الاقتصاد العالمي دخل حالة عدم اليقين الاستثنائي | د. محي الدين الشحيمي
نحن في حرب شرسة حاليا لقد تبدل مفهوم الحروب وتغير شكلها من التقليدي نحو النوعي من المرئي الى غير المرئي , حيث التطور نحو الشراسة ليس فقط في المواجهات التقليدية والساحات التاريخية بل تخطى ذلك بانتقاله من مرحلة الماكرو الى الميكرو والمجهريات , حيث تعتبر الفيروسات والجراثيم جزءا اساسيا من هذه الهجمات ورافدا لهذه الحروب .
لقد تحول العالم ببرهة من الزمن التدريجي وبشكل غير متوقع الى جبهات مقسمة ومنعزلة تغذوها كل النوايا القومية والتعصبية والتي لا تمت الى الانسانية بصلة ولا للظرف الراهن بأي قرينة , مكبلة المجتمع العالمي بحالة من الخوف وحتى من الذات ,لقد انكشف العالم على حالة الضعف والتفكك رغم محاولات التعاضد والتكاتف الانساني حيث الحذر لا يكفي فقط , كل ذلك عوضا عن هجمات ذات الدائرة الكبرى الكلاسيكية كالحرب جبهة واحدة ، اصبحت الحرب مقسمة على دوائر وفقاقيع صغيرة وموزعة ، فاذا تم جمعها لشكلت تلقائيا الساحة الشاملة والدائرة الكبرى للحرب وتلك هي الفقاعة الحاسمة مع فارق واحد وهو ان الخصوم والاعداء في الحرب التقليدية حاضرين بوضوح .اما في حربنا هذه لا شئ واضح حيث الكل يهاجم والكل يدافع بحالة ضياع ، ولا يوجد اي رابح , سوى المحرك والناظم لكل هذا الوقائع .
انقشعت هشاشة المجتمع الدولي والانساني , واقترب ما كان في الافق عن ضعف للاقتصاد العالمي والنموذج المسير لاعمالنا , هناك بوضوح خفض عالمي للفوائد في معظم المصارف المركزية يعني هناك ارتفاع اضافي في الاسعار. تاليها ارتفاع للاسهم يعني هناك مؤشر في انفلاش حالة التضخم بشكل متمادي اكثر. بالاضافة الى وجود تلازم لاستمرارية الانكماش الغير الطبيعي مع معدلات لارتفاع المديونية والزيادات في نسبة البطالة وهذا يعني ان قيمة العملة سوف تنخفض اكثر .
لقد بتنا على مقربة من أزمة كساد نتيجة القيود المتصاعدة على التنقل والعمل والأعباء المستجدة حاليا وخصوصا لمكافحة الوافد العالمي الخطير المقلق والغير المرحب به مطلقا والذي طوق العالم وادخله بحالة هيستيريا وعصبية يغلب عليها الطابع الفوضوي والاستهتاري والعبثي حيث لم يعترف العالم بخطورة هذا الوباء منذ اللحظة الاولى وهنا مكمن الخطأ والفخ , حيث تمكن هذا الفيروس من خلق حالة من التشنج والشلل في العلم مقسما للحدود وفارضا العزلة التامة , حيث العزلة الانسانية والاقتصادية والتجارية والتربوية , فالعالم كله دخل حالة الحجر ولو بشكل تدريجي وهذ الحجر سوف يطال السياحة الاقتصاد والتجارة والمختلف النشاطات الانسانية العالمية وحتى اللانسانية فهناك شبه توقفت المعارك وحالات الاقتتال وكأن الحجر طال الحرب , حيث المقصود من اتخاذ القرار جماعي لخفض الفوائد هو اساسا دعم الأسواق المالية مباشرة من خلال تحفيز ورفع تقييم الأصول الاستثمارية وحمايتها بشكل جدي وعملي وبشكل الأسهم والتي انخفضت بنسب مرتفعة خلال الأسابيع الماضية.
حيث بات على العالم وبشكل ملزم أكثر من قبل , بأن يركز على الأضرار التي بدأت تصيب الأسواق الناشئة نتيجة الانحسار المفاجئ للتدفقات المالية الأجنبية وان يحد منها باتباع الخطط المكافجة السريعة والمدى القصير ,اذ اننا اقتربنا كثيرا من حالة “التوقف المباغت” للنشاطات العالمية التجارية وتداولات البورصة والتدفقات المالية الشاملة والاجنبية , منها بشكل خاص والتي تتغذى منها الأسواق الصاعدة واليافعة نسبيا ضمن خانة في طور النشوء , حيث تعتبر من أقصى وأشد النتائج الفورية لتقليص النشاطات الاقتصادية في العالم والتي سوف تقودنا عالميا الى حالة من الركود .
لقد أضحى العالم محاطا بدائرة خبيثة من التأثيرات المرتدة بين قطاعات مختلفة والتي بدأت عواقبها الوخيمة تظهرعلى أرض الواقع , حيث باتت الاقتصادات العالمية امام مدخلها الوحيد والمصيري لحالة من الركود العميق , والذي سوف ينعكس على حالة من التباطؤ الشديد في نمو الاقتصادات الصاعدة , مع ضعف التصاعدي في النمو العالمي والذي سوف يجهض طفرة اسعار السلع الاولية والضرورية , حيث حالة عدم اليقين الاستثنائية هي المسيطرة على آفاق الاقتصاد العالمي مع ميل واقتراب الى السيناريو السلبي يوما بعد يوم , والمطلوب بشكل ضروري للانقاذ لا يقل عن توليفة من المبادرات والجهود التكاملية على مستوى السياسات العالمية لاذكاء روحية النشاط الاقتصادي والنظام الانساني والتزام القانوني من جديد .