العسكرية لإسرائيل. مؤكداً ان هذا الاعلان هو “علامة أخرى على أن إسرائيل ليس لديها حليف في البيت الأبيض أكبر من الرئيس ترامب”. وفقاً لبيان وزارة الخارجية الامريكية على موقعها الرسمي. ولم يتأخر حلفاء إسرائيل من اعضاء الكونجرس الامريكي في موقفهم الداعم، واجهضوا محاولات زملائهم من المشرعين المعارضين لاستئناف ضخ السلاح لاسرائيل.

صفقات ترامب المجانية والموجهة لاسرائيل لم تتوقف عند هذا الحد، بل واصلت إدارته تقديم ما يسمى بالدعم الطارئ، وارسلت مزيداً من أنظمة الدفاع الجوي من طراز “ثاد” وانظمة “باتريوت” المضادة للصواريخ الباليستية، مع الدفع بحاملتي طائرات الى مياه البحرين الابيض والاحمر، مصحوبة بتعزيزات عسكرية كبيرة في قواعدها العسكرية المنتشرة في المنطقة بما في ذلك، القاذفات الشبحية الاستراتيجية، لحماية إسرائيل في ظل أزمة محتملة تلوح في الافق مع طهران.

على الصعيد الدبلوماسي، وعلى الرغم من تعيينه مبعوثاً خاصاً لشؤون المفاوضات في الشرق الاوسط، فشل ستيف ويتكوف، حتى الان في احداث إختراق يفضي الى شيء ملموس على الارض، بل على العكس من جوهر مهمته الهادفة لوقف الحرب، ارتفعت وتيرة الهجمات الاسرائيلية على المدنيين في قطاع غزة منذ الثامن عشر من آذار/مارس تاريخ إستئناف العدوان على القطاع. بالتوازي مع تصاعد كبير في هجمات المستوطنين وسياسات الاحتلال الهادفة الى تدمير السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.

بدلا من قيادة الجهود الدبلوماسية مع الوسطاء لوقف حرب الابادة في القطاع، وتبني مقررات الدول العربية والاسلامية في قمتهم المنعقدة في القاهرة. إستمر ويتكوف بالترويج لخطة رئيسه الهادفة الى تهجير المواطنين من قطاع غزة الى دول العالم، ووضع اليد الامريكية على القطاع كاملاً وتحويله الى “ريفييرا” ترامب الجديدة. وإطلاق يد إسرائيل “لفعل كل ما تراه مناسباً لتحقيق النصر” وفقاً لترامب. ومع وصول مايك هاكابي السفير الامريكي الجديد الى إسرائيل والداعم العلني للاستيطان وضم الضفة الغربية، يكون ترامب قد حصر خياراته المتماهية تماماً مع سياسات اليمين المتطرف في اسرائيل، والذي بات يحصل على مزيدٍ من الجرعات الزائدة من الدعم الامريكي اللامحدود.

وسط تسونامي من التصريحات والمبادرات التي لم تجد طريقها حتى الان لوقف المجزرة في قطاع غزة. يبدو ان ترامب ملَّ الانتظار، ويتحضر لزيارة عدد من الدول العربية في المنطقة وفي مقدمتها العربية السعودية، منتصف الشهر الجاري لاسكتشاف الموقف بنفسه. بينما يواصل مبعوثه ويتكوف جولاته المكوكية الفاشلة ، بسبب التبني الكامل لاجندة اليمين المتطرف في إسرائيل، بما فيها الاصرار التام على منع إدخال المساعدات الانسانية “الغذائية والدوائية” العاجلة ومنع الحصول على مصادر المياه النظيفة، كسلاح لتجويع المواطنين ودفعهم بالقوة لمغادرة قطاع غزة.

بعد مرور أكثر من 100 يوم على دخوله البيت الابيض، ما زالت وعودات ترامب الانتخابية عالقة في الهواء. وبدلاً من إحلال السلام الموعود، يدفع ترامب العالم الى مزيد من التوتر وحالة اللايقين الاقتصادية والسياسية والعسكرية. فالحرب الروسية-الاوكرانية ما زالت قائمة، ولم توقف إسرائيل عدوانها على قطاع غزة، وما زالت إسرائيل تسيطر على خمسة مواقع في جنوب لبنان تحت مبررات يتفهمها ترامب، وباتت مهاجمة الاصول العسكرية والمدنية اللبنانية حقاً مكفولاً لاسرائيل من وجهة نظر واشنطن. مع توغل بري مستمر في مناطق الجنوب السوري، وسيطرة كاملة على المناطق العازلة التي كانت تسيطر عليها قوات الامم المتحدة ذات يوم، بالتزامن مع هجمات شبه يوميه ينفذها الطيران الحربي الاسرائيلي على الاصول العسكرية والمطارات داخل الاراضي السورية.

تؤكد المعطيات المتاحة حتى الآن أن السياسات التي انتهجها ترامب ونزعته العدوانية ليست بعيدة عن نهج إدارة بايدن، ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط المتأثّرة بأطماع الدول الاستعمارية الغربية، بل أيضًا على مستوى العالم بأسره. ومع خروج المزيد من السياسات والقرارات المثيرة للجدل التي يتبناها ترامب، يبدو أن الأمل في تحقيق السلام يتلاشى بشكل متزايد، كما أن المقترحات التي يقدمها ترامب ومبعوثوه لحل القضايا العالمية ليست سوى وصفات لتقويض الاستقرار في العلاقات الدولية، وتدمير منهجي لجميع المعايير الإنسانية والدولية.

مركز السياسات والاستشراف المعرفي (مسام)

مركز السياسات والاستشراف المعرفي (مسام) هو وحدة بحثية تابعة لموقع "الملف الاستراتيجي"، تُعنى برصد وتحليل السياسات العامة، وتحولات الشركات الكبرى، والديناميات الجيوسياسية التي تسهم في إعادة تشكيل العلاقات الدولية والبُنى المؤسسية والاجتماعية على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية. ينطلق المركز من منظور استشرافي علمي يهدف إلى تجاوز التحليلات الظرفية، من خلال تتبّع الأنماط الكبرى في السياسات والتحولات المعرفية، وفهم التفاعلات المعقدة بين الدول، والشركات العابرة للحدود، والمجتمع المدني، والمنصات الرقمية. يركز المركز بشكل خاص على دراسة السياسات الوطنية في دول الشرق الأوسط، وتحليل استراتيجياتها في مجالات الحوكمة، وإعادة التموضع الإقليمي، والتفاعل مع التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية العالمية. كما يعالج المركز القضايا المتصلة بمستقبل السيادة الرقمية والمعرفة، ودور الفاعلين غير التقليديين في التأثير على صنع القرار وتشكيل الفضاء العام. يعتمد المركز في إنتاجه المعرفي على مقاربة تحليلية حيادية تلتزم بالصرامة المنهجية والموضوعية، بعيدًا عن التحيزات السياسية أو الإيديولوجية، ويسعى إلى تقديم فهم مركب ومسؤول للتحولات الراهنة، بما يخدم الباحثين وصنّاع السياسات والمشتغلين في حقل التفكير الاستراتيجي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى