نعرض أدناه خارطة الطريق التي قدمها السيد سامر سلامة لفخامة رئيس الجمهورية اللبنانية للخروج من الازمة، ونعرضها هنا كما تُليت أمام الرئيس.
فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
تحية طيبة وبعد،
أولًا أود أن أشكركم على حسن استقبالي اليوم، وثانيًا أود أن أوضح لسيادتكم أن الحديث عن تدهور الأوضاع الاقتصادية في لبنان بات هو الشغل الشاغل للجميع على أرض جمهورية الأرز، حيث تمر البلاد حاليا بأزمة نقدية ومالية تهدد بحدوث الانهيار الاقتصادي الكامل، ولعل ذلك لم يأتي من فراغ بل هو نتيجة حتمية لسوء إدارة الموارد الاقتصادية والصراعات السياسية مما تسبب في عجز هائل في الميزانية العامة والميزان التجاري. ناهيك عن البيروقراطية والفساد المستشري في كافة مؤسسات الدولة.
وتكفي نظرة سريعة على البنية التحتية بالدولة اللبنانية ليتضح مدى تدهور كافة الخدمات من كهرباء وماء نظيف والطرق ووسائل المواصلات العامة وأكوام القمامة هذا إلى جانب ما يعانيه البلد من ارتفاع مؤشرات البطالة التي قاربت الـ 50% من نسبة شباب الخريجين والذين يجدون أنفسهم بلا عمل مما يصيبهم بالإحباط ويفقدهم الثقة في المستقبل.
وإن كانت الآمال معلقة على مساعدة المجتمع الدولي فقد تلاشت جميعها بعد انعقاد عدد من المؤتمرات الدولية مثل باريس1 وباريس 2 وباريس3 والتي أسفرت جميعها عن لاشئ، فالأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان استمرت في التضخم دون رادع. وأخيرا كان مؤتمر باريس4 أو “سيدر” والذي جعل مسألة حصول لبنان على مساعدات خارجية من صندوق النقد الدولي أو بعض الجهات المانحة الأخرى، أمرا مشروطا بقيام الدولة اللبنانية بتنفيذ حزمة من الإصلاحات الهيكيلية على الصعيد الاقتصادي وتطبيق آليات الحوكمة المستندة إلى الشفافية، ولكن لازال الجميع محلك سر. والواقع أن طلب الدعم من صندوق النقد الدولي دون وجود خطة وطنية محددة المعالم من شأنه أن يُخضع البلاد لخطة خارجية تدخلية قد تثقل كاهل الداخل اللبناني، وحينها يمكننا ان نقول أن أشد المواطنين فقرا سوف يدفعون ثمن ما اقترفه مصرف لبنان في حق ذلك البلد إلى جانب العواقب الوخيمة التي ستحل على الاقتصاد بوجه عام.
وإليكم بعض المحددات التي يجب تسليط الضوء عليها لإصلاح بعض جوانب الأزمة المالية / الاقتصادية في لبنان:
1- لابد من إعادة هيكلة العلاقة بين مصرف لبنان المركزي والمصارف الأخرى، وإصلاح كافة العيوب في النظام المصرفي بوجه عام.
2- العمل على سداد الدين العام والذي يقدر بـ 110 مليار دولار (91 مليار للديون السيادية و20 مليار دولار ديون مصرف لبنان).
3- الالتزام بالمصداقية في كافة الإجراءات البنكية والعمل على استعادة الأرصدة المفقودة من ودائع المواطنين والتي تتراوح ما بين 40 إلى 50 مليار دولار.
4- العمل على زيادة حجم الناتج الإجمالي المحلي وتطوير البنية التحتية.
ويمكن إيجاز العلاقة بين كل من مصرف لبنان والمصارف الأخرى والاقتصاد بوجه عام في تلك السطور القليلة القادمة:
أخذ مصرف لبنان على عاتقه مهمة سد عجز الموازنة العامة للدولة المقدر بـ 91 مليار دولار. وفي ظل تراجع الثقة في الاقتصاد اللبناني وإحجام المستثمرين عن ضخ أموالهم إلى المصارف الوطنية، فقد عمد المصرف المركزي وسارت على دربه المصارف الأخرى إلى شراء معظم سندات الخزينة العامة وسندات اليورو التي تعرضها وزارة المالية، كما قام مصرف لبنان باقتراض مبلغ 20 مليار دولار من البنوك الاخرى لسداد الفوائد المستحقة على الدين وتغطية العجز في كل من الميزان التجاري الدولي، والعملة الأجنبية (الدولار).
وفي ضوء المعلومات القليلة المتاحة، فإنه يمكن تقدير إجمالي الدين الحالي على النحو التالي (في نهاية عام 2019)
– البنوك / ليرة لبنانية: 17.0 مليار دولار
– البنوك / دولار أمريكي: 13.6 مليار دولار
– مصرف لبنان/ ليرة لبنانية: 33.7 مليار دولار
– مصرف لبنان/ دولار أمريكي: 5.7 مليار دولار (سندات اليورو)
– مصرف لبنان/ دولار أمريكي: 19.1 مليار دولار (شهادات الإيداع)
– محلي/ ليرة لبنانية: 7.2 مليار دولار
– سندات اليورو الأجنبية: 14.4 مليار دولار
إجمالي الدين 110.7 مليار دولار ، منها 13 ٪ فقط خارج نطاق الاختصاص القضائي الوطني.
فخامة الرئيس،
أود أن أخبركم بأن الجانب المحزن من القصة يتلخص في أن ديون الدولة اللبنانية كان يتم سدادها على مدى العقود القليلة الماضية من أموال المودعين ودون الحصول على تصريح منهم بذلك مما يعد انتهاكا تاما لكافة الأعراف الدولية وقواعد الحوكمة السليمة. لقد تمكن مدراء البنوك والمساهمين من جني أرباح تصل إلى 80 مليار دولار على حساب المواطن العادي مع تجاهل كافة الالتزامات الائتمانية وتعمد تضليل المودعين. مما يمكن معه القول بأن رؤوس النظام المصرفي في لبنان قد تمتعوا بالثراء وتركوا للمواطن اللبناني مهمة تحمل الأعباء.
ومنذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في 17 أكتوبر الماضي، فقد عمدت البنوك إلى تطبيق مجموعة من الإجراءات الغير قانونية بهدف حماية النظام المصرفي على حساب العملاء والمواطنين.
– أغلقت المصارف أبوابها لمدة أسبوعين متواصلين بينما كانت الضغوط الدولية تمارس من أجل محاولة مساهمة النظام المصرفي اللبناني في تهدئة الأوضاع المشتعلة في الداخل.
– فرضت البنوك قيودا على السحوبات الشخصية لصغار المودعين بينما سمحت بسحب أكثر من 16 مليار دولار لجهات وكيانات غير معروفة، والتي على الأرجح قامت بتحويل أموالها إلى الخارج.
– قام مصرف لبنان بتخفيض الفوائد المستحقة على الودائع بحوالي 8٪ ، مع السماح بتخفيض الفائدة على سداد الديون بنحو 3.6٪ ، مع الاستمرار في دفع نفس سعر الفائدة على ديونه للبنوك الأخرى. مما يمكن ترجمته في صورة تقديم هدية مجانية للبنوك بقيمة تتجاوز 8 مليارات دولار أمريكي سنويًا دون أي فائدة ملحوظة تعود على الوطن اللبناني.
– وقد ذهب مصرف لبنان إلى أبعد من ذلك من خلال اقتراح قانون يضفي الشرعية على التدابير الغير قانونية التي تتخذها البنوك مع التظاهر بأنه ليس له اختصاص على أنشطة الصرافة.
– لم يتخذ مصرف لبنان موقف واضح تجاه قيام البنوك ببيع سندات اليورو إلى صناديق أجنبية.
وفي ضوء الطرح السابق، فإنه لا يمكن التسليم بأن مؤسسة كمصرف لبنان والمكلفة بحماية النظام المصرفي سوف تتمكن من المساهمة في حل الأزمة المالية العصبية التي تعصف بالوطن، فمن الواضح أن ثمة صفقة خفية بين مصرف لبنان المركزي والبنوك الأخرى تقوم على أساس قيام الأول بالاقتراض من تلك البنوك لتغطية عجز الموازنة العامة مع اليقين التام بأن هناك فرصة ضعيفة لإعادة الأموال إلى أصحابها (المودعين)، وهذا هو جوهر الإهمال والتقصير في حق الشعب اللبناني.
وبناء على ما تقدم، فإننا نوصي باتخاذ التدابير التالية بهدف إنقاذ الوطن اللبناني من الأزمة الراهنة:
– لابد من إصدار قرارات عاجلة تمنع البنوك من بيع سندات اليورو لجهات أجنبية.
– إلغاء جميع القيود على سحوبات رأس المال على الـ 50.000 دولار الأولى من الودائع، وهذا من شأنه التخلص من جميع القيود المفروضة على نحو 93 ٪ من اللبنانيين والحد من التوترات. وفي أسوأ الظروف ، حتى لو تم سحب جميع الأموال ، فإذا كان المبلغ الإجمالي المتبقي أقل من 25 مليار دولار فإنه يمكن تغطيته من احتياطيات مصرف لبنان المركزي.
– إنشاء هيئة قضائية مستقلة تختص بمراقبة أداء مصرف لبنان، وحاكمه رياض سلامة، وإدارة البنوك الأخرى.
– التحقيق في الصفقات المشبوهة التي أجراها حاكم مصرف لبنان والإجراءات غير القانونية التي قام باتخاذها والتي تؤشر على نوع من التواطؤ بينه وبين مؤسسات أخرى.
– تعيين حاكم مؤقت وتعيين فوري للنواب الأربعة الشاغرين.
– إلغاء قانون السرية المصرفية والذي يوفر حماية وحصانة تامة فقط للسياسيين والمسؤولين الفاسدين في الحكومة.
– التأميم المؤقت للبنوك ، على غرار ما قامت به المملكة المتحدة في عام 2008. في حين أن بعض الناس يطالبون فقط بإعادة رسملة البنوك ، فإن هذا لن يكون كافياً لأنه لن ينجح في التصدي للتصرفات الغير مسئولة من البنوك والنتائج المترتبة على سوء إدارتها. إن تأميم البنوك لمدة تتراوح ما بين 6 إلى 12 شهرًا سيتيح لـ مصرف لبنان التخلص من جميع الديون السامة والتي لديها فرصة ضئيلة لتعويض سعر الفائدة، وتعويض الميزانية العمومية لكل من مصرف لبنان والبنوك الأخرى وإعادة هيكلة البنوك قبل بيعها للمستثمرين الدوليين وعرض الأسهم على المودعين المتضررين من الإجراءات التي اتخذتها البنوك. هذا التأميم المؤقت يعد ضرورة حتمية لأنه يحمي أموال المودعين ويسمح بخفض الدين الوطني من 110 مليارات دولار إلى أقل من 40 مليار دولار. كما أنه يعمل على استعادة الثقة في النظام المصرفي.
– بعد شطب جميع الديون المحلية (ما يقرب من 60 مليار دولار أمريكي) و 20 مليار دولار أمريكي في شهادات الإيداع ، ينبغي للحكومة ، بمساعدة من لازارد وكليري غوتليب ، التركيز على إعادة هيكلة سندات اليورو على مدار 20 عامًا مع كوبون بنسبة واحد في المائة . سيؤدي هذا إلى خفض مدفوعات خدمة الدين السنوية إلى أقل من 2 مليار دولار. ويمكن استبدال ذلك فيما بعد بالسندات البترولية.
– بالنسبة لقطاع الكهرباء، لابد من القيام بتعزيزه وذلك بإضافة 1.6 جيجاوات على النحو التالي:
800 ميجاوات عبر الطاقة الشمسية / طاقة الرياح باستخدام محطات جديدة في جميع أنحاء البلاد .
800 ميجاوات عبر محطتين جديدتين تعملان بواسطة حقول الغاز الموجودة على الساحل.
تطوير كل من جيه، و زوك، وهريشيش وتحويلها من محطات تعمل بزيت الوقود الثقيل إلى محطات تعمل بالغاز.
شراء عدد واحد ناقل للغاز الطبيعي المسال والمصمم كوحدة تخزين للطاقة.
تطوير آليه التحصيل باستخدام العدادات الذكية مع خفض قيمة الفواتير على المواطنين الفقراء.
وعليه فمن المتوقع أن يتراوح التأثير السنوي التراكمي لكافة التدابير الإصلاحية في قطاع الكهرباء ما بين 3 إلى 4 مليارات دولار في غضون سنتين إلى ثلاث سنوات كحد أقصى.
– يجب تطهير قطاع الاتصالات من كافة التجاوزات والممارسات الغير قانونية مما يمكن الدولة من استرداد ما لا يقل عن 500 مليون دولار إلى واحد مليار دولار أمريكي سنويًا.
– يجب القيام بعملية فلترة للموانئ وفرض قوانين صارمة على تحصيل ضريبة الدخول على الحدود مما يدر على الدولة أكثر من مليار دولار سنويًا.
– لابد من تطوير القوانين والأكواد الضريبية الخاصة بإدارة الأملاك البحرية مما يسهم في تخفيف الأعباء على المواطنين الفقراء ويوفر مصدرا جديدا للدخل بواقع مليار دولار سنويا.
وبعد تقديم المقترحات السابقة معالي الرئيس، فإذا توافرت إرادة سياسية حقيقية لتنفيذ تلك التدابير المطروحة سلفا ، فإننا نعتقد أن الوضع الاقتصادي / النقدي في لبنان سوف يشهد تحسنا ملحوظا في عام 2020 ، وبحلول عام 2023 ستتوفر للدولة اللبنانية ميزانية تزيد عن 3 – 8 مليارات دولار سنويًا ، مما يمكن الدولة من الاستثمار في تطوير مشروعات البني التحتية وإنشاء المستشفيات الجديدة والمدارس والجامعات وخلق فرص العمل ، مما يمنح بارقة أمل جديدة للمواطنين المثقلين بالهموم
وحينئذ يمكننا أن نطلب من صندوق النقد الدولي و سيدر في أواخر عام 2020 الحصول على حزمة من المساعدات الدولية بقيمة 25 – 30 مليار دولار دون الوقوع تحت طائلة إجراءات صارمة أو تدخلية في الشأن اللبناني. وسيتم توظيف هذه الأموال للمساعدة في إعادة رسملة البنوك ، ولتنمية الاقتصاد الوطنى وتطوير البنية التحتية من خلال الاستثمار في مجالات الزراعة والسياحة والنقل والصناعات الخفيفة وتكنولوجيا المعلومات، مما يمنح الأجيال الجديدة المنصة الآمنة والأرضية الصلبة التي يمكنهم من خلالها إطلاق العنان لإبداعهم.
المودعون والخصم القسري للدين
ومن التأثيرات المترتبة على شطب مبلغ 80 مليار دولار من الدين العام لدى البنوك أيضا :
– نحو 20 إلى 50 % من ذلك المبلغ يتمثل في بعض المدخلات الحسابية البسيطة للفائدة المستحقة.
– تبلغ حصة المساهمين في البنوك حوالي 20 مليار دولار ويمكن استخدامها لتعويض بعض الخسائر. وقد لا نعرف المقدار الفعلي لتلك الأسهم النقدية ، لكننا سنستخدم ما نجده ، بالإضافة إلى عائدات إعادة بيع البنوك المدمجة (حوالي 10 بنوك ضخمة).
– تبلغ قيمة ودائع البنوك خارج لبنان ما يقرب من 7 مليارات دولار ويمكن الاستعانة بها أيضا وكذلك الأصول الأجنبية.
– لازال مصرف لبنان يحتفظ بنحو 29 مليار دولار في صندوق الاحتياطي النقدي الخاص به بما في ذلك الاحتياطات الخاصة بمتطلبات رأس المال.
– بمجرد أن تهدأ الاوضاع، نتوقع أن تحدث فجوة بواقع 20 مليار دولار والتي يمكن تعويضها من خلال فرض خصم قسري على الدين في صورة انتقائية على الحسابات التي تجاوزت قيمتها 500.000 دولار أمريكي على مدار الخمس سنوات الماضية، وفي تلك الحالة فمن المتوقع أن يؤثر هذا الإجراء على نحو 3 بالمائة من المودعين فقط.
وختاما وبكل الاحترام لمعاليك سيدي الرئيس، أود أن أقول بأن مستقبل الجمهورية اللبنانية بات معلقًا في الأساس على تصرفات الحكومة خلال الأشهر القليلة المقبلة. إن ما نقترحه يتطلب إرادة سياسية وتصميمًا. مستقبل أطفالنا وأمتنا وديمقراطيتنا على المحك. نحن على ثقة من أنك تؤثر مصالح لبنان الحبيبة اوتحمل لها مكانة خاصة وأولوية في قلبك وسوف تساعدنا في خروج تلك التدابير إلى النور وإدخالها حيز التنفيذ.
المخلص لكم دائمًا
سامر سهاد سلامة
بتدين اللقش
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا