دولي

العالم بين إدارةِ الوَباء والجيو-لقاح بقلم البروفسور بيار الخوري

يَنشَغِلُ العالم اليوم بتَسارع الإعلان عن قرب التوصل إلى لقاحٍ لوباءِ كورونا المُستَجِد. كانت روسيا أول المُعلنين عن انتهاء المراحل الإختبارية الثلاث قبل اعتماد اللقاح وتوزيعه على المستويين الروسي والدولي. (علماً أن روسيا لم تنشر أي دراسة مُفصّلة عن نتائج التجارب التي سمحت لها بتأكيد فاعلية اللقاح).

الولايات المتحدة الأميركية بدورها اعلنت انها في المراحل الأخيرة قبل اعتماد اللقاح. لقد بلغ حجم الإستثمار الأميركي الهادف لجعل الشركات الأميركية تُسيطر علي براءات الإختراع المُرتبطة باللقاح حوالي خمسة مليارات دولار أميركي.

أوروبا من ناحيتها تبدو الأضعف قومياً في القدرة على احتكار لقاحٍ خاص بدولة كون معظم المختبرات ومراكز الأبحاث الصحية قد باتت مُباعة أو مؤجِّرة خدماتها لشركات دولية.

أما الصين، وهي الدولة التي امتلكت سَبَق الأبحاث حول هذه العائلة من الأوبئة منذ ظهور “سارس” في العام 2002 حيث احتفظت الشركة الصينية “سينوفاك” التي عملت على إيجاد لقاحٍ لسارس بكفّي التطورات والإستنتاجات البحثية والتي لم يتم تحويلها إلى لقاحٍ بسبب انحسار سارس سريعاً حيث حصد 774 ضحية (في جميع أنحاء العالم) مع نهاية 2003، وهو رقمٌ متواضع جداً بالمقارنة مع ضحايا كورونا حتى الآن.

لذلك شرعت شركتا “سينوفاك” و”سينوفارم” في إعادة تنزيل ملفاتها وأبحاثها والإنطلاق من نقطة مُتقدّمة، وهي ميزة لم تتوفّر لشركات البحث في البلدان الأخرى. وقد شارفت اليوم المرحلة الثالثة للقاح كورونا المستجد بنسخته الصينية على الإنتهاء من ضمن جهد اختباري عالمي أدارته الصين مع العديد من الدول الراغبة في أن تكون شريكة في إنتاج هذا اللقاح، والإستفادة لاحقاً من منافع تحصين شعوبها به من دون الإضطرار إلى الخضوع للأسعار الإحتكارية للشركات المُتوَقَّع ان تنتج اللقاح في الغرب.

لقد بدأت “سينوفاك” إختبارات واسعة خارج الصين. فمنذ حزيران (يونيو) عقدت الشركة اتفاقاً مع عملاق الأدوية البرازيلي معهد “بوتانيك” لتطبيق الإختبار على أكثر من 9,000 شخص يعملون في القطاع الصحي البرازيلي. ستقوم “بوتانيك أيضاً بتأمين متطوعين إضافيين لاختبار اللقاح. مقابل ذلك سوف تحصل البرازيل على ستين مليون لقاح من “سينوفاك”، وكذلك سوف تضمن “بوتانيك” حق إنتاج هذا اللقاح محلياً. لنلاحظ انه كان يمكن للولايات المتحدة ان تكون المكان المثالي لهذا النوع من الإختبارات، لكن الصراع الجيوستراتيجي مع الصين يمنع ذلك حتماً.

الإمارات العربية المتحدة وضمن مبادرة “لقاح من أجل الإنسانية” تقوم بالشراكة مع “سينوفارم” الصينية بهذه الإختبارات. وأخيراً إنضمّت المملكة الأردنية الهاشمية إلى هذه المبادرة حيث تم افتتاح مركز خاص في عمّان لهذا الغرض. ومن المتوقّع أن تُباشر مملكة البحرين بإجراء الإختبارات على أراضيها. كذلك اعلن الزعيم الصيني، شي جين بينغ، عن استعداد بلاده لانتاج اللقاح في المملكة المغربية في اتصال مع العاهل المغربي الملك محمد السادس، أجراه قبل يومين.

مع نجاح المرحلة الثالثة من الإختبارات، سوف ننتقل من مرحلة إدارة الوباء على الصعيد العالمي إلى مرحلة السيطرة والقضاء عليه. وقريباً سيدخل في قاموسنا تعبيرٌ جديد يُضاف الى مثلث “الجيو” (الجيو-سياسة، الجيو-ستراتيجيا، والجيو-اقتصاد) إسمه الجيو-لقاح.

علينا ان نُساهم في الجهود الإختبارية الآيلة إلى إنتاج اللقاح، لأن ذلك وحده كفيلٌ بأن لا يجعلنا عبيداً لجيو-لقاحٍ غربي في لبنان كما باقي الدول العربية التي يُهدد فيروس كورونا المُستجدّ شعوبها واقتصاداتها، والمُسارَعة للإنضمام إلى هذه الإختبارات تماماً كما تفعل اليوم الإمارات والأردن والبحرين والمغرب.
نشر المقال أولا في اضغط هنا

د. بيار بولس الخوري ناشر الموقع

الدكتور بيار بولس الخوري أكاديمي وباحث ومتحدث بارز يتمتع بامكانات واسعة في مجالات الاقتصاد والاقتصاد السياسي، مع تركيز خاص على سياسات الاقتصاد الكلي وإدارة التعليم العالي. يشغل حاليًا منصب عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا وأمين سر الجمعية الاقتصادية اللبنانية. عمل خبيرًا اقتصاديًا في عدد من البنوك المركزية العربية. تخصص في صناعة السياسات الاقتصادية والمالية في معهد صندوق النقد الدولي بواشنطن العاصمة، في برامج لصانعي السياسات في الدول الاعضاء. يشغل ايضا" مركز أستاذ زائر في تكنولوجيا البلوك تشين بجامعة داياناندا ساغار في الهند ومستشار أكاديمي في الأكاديمية البحرية الدولية. ألّف أربعة كتب نُشرت في الولايات المتحدة وألمانيا ولبنان، تناولت تحولات اقتصاد التعليم العالي وتحديات إدارته، منها كتاب "التعليم الإلكتروني في العالم العربي" و"التعليم الجامعي بموذج الشركنة". نشر أكثر من 40 بحثًا علميًا في دوريات محكمة دوليًا،. يُعد مرجعًا في قضايا مبادرة الحزام والطريق والشؤون الآسيوية، مع تركيز على تداعياتها الجيوسياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط. أسس موقع الملف الاستراتيجي المهتم بالتحليل الاقتصادي والسياسي وموقع بيروت يا بيروت المخصص للأدب والثقافة. أطلق بودكاست "حقيقة بكم دقيقة" على منصة "بوديو"، ليناقش قضايا اجتماعية واقتصادية بطريقة مبسطة. شارك في تأليف سلسلتين بارزتين: "الأزرق الملتهب: الصراع على حوض المتوسط"، الذي يحلل التنافسات الجيوسياسية حول موارد البحر المتوسط، و"17 تشرين: اللحظة التي أنهت الصفقة مع الشيطان"، وهي مجموعة دراسات ومقالات عميقة حول انتفاضة لبنان عام 2019، والمتوفرتان على منصة أمازون كيندل. لديه مئات المقابلات في وسائل إعلام محلية عربية وعالمية مقروءة ومتلفزة، حيث يناقش قضايا الاقتصاد اللبناني والأزمات الإقليمية والشؤون الدولية. يكتب مقالات رأي في منصات إلكترونية رائدة مثل اسواق العرب اللندنية كما في صحف النهار والجمهورية ونداء الوطن في لبنان. يُعتبر الخوري صوتًا مؤثرًا في النقاشات حول مسيرة اصلاح السياسات الكلية وسياسات محاربة الفساد والجريمة المنظمة في لبنان كما مسيرة النهوض بالتعليم والتعليم العالي وربطه باحتياجات سوق العمل. لديه خبرة واسعة في دمج تطبيقات تكنولوجيا البلوكتشين في عالم الاعمال ومن اوائل المدافعين عن الصلاحية الاخلاقية والاقتصادية لمفهوم العملات المشفرة ومستقبلها، حيث قدم سلسلة من ورش العمل والتدريبات في هذا المجال، بما في ذلك تدريب لوزارة الخارجية النيجيرية حول استخدام البلوك تشين في المساعدات الإنسانية وتدريب الشركات الرائدة في بانغالور عبر جامعة ساغار. كما يمتلك أكثر من 30 عامًا من الخبرة في التدريب وإدارة البرامج التدريبية لشركات ومؤسسات مرموقة مثل شركة نفط الكويت والمنظمة العربية لانتاج وتصدير النفط OAPEC. يجمع الخوري بين العمق الأكاديمي، فهم البنى الاجتماعية-الاقتصادية والاستشراف العملي، مما يجعله خبيرا" اقتصاديا" موثوقا" في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى