إقتصاد

مرفأ بيروت “غراوند زيرو” لبناني بقلم البروفسور بيار الخوري

ثمانية عشر عاماً و328 يوماً فصلت بين أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 وانهيار مركز التجارة العالمي، و4 آب (أغسطس) 2020 يوم نكبت نترات الأمونيوم مدينة بيروت وساوت بالأرض أحد أعرق مرافئ العالم البحريّة.

لا تُشبه بيروت نيويورك، ولا يشبه لبنان الولايات المتحدة، وليس من المُحتَمَل أن تكون لنكبة بيروت أية أشكال تداعيات تشبه تلك التي حصلت بعد الحادي عشر من أيلول (سيتمبر).

قوّة التشابه تتجلّى أقلّه في قوّة الفعل في ذاكرةِ الباقين على قيد الحياة، وفي ما شاهدته شاشات العالم من هذا البلد الصغير القابع على واجهةٍ بحريّة صنعت تاريخه وصنعت مآسيه.

وقف الرئيس الأميركي جورج بوش بين مستشاريه يقول ” إبحثوا عن صلة للحدث بصدام حسين”، وكان يمكن لتلك الصلة أن توجد لو لم يقطع أسامة بن لادن شك العالم باليقين بأنَّ تنظيم “القاعدة” هو مَن نفذ هجمات 11 أيلول (سبتمبر).

في الصراعات ينزع صانعو السياسات لتحويل الأزمات إلى فُرص، والفُرص هنا تتعلّق بما يُمكن أن يخدم به أي حدث (حتى لو كان كارثة)، الخطط الكبرى للنزاعات حتى لو لم تأخذ تلك الخطط ذلك الحدث بعين الإعتبار مسبقاً.

هناك حدثٌ قوي جداً في بيروت لا يُشبه في شكله وانطباعه في الذاكرة سوى حدث نيويورك.

يتحوّل حدث مرفأ بيروت الآن إلى ” غراوند زيرو” (أرضيّة برج التجارة المنهار) وهو سيشهد زيارات كثيرة لشخصيات مختلفة في لبنان والعالم، ويُعيد تأكيد قوة الحدث في الذاكرة كلما عرضت ذلك شاشات التلفزة والوسائط الإعلامية.

إستخدام الحدث لا علاقة له على الأرجح بالحدث نفسه، وإطلاق الأحكام على الهواء، يؤكد إلى أين ستذهب الأمور بعد نكبة بيروت.

لبنان بلد فاقد للمناعة قبل حدث المرفأ، تبخّرت ثروات أهله في القطاع الخاص والقطاع المنزلي، دولته عاجزة عن تأمين مصاريفها العاديّة إلا بطبع العملة والتضخّم، تشلّع إقتصاده منذ أزمة شحّ الدولار في العام الماضي وزادت تداعيات وباء الكورونا على انهيار اقتصاده انهياراً إضافياً. وفي الرابع من آب (أغسطس) ضُرب قلب بيروت وضَربت بيروت قلب لبنان. كان لبنان يتنفس من المرفأ واقتصاده يتنفس من العاصمة، فأيُّ مشهدٍ جديد يُمكن تخيّله بعد الرابع من آب (أغسطس)؟

حدثٌ استدعى تأجيل صدور حكم المحكمة الدوليّة في قضيّة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، واستدعى حضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت، كما استدعى تأجيل الأمين العام ل”حزب الله”، السيد حسن نصرالله، لكلمته المُرتَقبة، وهو تأجيل لم يسبق أن حصل قبلاً.

كما قالت الديبلوماسيّة البريطانيّة من المبكر جداً الإستنتاج بشأن ما حدث في بيروت، وربما يكون الرئيس دونالد ترامب مُحقاً حين تحدّث عن ” هجوم” على مرفأ بيروت، وربما تكون أيضاً عمليّة إهمال.

أسئلة كثيرة تُحيط بالحدث ومنها كيف تُخزّن بيروت هذا الكمّ من نترات الأمونيوم على مرأى من المجتمع الدولي من دون إخضاعها لعمليات التفتيش.

الأكيد الآن أنَّ الحدث أعاد خلط كل الأوراق، وأنَّ الأفرقاء المعنيين بالصراع في لبنان وعلى لبنان يُعيدون احتساب قوة أوراقهم بدقّة، والأكيد الثاني أنه كما لم يبقَ العالم بعد 11 أيلول (سبتمبر) كما قبله، كذلك لن يبقى لبنان بعد 4 آب (أغسطس) كما قبله.

هناك توازن قوي جداً في لبنان ومن المبكر الحديث لمصلحة مَن كسرت نكبة بيروت هذا التوازن.

نشر اولاً في مجلة أسواق العرب اللندنية على الرابط التالي اضغط هنا

د. بيار بولس الخوري ناشر الموقع

الدكتور بيار بولس الخوري أكاديمي وباحث ومتحدث بارز يتمتع بامكانات واسعة في مجالات الاقتصاد والاقتصاد السياسي، مع تركيز خاص على سياسات الاقتصاد الكلي وإدارة التعليم العالي. يشغل حاليًا منصب عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا وأمين سر الجمعية الاقتصادية اللبنانية. عمل خبيرًا اقتصاديًا في عدد من البنوك المركزية العربية. تخصص في صناعة السياسات الاقتصادية والمالية في معهد صندوق النقد الدولي بواشنطن العاصمة، في برامج لصانعي السياسات في الدول الاعضاء. يشغل ايضا" مركز أستاذ زائر في تكنولوجيا البلوك تشين بجامعة داياناندا ساغار في الهند ومستشار أكاديمي في الأكاديمية البحرية الدولية. ألّف أربعة كتب نُشرت في الولايات المتحدة وألمانيا ولبنان، تناولت تحولات اقتصاد التعليم العالي وتحديات إدارته، منها كتاب "التعليم الإلكتروني في العالم العربي" و"التعليم الجامعي بموذج الشركنة". نشر أكثر من 40 بحثًا علميًا في دوريات محكمة دوليًا،. يُعد مرجعًا في قضايا مبادرة الحزام والطريق والشؤون الآسيوية، مع تركيز على تداعياتها الجيوسياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط. أسس موقع الملف الاستراتيجي المهتم بالتحليل الاقتصادي والسياسي وموقع بيروت يا بيروت المخصص للأدب والثقافة. أطلق بودكاست "حقيقة بكم دقيقة" على منصة "بوديو"، ليناقش قضايا اجتماعية واقتصادية بطريقة مبسطة. شارك في تأليف سلسلتين بارزتين: "الأزرق الملتهب: الصراع على حوض المتوسط"، الذي يحلل التنافسات الجيوسياسية حول موارد البحر المتوسط، و"17 تشرين: اللحظة التي أنهت الصفقة مع الشيطان"، وهي مجموعة دراسات ومقالات عميقة حول انتفاضة لبنان عام 2019، والمتوفرتان على منصة أمازون كيندل. لديه مئات المقابلات في وسائل إعلام محلية عربية وعالمية مقروءة ومتلفزة، حيث يناقش قضايا الاقتصاد اللبناني والأزمات الإقليمية والشؤون الدولية. يكتب مقالات رأي في منصات إلكترونية رائدة مثل اسواق العرب اللندنية كما في صحف النهار والجمهورية ونداء الوطن في لبنان. يُعتبر الخوري صوتًا مؤثرًا في النقاشات حول مسيرة اصلاح السياسات الكلية وسياسات محاربة الفساد والجريمة المنظمة في لبنان كما مسيرة النهوض بالتعليم والتعليم العالي وربطه باحتياجات سوق العمل. لديه خبرة واسعة في دمج تطبيقات تكنولوجيا البلوكتشين في عالم الاعمال ومن اوائل المدافعين عن الصلاحية الاخلاقية والاقتصادية لمفهوم العملات المشفرة ومستقبلها، حيث قدم سلسلة من ورش العمل والتدريبات في هذا المجال، بما في ذلك تدريب لوزارة الخارجية النيجيرية حول استخدام البلوك تشين في المساعدات الإنسانية وتدريب الشركات الرائدة في بانغالور عبر جامعة ساغار. كما يمتلك أكثر من 30 عامًا من الخبرة في التدريب وإدارة البرامج التدريبية لشركات ومؤسسات مرموقة مثل شركة نفط الكويت والمنظمة العربية لانتاج وتصدير النفط OAPEC. يجمع الخوري بين العمق الأكاديمي، فهم البنى الاجتماعية-الاقتصادية والاستشراف العملي، مما يجعله خبيرا" اقتصاديا" موثوقا" في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى