اجتماع

حوار الحضارات ام غزو ثقافي؟ | علي الهماشي

لنفرق بين الحوار والغزو الثقافي للمجتمع .
لابد لنا من اثبات حقيقة واضحة أن مجتمعنا يخضع لارهاصات ويواجه تيارات فكرية عقائدية متعددة تتجه باتجاهات متعاكسة ومتباينة بعضها مع بعض .
قد نجد بعضها ممولة وتسير بطريقة منظمة وتتبع اليات التغيير الاجتماعي وتستخدم ادوات متعددة،وبعضها عشوائية نوعا ما تجد لها صدى في بعض المواقع من مجتمعنا،وفي مقطع زمني ما ،لكنها سرعان ما تتبخر ولايُعاد ذكرها .
والتساؤل هل نتعرض لغزو ثقافي أم لا؟
وقبل أن نجيب لنعرف معنى الغزو القافي أو الفكري فاغلب التعريفات تتجه الى أنه ” كافة الجهود أو الممارسات التي تبذلها أُمة ما بحق أُمة أُخرى للوصول الى السيطرة أو الاستيلاء عليها بطريقة غير عسكرية وهي غزوها ثقافياً أو فكرياً وهو ما يؤدي إلى إلغاء شخصيتها وموروثها الثقافي “.
مع الملاحظات الكثيرة على هذا التعريف إلا أنه هو التعريف السائد للغزو الثقافي ،ويبدو أنه تعريف خاص بالمجتمع العربي بشكل خاص أو بالمجتمع الاسلامي بشكل عام .
وهنا نرى أننا اُشبعنا بأفكارالتحصين والتمترس والخوف من الاخر أو ماهو جديد بحجة الغزو الفكري والثقافي والنيل من القيم الاصيلة التي نؤمن بها.
ولم تكن هذه التحذيرات موجودة في زمن قوة الاسلام وانتشار حضارته ،وكان المسلمون يرون الحق في نشر افكارهم وقيمهم باعتبارها انقاذا للانسانية وهو ما نؤمن به .
والتساؤل كم هي العادات التي انتقلت من المجتمعات بعد دخول الاسلام اليها ؟ وبالطبع لم يسمها احد أنذاك غزوا ثقافيا أو فكريا !!.
ربما نسميها اندماجا او ذوبانا لان الاسلام لم يطلب الا التوحيد والايمان بالله ،ولم يطالب الا بتغيير العادات التي تخالف العقيدة .
و ترى بعض الدول في قيمها وافكارها السبيل الانجع للمجتمعات ،وربما تستخدم الوسائل العسكرية أو غير العسكرية ،ولهذا نرى التنظير للديمقراطية ولليبرالية كحلول للمجتمعات التي تبحث عن رقيها واستقرارها كما كان التبشير للشيوعية والاشتراكية قبلها .
فالغزو الثقافي هو الغزو الذي يستهدف قيم الامة ومقدساتها لا موروثاتها
واذا ما اتجهنا الى الاصالة التي تواجه الغزو علينا ان نجد مقومات الصلابة في المجتمع وفي الفرد ومعنى رسوخ الاصالة التي لاتعني الجمود والتحجر بحجة الحفاظ على الموروث، كما انتقدها المرحوم علي الوردي وشبه ما يدافع عن الموروثات بالسدنة !.
وهناك فرق بين القيم الاصيلة والعادات الموروثة ،و التي قد تكون صالحة لزمان دون آخر وهي بالتالي يمكن أن تخضع للتطور والتغيير .
وهكذا يجب أن نفرق بين ما نسميه غزوا او حربا ثقافية فكرية وبين التلاقح الفكري والحوار الثقافي الناتج من تداخل الامم فيما بينها سيما بعد ثورة الاتصالات ، التي تمنع كل انعزال وتجعل من المجتمع المنعزل متخلفا حضاريا!.
ولاشك أن ذلك حدث بسرعة كبيرة بعد انهيار النظام السياسي الديكتاتوري في 2003 جعلت من العادات الموروثة أو تلك التي فُرضت من قبل الديكتاتورية حلت محلها امورا أُخرى،
ولم يستطع النظام الحالي حتى هذه اللحظة فرض قيمه واراءه على كل أجواء أو الفعاليات الاجتماعية ومازلنا نعيش فوضى في المعايير
إننا أمام مواجهة يومية لنفرق بين الامرين(الغزو و الحوار الثقافي ) وهنا لاتستطع الا ان تعيش حالة الاستنفار لتواكب لغة العصر او ذهنية العصر التي هي لغة بحد ذاتها ،وهو ما فسره الراحل العظيم السيد فضل الله حينما تطرق الى تجديد الخطاب الاسلامي وأشكل على بعض العلماء في عدم مواكبتهم وفهمم للذهنية المعاصرة وان كانوا مخلصين في دعوتهم الا انهم قد يضرون الرسالة لانهم لا يفهمون الذهبنية المعاصرة فقال ما نصه ”

ولعلّ مشكلة الكثير من العلماء والمصلحين ـ وهم المخلصون لعملهم ولرسالتهم ـ أنهم يعيشون خارج عصرهم، فبينهم من يعيش في زمن ما قبل الألف عام، ويقرأ الكتب التي ألّفت آنذاك، ما يمثّل تجربة العالم أو المفكّر في ذلك المجتمع، ولكنه لا يدرس الواقع الذي يعيشه مجتمعه الآن. ونحن نعرف أنّ الذهنيّة لغة، فكما أنك لا تستطيع أن تكلّم من يعرف العربية بالإنجليزية، لا يمكن أيضاً أن تكلّم من يعيش ذهنية القرون الوسطى في طريقة تفكيره ومواجهته للأشياء بذهنيّة معاصرة، والعكس صحيح. لذلك، جاء التأكيد في أكثر من حديث، بأن يكون العاقل عارفاً بأهل زمانه. والربط بالعقل يوحي بأنّ من العقل ذلك؛ لأنّ العقل يريد منك أن تندمج في مجتمعك وتحقّق رسالتك فيه، وأن تدخل فكرك إلى عقول المجتمع الّذي يعيش معك، وأن تتحرّك معهم للتكامل معهم”

ولهذا اجد ان المجتمع العراقي لايجد غير المواجهة الواقعية مع كل ما هو جديد ، وعلى قادته من مفكرين ومثقفين وغيرهم أن يضعوا اسس التعامل مع كل هذا الكم الهائل من الضخ اليومي من كل حدب وصوب .
ولابد من تقديم البديل لكي نستطيع إقناع الاخر وإلا فالانهيار القيمي قد يكون هو الواقع السائد في طل التخلي عن المسؤولية أو في ظل عدم القدرة على المواجهة والاقناع بالذهنية المعاصرة .

علي الهماشي

السيّد علي الهماشي، كاتب عراقي

السيّد علي الهماشي، كاتب عراقي مواليد بغداد، له كتابات سياسية عديدة في الشان العراقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى