مستقبل لبنان واعد ومصير السارقين السجن في الوقت المناسب بقلم جون جبر مفرّج
علينا أن نكون فوق كل المصالح والانانيات الشخصية، وإلا سنخسر وطنا لطالما تغنينا به أمام العالم وتغنى به العالم أمام نفسه، ليصبح وطناً طائفياً فقيراً محدوداً كما تخطط له إسرائيل.
المرض اللبناني صعب العلاج. لكن لبنان بلد الحضارة والحريات والتسامح والتعايش والديمقراطية لن يسقط، بل سيشهد قريباً مستقبلاً زاهراً، وعلى الشعب أن يصبر قليلا، لأننا سنشهد بداية نهاية المعاناة في القريب العاجل، علماً أن عراقيل التأليف هي في الحقيقة خارجية لكن بأدوات محلية، ولا يبدو انه في المستقبل سيكون هناك حكومة لأن النقطة الأهم من التأليف هي مَن سيبقى في الحكم ومن سيخرج وهذا هو مستقبل لبنان، فلكل وقت ظروفه ولكل مرحلة ناسها، ومن هنا فإن المجتمع الدولي والإدارة الاميركية بالتحديد لن تسمح لأي فريق بأن يبسط سيطرته على لبنان.
إذا ما إنطلقنا من الاتفاق الاميركي – الروسي الذي أعطى نفوذا لروسيا في سوريا ونفوذا للولايات المتحدة في لبنان وهذا ما صرّحت به على شاشة تلفزيون الـ OTV وفي جريدة “الآفاق الجديدة” العدد رقم 49 في شهر آب 2015، قبل الدخول الروسي الى سوريا، ومن الكميات الهائلة من الغاز الطبيعي الموجودة على الساحل اللبناني الممنوع على السلطة الحاكمة الفاسدة استخراجه، فعلى اللبنانيين أن ينظروا بعين الامل لغد أفضل، على الرغم من فظاعة المحن التي المت بهم وعلى رأسها فظاعة الانفجار الهائل الذي ضرب مرفأ بيروت، وسيتأكد الفاعلون مع الزمن أنهم لم ينجحوا في قتل الحلم والأمل لدى اللبنانيين، حتى لو تبرأوا جميعا من الجريمة، لكنهم في الحقيقة كلهم شركاء في جريمة العصر.
ليعلم حيتان السياسة والمال والصفقات المشبوهة أن لبنان، وإن كان يعيش أزمة اقتصادية واجتماعية حادة، وإن لم يشهد ولادة حكومة في المدى المنظور، إلا أنه غير متروك دولياً، بعد أن يكون سياسيوه قد أنهوا مغامراتهم، فالوضع الحالي هو كالعصفورية يتخبط بها الكل ضد الكل، وكل من الأفرقاء غطى ويغطي الآخر في السرقات التي شارك بها هو نفسه، إلا أنه وبالرغم من المشهد القاتم السواد فإن الأموال المنهوبة ستعود إلى لبنان ليس بفضل السلطة السياسية بل لأن المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة يعرفان أين يتواجد كل دولار من هذه الاموال، لكن ما يبقى هو مسألة التوقيت.
قد يكون من الضروري التذكير بأن الرئيس ماكرون اتهم سياسيي لبنان بأخذ البلد كرهينة، وما قاله أحد مسؤولي البنك الدولي بعد زيارته بيروت أن لبنان أصبح دولة متخلفة، وهذا يشي بدرجة خطورة ودقة الوضع الذي وصلنا إليه، وفيما الكثير من دول المنطقة ورغم مشاكلها السياسية تتقدم في مجال الاصلاح، فلبنان يتراجع في هذا المجال، رغم أنه يملك أهم كادر بشري في المنطقة وربما في العالم.
بالطبع ثمة الكثير من الآليات التي تحقق إستعادة الأموال المنهوبة ، ومن بينها مثلاً الاقتراح الذي قدمته سابقاً، وهو ينص على السماح بعقد إتفاقات بالتراضي مع المشبوهين لإستعادة قسم كبير من هذا المال ، ومثل هذا القانون تعتمده دول كثيرة منها الولايات المتحدة الاميركية نفسها ، كذلك يمكن الإستناد الى القانون الذي أصدرته سويسرا والذي يسمح للسلطات اللبنانية بالإطلاع على حسابات المسؤولين اللبنانيين المشبوهة في المصارف السويسرية، لكن حتى الآن لا يبدو أن السلطات في لبنان مستعدة للقيام بهذه الخطوة.
لا شك أن السلطة السياسية فقدت شرعيتها الشعبية منذ اندلاع ثورة 17 تشرين، في وقت لا يزال الفساد ينخر جسد الدولة وهو منتشر من أعلى … أعلى الهرم في الدولة الى أسفله، لذلك أدعو وزيرة العدل، وهي ابنة عائلة نظيفة، الى الإطلاع على ملفات الفساد التي وثقتها وعددها بالمئات. فلماذا لا ننطلق منها في عملية مكافحة الفساد؟
أما بالنسبة للأزمة الحكومية، فلا يجوز أن يكون التكليف مفتوحاً، حيث بإمكان أي رئيس مكلف أن يأخذنا رهينة هذه النقطة، من هنا أجد أن الدستور مبتور ويجب اعادة النظر به لجهة إدخال التعديلات عليه في ما يتعلق بهذه المسألة، كما وعلى المسيحيين وقف خلافاتهم وتوحيد جهودهم لتعديل الدستور لإعطاء رئيس الجمهورية صلاحيات تسمح له بان يكون قوياً وحاكماً.
بالعودة إلى تفجير المرفأ، لا بد من المطالبة مجدداً بتحقيق شفاف وشامل ودولي لمعرفة ما جرى للآن، المشكلة لا ترتبط بالتفجير فقط، بل بهوية الجهة التي أدخلت نيترات الامونيوم المتفجرة الى بيروت وأبقتها في المرفأ، وبما أنه تم التأكد من أن الكمية التي إنفجرت كانت أقل بكثير من الكمية التي دخلت الى لبنان في الاساس أي 2700 طن، فهذا يعني أن هناك جهات كانت تستخدم هذا الامونيوم أو تسرقه، مع إستبعادنا أن يتمكن التحقيق المحلي في الوصول الى نتيجة في التحقيقات، لسيطرة بعض الأحزاب على الأوضاع السياسية، وهي المتهمة باستقدام هذه المواد، وبالتالي لا بد من الاستعانة بخبرات دولية متطورة للوصول الى الحقيقة التي يستحقها اللبنانيون الذين دفعوا ثمناً غالياً نتيجة هذه الجريمة الفظيعة.
وبعد، من المؤكد أنه لا ثقة بالطبقة الحاكمة السيئة الفاشلة والفاسدة التي اوصلتنا الى ما نحن فيه، فمثلا التقاعس واضح لدى الاجهزة الامنية والقضائية عن إحقاق العدالة ومحاسبة المسؤولين حتى اللحظة عن تفجير المرفأ الذي الحق خسائر بممتلكات اللبنانيين تقدر قيمتها بما يزيد عن 15 مليار دولار، إضافة إلى إقدام هذه السلطة على سرقة المساعدات الإنسانية التي أرسلت الى اللبنانيين، وهنا نؤكد أن مصير هذه الطبقة هو السجن.
فرياض سلامة هو اول الغيث، وهو سبق أن هدد كل من في الطبقة الحاكمة في حال لم يساعده بأنه سيقوم بفضحه، كيف لا؟ وهو خزان أسرار هذه الطبقة السارقة ويعرف حجم الاموال التي سرقها كل واحد منهم، واليوم هو الشخص الأول الذي سيخضع للتحقيق على يد السلطات القضائية السويسرية، وستأتي اللحظة التي سيجد فيها نفسه مضطرا للكشف عن أسرار الجميع، والحقيقة ان السلطات السويسرية ستسير في التحقيقات حتى النهاية، وإلا لما بدأت فيها من الأساس.
نحن نؤمن بمعجزة الصمود التي حققها الشعب اللبناني في أزمنة متعددة وفي حالات مشابهة وأكثر مرارة، إلا أننا نؤمن أيضاً بأن وقوع المعجزة أو حدوثها ليس امراً سهلاً، إلا إذا عزم اللبنانيون يداً واحدة وقلباً واحدً لإنقاذ لبنان الذي ينبغي أن يكون وطنا واحدا موحدا لجميع أبنائه تسوده مبادىء العدل والمساواة، والحوكمة الرشيدة والشفافية، مستعيداً سماته الآنفة الذكر وأن يكون فوق كل المصالح والانانيات الشخصية، وإلا سنخسر وطنا لطالما تغنينا به أمام العالم وتغنى به العالم أمام نفسه، ليصبح وطناً طائفياً فقيراً محدوداً كما تخطط له إسرائيل.