ما يفعله ترامب نموذج للسياسة الأميركية في العالم كتب أكرم ناظم بزي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
ما يفعله ترامب حالياً مع الأميركيين قد يكون أقرب مثال عما تفعله أميركا مع العالم أجمع، فاتهامه للنظام الانتخابي الأميركي بالتزوير والكذب والخداع، وعدم اعترافه بهزيمته أمام الرئيس المنتخب جو بايدن وتصرفاته التي تنم عن صلفه وغروره ورعونته هي مصداق حقيقي لما تمارسه الولايات المتحدة الأميركية لتنفيذ مخططاتها في العالم أجمع واذا لم تنفع هه الأساليب تلجأ الى الحروب إما بالوكالة أو مباشرة.
تقول ماري ترامب، ابنة شقيق الرئيس ترامب: “كذب علنا أكثر من 20 ألف مرة، وخالف بشكل متهور كل النصائح بشأن التصدي لكورونا وعرّض مواطنين للخطر من خلال مهاجمتهم على تويتر لأنهم انتقدوه، وأثبت أنه غير قادر على تحمل المسؤولية ولا يظهر أي تعاطف ولا يعترف بالخسارة أو الهزيمة”. وماري ترامب التي اوردت الكثير من الروايات المثيرة عن عمها لم تكن الأولى التي تتحدث عن شخصية ترامب المثيرة للجدل، سبقها في ذلك آخرون لعل أهمهم الكاتب الصحفي المخضرم بوب وودورد في كتابين وأيضا باربرا ريس التي عملت لفترة طويلة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وجون بولتون مستشاره الثالث للأمن القومي سابقاً.
ووفقاً لمجلة فانيتي فير، فان ترامب قد يقوم بحجز نفسه داخل المكتب البيضاوي ويرفض الخروج وأن يتمسك بمنصبه لحين فصل المحكمة العليا في قضية اتهام حملته الانتخابية بوجود تزوير في عملية فرز الأصوات الواردة عبر البريد وخصوصاً في بنسلفانيا وهو الأمر الذي يرفضه حتى قادة في الحزب الجمهوري. لكن الخشية تتصاعد من طبيعة رد فعل أنصار ترامب، خاصة وأن الكثيرين منهم يجوبون شوارع عدة ولايات يحملون أسلحة نارية مختلفة، ولا يُعلم حتى الآن ما الذي يمكن أن يفعلوه إن علموا أن ترامب يريد ان يحتجز نفسه في البيت الأبيض ويرفض الخروج وأنه قد يتم إخراجه عنوة على أيدي الحرس الوطني.
وقالت صحيفة “ميرور” البريطانية: إن “ترامب سيحصن نفسه في المكتب البيضاوي، لافتة إلى أن وسائل إعلام أمريكية أكدت أنه سيحاصر نفسه داخل البيت الأبيض. وأشارت الصحيفة إلى أن ترامب تعهد بإحالة الانتخابات إلى المحاكمة، لأنه “تعرض للغش”، مؤكدة في الوقت ذاته أنه “لا يوجد دليل على أي تزوير واسع النطاق للناخبين (..)”.
وذكرت الصحيفة أنه بدلا من قبول الهزيمة “بلباقة” كما فعل الرؤساء السابقون، فإن ترامب “سيحارب بكل قوته للبقاء في البيت الأبيض”، منوهة إلى أن “ترامب لم يعد خطاب تنازل، وقال في محادثاته مع الحلفاء في الأيام الأخيرة، إنه لا ينوي التنازل”. ونقلت الصحيفة عن وسائل إعلام أمريكية، بأن “بعض مساعدي ترامب الأكثر اعتدالا، يحاولون إقناعه بفكرة الذهاب بهدوء، من أجل الحفاظ على علامة ترامب التجارية”، مبينة أن “تأجيل الانتخابات التي خسرها ترامب، من شأنها تدمير أعماله وإحباط أي مستقبل سياسي يأمل فيه”.
وقال المتحدث باسم حملة بايدن أندرو بيتس إن “موظفي نائب الرئيس السابق، لم يكونوا قلقين بشأن رفض ترامب مغادرة البيت الأبيض، لأن الأمن سيرافقه ببساطة خارج المبنى”، مؤكدا أن “حكومة الولايات المتحدة قادرة تماما على مرافقة المتسللين خارج البيت الأبيض”.
وذكرت “سي إن إن” أن نائب الرئيس، مايك بنس، الذي لم يُرَ منذ الساعات الأولى، يقوم بدوره في استرضاء ترامب من خلال التماس الأموال لصندوق دفاعه القانوني. وأشارت الشبكة إلى أن ترامب أمضى، وقته، غاضبا ومحبطا، يشاهد التلفاز بينما لا يدافع عنه المزيد من الناس على موجات الأثير. وفي بيان مكتوب، أشار ترامب إلى نيته مواصلة خوض معركة قانونية. والمضحك أن الرئيس ترامب يريد أن يتابع معركته إذ قال: “لم يعد الأمر يتعلق بأي انتخابات. هذا يتعلق بنزاهة عملية الانتخابات برمتها. سنواصل هذه العملية من خلال كل جانب من جوانب القانون لضمان ثقة الشعب الأمريكي في حكومتنا. لن أتخلى عن القتال من أجلكم ومن أجل أمتنا”.
ونقلت “سي إن إن” عن مصدر مطلع على بعض النقاشات القانونية وراء الكواليس إن الرئيس بدأ يخبر المستشارين أنه قد لا يتمكن من تحقيق انتصار بعد التراجع. ولكن حتى مع اعتراف ترامب لبعض الحلفاء، فإنه يدرك أن الحسابات الانتخابية لن تعمل لصالحه. وقال مصدر مقرب من الرئيس “إنه في حالة قتال. ويعتقد أن القتال في صالحه”. وتابعت “الآن، يعمل الأشخاص من حول ترامب على تحديد من قد يكون قادرا على إيصال الحقيقة الصارخة إليه. كان هناك حديث عن احتمال وجود جاريد كوشنر أو إيفانكا ترامب”.
الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، يعتقد أن البلاد تسير على “مسار خطير” بحسب تعبيره، كما هاجم أعضاء الحزب الجمهوري لوقوفهم مع الرئيس ترامب في مزاعمه بشأن تزوير الانتخابات الرئاسية.
وفي أول مقابلة تلفزيونية له منذ الانتخابات، تحدث أوباما إلى برنامج “60 دقيقة” على شبكة “سي بي إس” الأمريكية حول “المزاعم التي لا أساس لها من الصحة الصادرة عن حملة ترامب بأن الانتخابات سُرقت منهم”. و”يبدو أنهم متحمسون جزئيا لأن الرئيس لا يحب أن يخسر ولا يعترف بالخسارة”. وأضاف: “أنا منزعج أكثر من حقيقة أن المسؤولين الجمهوريين الآخرين يسيرون على نفس نهج ترامب، وتلك خطوة أخرى في نزع الشرعية ليس فقط من إدارة جو بايدن القادمة، ولكن من الديمقراطية بشكل عام. وهذا طريق خطير”.
قلت في مقال سابق ارتبط البحث عن كلمة “أحمق” في محرك البحث الشهير غوغل بصورة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إذ بحث المستخدمون عن الكلمة أكثر من مليون مرة. وسأله أعضاء مجلس النواب الأمريكي فقال: إن كلمة “أحمق” هي الآن أكثر كلمات البحث رواجا في الولايات المتحدة. وطرحت عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري، زوي لوفغرين، سؤالا: “لماذا يعطي البحث عن كلمة “أحمق” صورا من بينها صورة الرئيس ترامب”؟
هذه هي انتخابات أكثر “الديموقراطيات عراقة” في العالم أجمع، باعتراف رئيسها أنها تزوير في تزوير وفاقدة للمصداقية، لا بل ذهب الى اتهام النظام بأكمله بالكذب والبهتان لاسقاطه… سميتها فيما سبق بـ “ديموقراطية الهمبرغر”، فنتائج الانتخابات غالباً ما تقررها الدولة العميقة في الولايات المتحدة (الصهيونية المسيحية ومن روادها الرئيس رونالد ريغان وجورج بوش)، وليست صناديق الاقتراع وهرولة العالم للتصويت ما هي الا صور براقة لاشغال العالم والميديا بها. ولو لم يكن الرئيس ترامب على علم بما جرى في السابق وما يجري الآن لما قال هذا الكلام بصرف النظر عن شخصيته التي لا تقبل الهزيمة.
هذه حقيقة وليست خيال أن ما يجري الآن في البيت الأبيض وواشنطن صورة للسياسة الأميركية في العالم أجمع وما أظهره ترامب خلال ولايته (أربع سنوات) من طريقة تعامل لا تليق بناظر حظيرة وليس برئيس أقوى دولة في العالم تمثل نموذجاً واقعياً وحقيقياً عن الألاعيب والخداع وحياكة المؤامرات والبلطجة والترهيب والترغيب والعقوبات الخ… هذه هي حقيقة السياسة الأميركية فعلى الذين يركنون ويهللون لهذه السياسة في منطقتنا أن يرعووا ويحذروا، وإلا سينطبق عليهم المثال القائل: “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”، لأننا في هذه المنطقة لسنا سوى أرقام في حسابات الربح والخسارة.
)المصادر: ميرورو البريطانية، سي.بي.سي.، سي أن أن, بي بي سي، العربي، DW)