دوليقراءات معمقة

عَالَمٌ بلا قيادة في مُواجَهَةِ عَدُوٍّ مَجهول | بيار الخوري

للأشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

أوائل العام الماضي، كَتَبَ جو لاينن وأندرياس بوميل من “منظمة ديموقراطية بلا حدود” حول الحاجة إلى حكومة ديموقراطية عالمية. كان ذلك قبل جائحة “كوفيد -١٩” وتداعياتها المُستمرّة.

نَشَرَت المُرافَعة عن حكومة العالم الدورية العلمية “كادموس”، وهي تنطلق من عَولَمة التدفّقات النقدية واختراقها للسيادات الوطنية في الوقت الذي ينزع العالم، بفعل قوة سيطرة هذه التدفقات، إلى المساومة على البيئة والنظام الإيكولوجي في ظل الخطر الداهم لاندلاع حرب عالمية جديدة مدفوعاً بالنزاع بين الأمم الكبرى.

منذ أسبوع نشر البروفسور مارك كوكلبرغ من جامعة فيينا أطروحةً مُتّصلة، أعادت نشرها “ديموقراطية بلا حدود”، تؤكد الحاجة إلى حكومةٍ عالمية حيث يعتبر الكاتب فيها أننا نواجه اليوم أزمات جديدة وأزمات عالمية. واحدة منها أزمة المناخ، التي سيكون لها تأثيرٌ كبير على مستقبل مجتمعاتنا وإنسانيتنا. “إنها لحظة جيدة للدفع باتجاه الخطوة التالية بعد العالمية: الحَوكَمة العالمية بعدما تسبّبت القومية غير المُقيّدة بأضرار كافية بالفعل”.

وبالنسبة إلى كورونا، يُحاجج الأكاديمي أنه أصبح من الواضح أنه في مواجهة جائحة ذات أبعاد عالمية، فمن غير الفعّال وخطير للغاية ترك السياسة للدول القومية. لا تعرف الفيروسات حدوداً، وحتى إذا كان هناك ردّ فعل مفهوم لإغلاق الحدود، والتراجع إلى أراضي كل أمّة، فليس من المنطقي أن يقوم بعض البلدان فقط بذلك ولا تفعل بلدان أخرى بالمثل – أو تتصرف في وقت متأخر بعد ذلك بكثير.

منذ نصف شهر تحدّث غوردون براون، رئيس حكومة المملكة المتحدة العمالي السابق والذي خبر الأزمة الإقتصادية العالمية في العام ٢٠٠٨، عن الحاجة إلى حكومة عالمية مؤقتة تُدير العالم في هذا الظرف وتكون قادرة على تشكيل ردّ عالمي على أزمتين عالميتين كبيرتين: الجائحة والأزمة الاقتصادية.

صحيح أن براون قد تحدث عن حكومة مؤقتة ولم يتعرّض إلى أزمة المناخ المُتصاعدة قبل الأزمة الحالية وستستمر بعدها، لكن مجرد ان يتحدّث سياسي بارز من متروبولات الغرب بحكومة عالمية فهذا تعبير عن وعي مُستجد في ذهنية الدول الرأسمالية.

فأقصى ما ذهبت إليه هذه الدول كان مفهوم العَولمة الذي استند إلى التفوّق الإقتصادي، والقدرة على الإختراق الثقافي بما يضمن استمرار تفوّق الدول القومية العظمى.

كيف يُمكن مواجهة عدوٍ للبشرية جمعاء بمؤسسات تُميّز على أساس العرق والدين والجغرافيا؟ لقد فتحت الجائحة أعين البشرية على أسئلة من نوع جديد. أسئلة تتصل بحَوكَمة هذا العالم الذي تتفلت دوله القومية من مسؤولياتها تجاه الأرض الأم، كيف يُمكن لمؤسسات تُعظّم الأنانية القومية أن تتصرّف بقضايا تُعنى بالمشتركات العالمية؟ كيف يُمكن لمؤسسات سياسية تعمل لمصلحة عالم الشركات العابرة للقارات والساعية إلى تعظيم الثروة والربح أن تُنفق من الضرائب على هذه الثروة، أو تحجيم طاقة هذه الشركات على التعظيم في سبيل المُشتركات الإنسانية غير القومية؟

إن سياسات “قوميتي اولاً” على غرار “أميركا أولاً” التي أطلقتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتخبّط بين القوميات الذي يُعاني منه الإتحاد الأوروبي بعد الجائحة، كلّها تدل على الأزمة غير المسبوقة للدولة القومية.

لم يلعب مجلس الأمن الدولي دور حامي المصالح الكونية لجنس البشر، بل كان على الدوام مركز تسويات بين الأمم العظمى تفرضها موازين قوى الحروب الإقتصادية والعسكرية.

إن فشل منظمات ما بعد الحرب العالمية الثانية في وضع أُطُرٍ، وتحقيق إنجازات مُلائمة للمصالح الكونية المُشتركة، يؤكدان أننا نتّجه اليوم بفعل الجائحة والإقتصاد لتغيير نظام الأفكار الذي حكم عالم الدول القومية. كلّنا ضعفاء أمام الأرض الأم وأمام المجهول، وهكذا مجهول لا يرحم ولم ولن يرحم.

الحكومة العالمية آتية والدول القومية أمام امتحانٍ عسير.

نشر اولاً في مجلة أسواق العرب اللندنية: الرابط

للأشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

د. بيار بولس الخوري ناشر الموقع

الدكتور بيار بولس الخوري أكاديمي وباحث ومتحدث بارز يتمتع بامكانات واسعة في مجالات الاقتصاد والاقتصاد السياسي، مع تركيز خاص على سياسات الاقتصاد الكلي وإدارة التعليم العالي. يشغل حاليًا منصب عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا وأمين سر الجمعية الاقتصادية اللبنانية. عمل خبيرًا اقتصاديًا في عدد من البنوك المركزية العربية. تخصص في صناعة السياسات الاقتصادية والمالية في معهد صندوق النقد الدولي بواشنطن العاصمة، في برامج لصانعي السياسات في الدول الاعضاء. يشغل ايضا" مركز أستاذ زائر في تكنولوجيا البلوك تشين بجامعة داياناندا ساغار في الهند ومستشار أكاديمي في الأكاديمية البحرية الدولية. ألّف أربعة كتب نُشرت في الولايات المتحدة وألمانيا ولبنان، تناولت تحولات اقتصاد التعليم العالي وتحديات إدارته، منها كتاب "التعليم الإلكتروني في العالم العربي" و"التعليم الجامعي بموذج الشركنة". نشر أكثر من 40 بحثًا علميًا في دوريات محكمة دوليًا،. يُعد مرجعًا في قضايا مبادرة الحزام والطريق والشؤون الآسيوية، مع تركيز على تداعياتها الجيوسياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط. أسس موقع الملف الاستراتيجي المهتم بالتحليل الاقتصادي والسياسي وموقع بيروت يا بيروت المخصص للأدب والثقافة. أطلق بودكاست "حقيقة بكم دقيقة" على منصة "بوديو"، ليناقش قضايا اجتماعية واقتصادية بطريقة مبسطة. شارك في تأليف سلسلتين بارزتين: "الأزرق الملتهب: الصراع على حوض المتوسط"، الذي يحلل التنافسات الجيوسياسية حول موارد البحر المتوسط، و"17 تشرين: اللحظة التي أنهت الصفقة مع الشيطان"، وهي مجموعة دراسات ومقالات عميقة حول انتفاضة لبنان عام 2019، والمتوفرتان على منصة أمازون كيندل. لديه مئات المقابلات في وسائل إعلام محلية عربية وعالمية مقروءة ومتلفزة، حيث يناقش قضايا الاقتصاد اللبناني والأزمات الإقليمية والشؤون الدولية. يكتب مقالات رأي في منصات إلكترونية رائدة مثل اسواق العرب اللندنية كما في صحف النهار والجمهورية ونداء الوطن في لبنان. يُعتبر الخوري صوتًا مؤثرًا في النقاشات حول مسيرة اصلاح السياسات الكلية وسياسات محاربة الفساد والجريمة المنظمة في لبنان كما مسيرة النهوض بالتعليم والتعليم العالي وربطه باحتياجات سوق العمل. لديه خبرة واسعة في دمج تطبيقات تكنولوجيا البلوكتشين في عالم الاعمال ومن اوائل المدافعين عن الصلاحية الاخلاقية والاقتصادية لمفهوم العملات المشفرة ومستقبلها، حيث قدم سلسلة من ورش العمل والتدريبات في هذا المجال، بما في ذلك تدريب لوزارة الخارجية النيجيرية حول استخدام البلوك تشين في المساعدات الإنسانية وتدريب الشركات الرائدة في بانغالور عبر جامعة ساغار. كما يمتلك أكثر من 30 عامًا من الخبرة في التدريب وإدارة البرامج التدريبية لشركات ومؤسسات مرموقة مثل شركة نفط الكويت والمنظمة العربية لانتاج وتصدير النفط OAPEC. يجمع الخوري بين العمق الأكاديمي، فهم البنى الاجتماعية-الاقتصادية والاستشراف العملي، مما يجعله خبيرا" اقتصاديا" موثوقا" في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى