رغم نبرة التوافق الصادرة عن الاجتماع الأخير لزعماء دول مجموعة العشرين، إلا أن ثمة نوع من المخاطرة يتجلى في السرعة التي عمدت من خلالها الدول المشاركة إلى إصدار بيانات بشأن بعض القضايا والموضوعات الهامة والتي قد تتطلب المزيد من التروي من أجل معالجتها والاستقرار على رؤية منطقية هادفة تجاهها، وبخاصة في ظل التمايز الواضح بين الدول في وجهات النظر والمواقف تجاه العديد من القضايا الخلافية.
وقد تمكن زعماء العشرين من التوصل إلى اتفاق مشترك بشأن عدد من القضايا العالمية المُلحة، كالاقتصاد العالمي وأزمة التلوث البلاستيكي، إلا أنه فيما يتعلق بقضية تغير المناخ، فقد فشلت الدول المشاركة في التوصل إلى بيان مشترك بشأنها مما أدى إلى خروج قمة أوساكا عن المسارالمحدد خلال اليوم الأول من انعقادها.
وتعليقا على نتائج قمة أوساكا الأخيرة، قال البروفسور جون كيرتون الباحث بجامعة تورينتو الكندية، بأنه يمكن وصف القمة الأخيرة لدول العشرين باعتبارها (النجاح المستدام) وذلك لنجاحها في إقرار صيغة توافقية بين الدول بشأن العديد من القضايا الهامة، كمستقبل التجارة العالمية وآلية الحفاظ على سلامة البيئة وحفظ الأمن العام، إلا أن التحدي الأكبر قد تجلى في عدم استطاعة الدول المشتركة التوصل إلى اتفاق موحد بشأن قضية تغير المناخ.
وفي بيان له بعد ختام أعمال القمة، قال رئيس وزراء اليابان شينزو آب، إن القمم السابقة لمجموعة دول العشرين كانت تعقد على مدار سنوات متفرقة، الأمر الذي كان يتيح الفرصة أمام السياسيين والدبلوماسيين وممثلي الهيئات غير الرسمية كالمؤسسات العمالية وغيرها، من أجل التفاوض مع منظمات المجتمع المدني في كل دولة والتوصل إلى حلول مقترحة لعدد من القضايا الخلافية المطروحة على الساحة العالمية.
متابعا أنه بالنظر إلى القمة السابقة لدول العشرين والمنعقدة منذ سبعة أشهر بمدينة بينوس آيرس، فقد اشتملت الأجندة الخاصة بها على عدد من القضايا الهامة أيضا، كالتجارة الحرة وتغير المناخ والصحة العالمية وتمكين المرأة.
وبعد انقضاء نحو شهر على قمة بينوس آيرس، أعلن آب عن استضافة دولته للقمة التالية، وذلك خلال بيان له في المنتدي الاقتصادي العالمي، مؤكدا على أن قضية (التحكم وإدارة البيانات) سوف تتصدر أعمال القمة، وذلك استنادا لما أعلنته منظمة التجارة العالمية عن حرية تدفق البيانات والتصدي لكافة محاولات حجب البيانات من قبل بعض الدول.
كما أشار آب إلى ضرورة خضوع البيانات المتعلقة بالأمن القومي والملكية الفكرية لكل دولة، لنوع من الرقابة المشددة، هذا في الوقت الذي يجب فيه تسهيل حركة تدفق البيانات المتعلقة بالأنشطة الصناعية والتجارية بين الدول، مما يحقق مفهوم عولمة البيانات أو البيانات العابرة للحدود.
ويعتقد بعض المحللين بأن الضغوط التي شهدتها اليابان على الصعيد السياسي خلال الأشهر الأخيرة والمتعلقة في الأساس بالانتخابات الوطنية التي أجريت في شهر أبريل الماضي، لم تمنح اليابان فرصة كافية لمساعدة دول العشرين على التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا المطروحة على الأجندة الخاصة بأعمال قمة أوساكا الأخيرة.
ومن ناحية أخرى فإن فشل دول مجموعة العشرين في الاتفاق حول قضية التغيرات المناخية قد يعزو إلى بعض الأسباب الأخرى، مثل الانسحاب الوشيك للمملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، والانسحاب الفعلي للولايات المتحدة الأمريكية من اتفاقية المناخ الموقعة في باريس 2015 والتي نصت على التزام كل الدول المشاركة بالمساهمة في خفض درجة حرارة كوكب الأرض بمعدل 1.5 درجة مئوية خلال القرن الحالي.
ولم يتضمن البيان المشترك الصادر عن قمة أوساكا أية إشارة إلى الاتفاق المسبق بين دول العشرين والذي نص على الالتزام ببنود اتفاقية المناخ 2015 ومحاربة الحمائية أو التصدي لظاهرة الاحتباس الحراري، الأمر الذي رفضته الولايات المتحدة الأمريكية، والتي أعلنت فقط عن مجرد التزامها بتخفيض أنشطتها المتسببة في الانبعاثات الغازية الضارة.
ومن ناحية أخرى فإن نجاح دول مجموعة العشرين في الاتفاق حول الأطروحة التي قدمها رئيس الوزراء الياباني حول حرية تداول البيانات الرقمية والتي أطلق عليها اسم “مسار أوساكا” يعد بمثابة دفعة قوية للمباحثات الأمريكية الصينية حول مستقبل التجارة العالمية بهدف إقرار التنمية المستدامة بحلول عام 2030
إلا أن هناك بعض القيود التي قد تحول دون تسهيل حركة تداول البيانات بين الدول والتي تتعلق بالأطر التشريعية الخاصة بكل دولة، وبخاصة أن الأطروحة التي قدمها آب قد قوبلت ببعض الرفض والتشكيك من قبل كل من الهند وجنوب أفريقيا والصين، والتي تصر كل منها على إحكام سيطرتها المطلقة على نظم التحكم وإدارة البيانات ورفض مصادر البيانات المفتوحة.
وفي الوقت ذاته لابد من الاعتراف بجهود اليابان في مساعدة دول العشرين على التوصل إلى صيغة موحدة بشأن اتفاقية مكافحة التلوث البلاستيكي، حيث تضمن البيان الختامي لأعمال قمة أوساكا تعهدات من جميع الدول المشاركة بالتصدي لظاهرة تلوث المحيطات وانتشار النفايات البلاستيكية التي تهدد جميع ملامح الحياة البحرية بهدف تخليص العالم تماما من آثار تلك النفايات بحلول عام 2050
ويعتقد آب أن الرؤية الشاملة التي توصلت إليها دول العشرين بخصوص قضية النفايات البلاستيكية، لا يمكن أن تتحقق على صعيد هذا النطاق المحدود من دول العالم فقط، مؤكدا على نية بلاده لتقديم الدعم للبلدان النامية أيضا من أجل المساهمة في تخليص العالم كافة من الملوثات البلاستيكية.
وهناك فريق من الخبراء ممن يعلقون فشل قمة أوساكا على شماعة المواقف السياسية للدول، وبخاصة في ظل توتر الأوضاع مؤخرا بين كل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية بعد انهيار المحادثات التجارية بين الجانبين، هذا في الوقت الذي عارضت فيه بعض الدول الأوروبية والآسيوية والمنظمات الغير رسمية، موقف آب واليابان حول الاتفاق بشأن القضايا الخلافية كالتغيرات المناخية والتجارة الدولية، والذي اعتبرته مواليا للولايات المتحدة ومراعيا للمصلحة الأمريكية بوجه خاص.
رابط المقال الأصلي:
اضغط هنا