إقتصاد

هل يُنقذ البتكوين اقتصاد ايران؟

للأشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

البيتكوين.. الاستراتيجية الإيرانية الجديدة للتحايل على العقوبات الاقتصادية
بالرغم من حجم الضرر الكبير الذي ألحقته العقوبات الاقتصادية الأمريكية بالاقتصاد الإيراني والذي تقلص بنسبة 10 إلى 20 بالمائة على مدار العاميين الماضيين، إلا أن العقلية الإيرانية قد سارعت إلى الاعتماد على البتكوين أو العملات المشفرة بوجه عام من أجل التحايل على الصعوبات النقدية الناجمة عن الوضع الاقتصادي المتأزم، حيث تتمكن تلك العملات الافتراضية من التهرب من كافة الحواجز القانونية بالرغم من جهود المنظمين الدوليين لمحاولة تقنينن استخدامها إلا أنه من الواضح أن صناعة تلك العملات المشفرة قد أثبتت قدرتها على تحدي منفذي العقوبات.
لطالما كانت الحكومة الإيرانية مهتمة باستخدام العملات المشفرة لدعم التجارة الدولية خارج النظام المصرفي التقليدي. وفي يوليو 2018 ، أعلنت إدارة الرئيس حسن روحاني عن نيتها إطلاق عملة تشفير وطنية ؛ بعد شهر واحد ، حددت وكالة أنباء تابعة لبنك إيران المركزي ميزات متعددة للعملة الوطنية المشفرة ، قائلة إنها ستكون مدعومة بالريال – العملة الوطنية الإيرانية- كما قام البنك المركزي بالإفصاح عن العديد من مشاريع blockchain لتطوير التكنولوجيا الأساسية للعملات المشفرة، في مؤتمر تكنولوجيا المدفوعات الرقمية العام الماضي ، أحدها تم اختباره بالفعل من قبل أربعة بنوك إيرانية (ثلاثة منها تخضع لعقوبات).
والجدير بالذكر أن العملات المشفرة تعتبر من الأمور المتعارف عليها بين مواطني إيران، حيث وصفها البعض منهم بكونها السبيل الوحيد للحصول على اموال في إيران. وقد ازدهرت الأنشطة الخاصة بتعدين العملات المشفرة خلال الآونة الأخيرة وبخاصة في ظل الانخفاض الملحوظ لسعر الكهرباء وانخفاض قيمة الريال الإيراني في عام 2018. والتعدين هو عملية حسابية معقدة تستهدف إنتاج العملات المشفرة وإتمام وتوثيق عمليات تبادل العملات بين الأطراف المختلفة. وفيما يبدو أن الحكومة الإيرانية قد أدركت قيمة التعدين كقطاع اقتصادي.ففي شهرأغسطس 2019 وبعد شهر من القمع الشديد لنشاط التعدين بسبب إساءة استخدام الكهرباء الرخيصة ، أصدر مجلس الوزراء لائحة تعترف بالتعدين كقطاع قانوني في الاقتصاد.
ومن المثير للاهتمام، أن نشاط العملات المشفرة في إيران قد لفت أنظار بعض الدول الأخرى التي أبدت رغبتها في التعاون عبر منصات البلوكتشين. ففي عام 2017 ذكر أن السويد سمحت لبعض الشركات المحلية الناشئة بالبدء في الاستثمار في أسواق الأسهم الإيرانية باستخدام البيتكوين. وفي نوفمبر 2018 وقع العاملون في مجال صناعة تكنولوجيا البلوكتشين في كل من روسيا وإيران اتفاقية مشتركة لتطوير صناعة البلوكتشين في إيران بهدف التغلب على التحديات الناجمة عن العقوبات الاقتصادية.
وفي عام 2019 ، أجرت منظمة ترويج التجارة الإيرانية مفاوضات حول استخدام العملات المشفرة في معاملات مالية مع ممثلي ثماني دول ، بما في ذلك سويسرا وجنوب إفريقيا وفرنسا وإنجلترا وروسيا والنمسا وألمانيا والبوسنة والهرسك. في عام 2016 ، وفقًا للاتفاق النووي الإيراني ، رفعت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي العقوبات عن إيران حيث أطلق الاتحاد الأوروبي مؤخرًا Instex ، وهي آلية مالية لدعم التبادل التجاري بين أوروبا وإيران.
ومع ذلك لا تزال هناك بعض العقبات قبل أن تتمكن إيران من الاستفادة الكاملة من قوة العملات المشفرة. حيث تتقلص المساحة الخاصة بإمكانية عدم الكشف عن هوية الأطراف التي تقوم بالمعاملات المالية باستخدام العملة المشفرة أو التعريف الرسمي للعملاء من خلال الامتثال لعملية التحقق من العملاء المعروفة بـ “اعرف عميلك” أو (KYC) والتي يزداد الاتجاه نحو تفعيلها عالميا يوما بعد يوم.
وفي عام 2018 ، أضاف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية شخصين إيرانيين وعناوين البيتكوين الخاصة بهما إلى القائمة السوداء. حيث أثبت التحليل الجنائي الذي أجرته وزارة الخزانة ، أنه قد تم إجراء أكثر من 7000 معاملة بيتكوين بقيمة ملايين الدولارات من خلال هذه العناوين. فبصرف النظر عن النشاط الإجرامي المحتمل وراء تلك المعاملات مثل قضية طريق الحرير والعديد من عمليات الاحتيال ، فإن استخدام العملة المشفرة من قبل أنظمة مثل فنزويلا وإيران كان أحد العوامل الدافعة للتنظيم الشديد للقطاع.
ومن التحديات الأخرى التي قد تواجه صناعة العملات المشفرة في إيران، هو التزام العديد من الدول للضوابط والمعايير الخاصة بقاعدة “اعرف عميلك” والتي تم فرضها على جميع مزودي الخدمة الافتراضية والتي تتطلب منهم أيضا تطبيق “قاعدة السفر” والتي تلزم جميع صانعي العملات المشفرة بضرورة الإبلاغ عن المعلومات والعمليات المشبوهة. ولكن هذه القاعدة تستثني إيران فعليا من عمليات تبادل العملات الرئيسية مما أدى إلى المقاربة بين سوق التشفير الإيراني والبورصات المحلية الأمر الذي أفقد إيران قدرتها التنافسية في هذا المجال. ومن ناحية أخرى فإن ارتفاع بعض التكاليف الأخرى الخاصة بعمليات التعدين بعيدا عن الكهرباء مثل توفير التجهيزات والمعدات التقنية يعد من أهم التحديات التي تواجه تلك الصناعة إلى جانب المستقبل التنظيمي الغامض الذي ينتظر صناعة العملات المشفرة في إيران.
وبالرغم من هذه التحديات ، هناك تطورات جديدة في عالم العملة المشفرة التي قد تتيح إمكانيات جديدة للحكومة الإيرانية والشعب الإيراني للتهرب من العقوبات. أحد التطورات المهمة هو قيام البنوك المركزية بإصدار النقود الرقمية الأصلية. تعمل الصين وروسيا بشكل خاص في هذه المشاريع منذ فترة ، ومن المتوقع إطلاق العملة السيادية الصينية أو “اليوان الرقمي” هذا العام. وتعمل تلك المشروعات على سلاسل خاصة لا توفر إمكانية تتبع للبلدان الخارجية بالطريقة التي تعمل بها شبكة البيتكوين. وبالتالي فإن هذه الأدوات لا تزال خارج نطاق الهيكل المالي العالمي الحالي بقيادة الولايات المتحدة. مما يمكن الدول الراغبة في التعاون مع إيران من فتح منافذ للمعاملات الثنائية بسهولة من خلال استخدام هذه العملات السيادية.
ومن الأنظمة التي تبشر بمستقبل واعد لصناعة العملات المشفرة في إيران، نظام “التمويل اللامركزي” أو DeFi وهو نظام مفتوح المصدر يعتمد على تقنية البلوكشين التي تركز على تقديم الخدمات المالية التقليدية، مثل الإيداع والإعارة والتداول، للمستهلكين على منصة شفافة ومقاومة للرقابة ودون وسطاء. وبالتالي ففي ظل ما تواجهه إيران حاليا من ارتفاع قياسي في معدل التضخم منذ عام 2019 ، يمكن من خلال DeFi ، أن يقوم الإيرانيين بالاقتراض من الأسواق العالمية بأسعار أقل بكثير من تلك الموجودة داخل إيران. كما يمكن أن تساعد الاستفادة من التبادلات اللامركزية على تحويل العملات المشفرة إلى أوراق مالية من خلال قنوات لا يمكن التحكم فيها بشكل فعال من قبل المنظمين الخارجيين. حيث أن الطبيعة اللامركزية لهذه المنصات تجعل من الصعب تنظيمها بفعالية وإخضاعها للإشراف والمراقبة مثل التبادلات المركزية.
إلا أن نظام DeFi لا يخلو من التحديات أيضا، فهولا يمكنه توفير قدر عال من السيولة مثلما الحال في الأنظمة المركزية، حيث تقدر القيمة السوقية الكاملة له بـ 430 مليون دولار مما يصعب معه إتمام بعض أنواع الصفقات التي تحتاج إلى رؤوس أموال تتراوح ما بين 10 و20 مليون دولار. ومن المتوقع أن تفرض الحكومة الإيرانية عقوبات صارمة على مستخدمي DeFi من أجل منع هروب رؤوس الأموال إلى الخارج.
وأخيرا فعلى ما يبدو أن إيران قد أدركت تماما أن العملات المشفرة هي من أهم سبل تحدي وتخريب البنية المالية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة. ومن المتوقع أن تسعى الحكومة الإيرانية جاهدة لاستغلال كافة الثغرات الموجودة في التنظيم المالي العالمي ، وهو ما يمكن أن نطلق عليه “الاستراتيجية الإيرانية في مواجهة العقوبات الاقتصادية”.
رابط المقال من المصدر اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى