الاحتباس الحراري يدمر إنتاجية البشر والإقتصاد
تؤثًر ظاهرة الإحترار العالمي وتغيّر المناخ على كل بلد في كل قارة. فهي تُلحق الخسائر بالإقتصادات الوطنية، وتُهدّد الأرواح، وتُكلّف الأفراد والمجتمعات والبلدان أثماناً غالية اليوم وغداً. وهذه القضية لطالما حذّرت منها تقارير علمية وبيئية منذ القرن الماضي بعد تفاقم هذه الظاهرة بمعدلات خطيرة.
تفيد دراسة نُشِرت حديثاً في مجلة ” نايتشر” البريطانية أن البشر يُشكلون نسبة 99.99% من الأسباب التي تؤدّي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض. ويقوم البشر بحرق الوقود الأحفوري مثل النفط والفحم والغاز، ما يُطلق ثاني أوكسيد الكربون (CO2) في الغلاف الجوي للأرض والمحيطات، وهو غاز الدفيئة الأكثر مسؤولية عن الإحترار.
وفي 16 كانون الاول (ديسمبر) 2018 زوّد ممثلو نحو 200 دولة في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ، الذي انعقد في كاتوفيتسه البولندية، إتفاق باريس للمناخ، المُبرَم في العام 2015 لمواجهة ظاهرة التغيّر المناخي، بأدواتٍ لتنفيذه، لكن من دون أن يقطعوا وعوداً بمزيد من الخطوات والسرعة ضد ارتفاع حرارة الأرض. ولطالما أرّقت وأقلقت فكرة تجريم الأنشطة الصناعية المُسبِّبة لارتفاع درجة حرارة الأرض عبر انبعاثات الكربون الدول الغنية التي تخشى من الإضطرار إلى دفع فواتير باهظة في المستقبل. من دون أن ننسى أن “بروتوكول كيوتو”، الذي وُقّع في العام 1997، وضع حصصاً (كوتا) تُحدد نسبة الخفض لكل دولة من الدول المتقدمة المسؤولة عن 75% من الإنبعاثات الغازية، كما شمل أيضاً الدول النامية على الرغم من أن الإنبعاثات الغازية الناتجة عنها تكاد لا تُذكر.
وقبل المؤتمر بأسبوع إعترضت كلٌّ من الولايات المتحدة وروسيا والسعودية والكويت على تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بقضية تغيّر المناخ وتوصياته، والذي يدعو إلى تقليل معدل إرتفاع درجة الحرارة عالمياً إلى أقل من 1.5 درجة مئوية.
يشرح جيمس هانسن، وهو من أكبر علماء المناخ، لماذا يجعله الوضع الحالي قلقاً للغاية حول المستقبل: “إن مجموع إختلال التوازن الطاقي الآن هو حوالي ستة أعشار واط للمتر المربع الواحد، وتُعادل تفجير 400,000 قنبلة من التي وقعت على هيروشيما كل يوم لمدة 365 يوماً في السنة. إن اردنا حفظ توازن المناخ، فعلينا تخفيض ثاني أوكسيد الكربون من 391 جزءاً في المليون الى 350 جزءاً في المليون”.
ويُحذر تقرير أميركي صدر في تشرين الثاني (نوفمبر) 2018، من آثار التغيّر المناخي السلبية حالياً على الإقتصادَين الأميركي والعالمي، مما يؤدي الى تفاقم الوضع ما لم تُتَخذ إجراءات لخفض انبعاثات الغازات المُسبّبة للدفيئة.
وبالعودة الى العلاقة الوثيقة بين الإقتصاد والمناخ، نجد أن العلماء الإقتصاديين لم يُقدّموا دراسات وافية عن مدى تأثر الطبيعة بالأسواق والسلوك الإقتصادي، الى أن حمل العام 2018 جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية لكل من “بول رومر” (Paul M. Romer) و”وليم نوردهوس” (William D. Nordhaus)، حيث أصبح نوردهوس أول شخص يُقدّم نماذج بسيطة ديناميكية وكمية للنظام الإقتصادي العالمي للمناخ، وتسمى بنماذج التقييم المتكاملة (IAMS). وتُقدّم أفضل الحلول وسياسات التدخل العالمية للحد من تأثير النشاط الإقتصادي على المناخ .
بدوره يرى “سولومون شيانغ” دكتور السياسات العامة في جامعة بيركلي الأميركية، والذي سبق أن نشر بحثه على موقع “نايتشر” في العام 2015: “إن التعرّض لدرجات الحرارة المرتفعة له عواقب وخيمة ومُدمّرة على الإنتاجية الإقتصادية الحالية، ولن تتفاقم هذه العواقب وتزداد سوءاً مع استفحال مشكلة التغيّر المناخي فحسب، بل ستؤثر أيضاً سلبياً على العائلات الفقيرة وسكان الدول النامية”.
ووفق تقرير صادر عن الأمم المتحدة في العام 2013، فإن “النصف الشمالي من الكرة الأرضية، كان في الفترة بين العام 1983 إلى العام 2012 الأكثر حرارة على مدار 1400 عاماً مضت”.
من المتوقع أن تصل درجة حرارة الأرض إلى 4 درجات بحلول 2040، ما يعني عتبة الفوضى المناخية، إذ تؤكد تقارير علمية وبيئية أن منطقتنا العربية ستخسر بحلول منتصف هذا القرن 10 في المئة من مواردها المائية، الشحيحة أصلاً، ما يعني تدهوراً بنسبة 60 في المئة بالمحاصيل الزراعية، وذلك بعدما كبّدت ظاهرة الإحتباس الحراري منطقتنا خسائر بقيمة 12 مليار دولار في السنوات الثلاثين الماضية. ويُهدد التلوث والجفاف بتحويل مدن عدة في المنطقة إلى مدن غير صالحة للعيش، إذ سترتفع حرارة الدول العربية ست درجات في نهاية القرن الحالي. فمثلاً ستصل درجة الحرارة في الكويت إلى57 درجة، وفي تونس سيعني ذلك خسائر بقيمة تزيد عن سبعمئة مليون دولار سيتكبدها المزارعون. أما في اليمن فستتجاوز الخسائر أربعة مليارات دولار.
وفي ظل الحرب على الطاقة والإقتصاد والأسواق في العالم ، خصوصاً في ظل ترجيح زيادة إنتاج النفط السعودي لتعويض الفاقد الايراني، وهو الأمر الذي يطالب به الرئيس الاميركي دونالد ترامب، والبلدان يُعدّان أكبر منتجين للنفط، ما يعني زيادة الإنبعاثات. وإذا ربطنا كل ذلك مع برامج وسياسات الدول المُصنَّفة ناشئة أخيراً وفي طليعتها الصين، التي ترغب بأسعار نفط رخيصة من أجل زيادة الإستهلاك لزيادة النمو، كل ذلك يجعل من توقعات محاربة تغيّر المناخ مُنعدمة في المرحلة المقبلة، خصوصاً عندما نعلم أن معظم التقارير الدولية أكّد على أنه لوقف زيادة درجة حرارة الأرض عن معدل درجتين فقط، علينا أن نُبقي 80% من مخزون النفط والغاز تحت الأرض من دون تنقيب.
والسؤال: هل سيأتي يوم نرى فيه الدول التي تحتل المراكز العشرة الاولى عالمياً في إنتاج الوقود الأحفوري وقد قررت التوقف عن إنتاجه والتوجه نحو الطاقة النظيفة – وما أكثر مصادرها- كفرنسا التي تعتزم وقف إنتاج النفط والغاز على أراضيها بحلول العام 2040 — أم أننا سندخل عتبة الفوضى المناخية في العام نفسه مع ما تحمله من مخاطر إقتصادية على الإقتصاد الاميركي والعالمي وبالطبع العربي؟