مُقدمة
في البداية لا بُدّ من القول ان “فيروس كورونا” يتسبّب بعلامات واعراض ناتجة عن “إصابة مُباشرة” و”غير مباشرة” في جهاز التنفس والقلب والأوعية الدموية، وهما جهازان لهما كما نعرف دور أساسي مركزي في القيام بأي جهد او اي تمرين رياضي.
ومن هنا اهمية التأكّد من عدم إصابتهما بأي ضرر كبير قبل مُعاودة القيام بأي تمارين رياضية او مباريات رسمية او اية نشاطات رياضية مُحترفة. ونشير أولآ الى ان الفيروس الذي يدخل خلايا الجسم كما نعرف عبر لاقطات” خاصة تسمى لاقطات Angiotensin-Converting Enzyme 2 وهي لاقطات مُهمّة جدًا وتلعب دور كبير في وظيفة القلب والرئتين والكلى وفي عملية المحافظة على توازن الضغط الشرياني والأملاح والسُكّر في الجسم. هذه اللاقطات موجودة كما نعرف في خلايا القلب والأوعية الدموية والرئتين والكلى والأمعاء، وهذا ما يشرح مدى خطورة الفيروس الذي يُصيب كل هذه الأعضاء بأضرار مُختلفة، إضافة الى وصوله الى أعضاء اخرى .
ومن المعروف ايضًا انّ الاضرار القلبية التي يتسبّب بها الفيروس ناتجة عن ثلاثة عوامل أساسية اصبحت معروفة جدًا وهي:
1- “الضرر المُباشر للفيروس” على عضلة القلب بحيث اثبتّت دراسات مُتعدّدة “وجود الفيروس بشكلٍ مُباشر في عضلة القلب” عند الكثير من المرضى الذين اصيبوا بإلتهابات كورونا.
وإنّ هذا الوجود لا علاقة له بدرجة خطورة الإلتهابات، بحيث ان بعض الدراسات اثبتت أن الفيروس قد يُوجد في خلايا القلب عند بعض المرضى الذين أُصيبوا بأشكال خفيفة او مُتوسّطة من إلتهابات كورونا. او حتى عند مرضى لم تظهر عندهم اية أعراض للإصابة بالفيروس. ناهيك طبعًا عن وجوده في خلايا القلب عند المرضى الذين تعرّضوا لحالات خطيرة من إلتهابات عضلة القلب والأشكال والأعراض القلبية الأخرى.
٢- العامل الثاني هو “زيادة نسبة التجلّط والتخثّر في الدم”. وهو عامل ثابت ومهم وقد أصبح معروف لدى معظم كل الخبراء في هذا المجال وهو يلعب دور اساسي في حصول بعض الإختلاطات.
3- العامل الثالث هو “زيادة نسبة الإلتهابات في الدم”، وما تُسبّبه كل المواد التي يفرزها جهاز المناعة في محاولته للتصدّي على غزو الفيروس وإجتياحه لخلايا الجسم. بحيث ان الخبراء تكلّموا كثيرًا عن “الموجات السيتوكينية” التي تُشكّل “ردّة فعل فائقة عن حدود الحاجة” لجهاز المناعة والتي تؤدّي الى أضرار قلبية رئوية وعصبية خطيرة جدًا. أخيرا يجب ان لا ننسى دور عامل أساسي في زيادة المخاطر القلبية، وهو ان مُعظم الأدوية التي يتناولها المرضى خلال فترة العلاج في المستشفى او في ما بعد لها مخاطر قلبية مُباشرة. وهذا قد ما يفاقم من تدهور حالة المرضى لأن ذلك يُشكّل عامل خطر اضافي في تفاعله مع كل العوامل الأخرى السابقة.
الأضرار القلبية لفيروس كورونا
وبالعودة الى تفاصيل الضرر القلبي، فهو ناتج إذًا من الضرر القلبي المُباشر الذي يتسبّب به الفيروس والإنخفاض الكبير في نسبة الأوكسجين في الدم التي تُؤثّر بشكلٍ مُباشر على وظيفة خلايا القلب والى زيادة طلب خلايا عضلة القلب من الأوكسجين والمواد المُغذّية الأخرى تحت تأثير كل الإختلاطات الموجودة ومنها إرتفاع حرارة الجسم وزيادة ضربات القلب وهبوط الضغط الشرياني. اخيرًا وكما ذكرنا يجب ان لا ننسى دور المواد الضارة التي يفرزها جهاز المناعة في محاولته للتصدّي لهجوم الفيروس على خلايا الجسم. اما الأضرار القلبية التي يتسبّب بها الفيروس فهي تشمل مروحة واسعة من الإختلاطات الخطيرة التي تشمل:
1- الذبحات القلبية على انواعها وهي ناتجة عن تشقّق الكتل الدهنية-الكلسية الموجودة داخل جدار الشرايين وهذا ما يتسبّب بحصول إنسدادات كاملة او غير كاملة في الشرايين التاجية للقلب.
2- إضطرابات خطيرة في ضربات القلب قد تكون أحيانًا مُميتة خاصة اذا ما كانت بشكل تسرّع أو رجفان بطيني.
3- إلتهابات مُتنوّعة في عضلة القلب، قد تأخذ ايضًا اشكال متعددة، وقد تكون مخاطرها كبيرة جدًا اذا ما شملت مناطق واسعة من عضلة القلب.
4- الجلطات الرئوية و/ او الوريدية وهي من أهم الأعراض التي نراها خاصةً عند الشباب المُصابين بفيروس كورونا.
5- قصور عضلة القلب والصدمة القلبية وهما ايضًا من الاعراض الخطيرة. وقد يكونان ناتجان عن تفاعل كل العوامل السابقة من ما قد يؤدي الى ضعف في عضلة القلب وهبوط خطير في كمية الدم التي يضخّها القلب في الأوعية الدموية وما يرافق ذلك من أعراض خطيرة.
هل يُسمح للمريض المُصاب بفيروس كورونا المُسبّب لمرض كوفيد-19 بمُمارسة الرياضة ومتى وكيف وفي اية ظروف؟
وبعد مرور كم من الوقت ؟ وما مخاطر ذلك على صحته؟ وما علاقة ممارسة الرياضة أثناء الإصابة بكوفيد-19 بإلتهاب عضلة القلب او بالأحداث القلبية الخطيرة الأخرى ؟ كل هذه الأجوبة وغيرها في سوف تجدونها في هذه المقالة الهامّة التي قسمتها الى جزئين والتي انصحكم جميعًا بالإطّلاع عليها ولو بشكلٍ سريع.سنجيب أولًا عن السؤال ثم ندخل في التفاصيل: يجب على مريض كوفيد-19 وبشكلٍ حازم عدم مُمارسة الرياضة خلال فترة مرضه في كل فترة المرض الحادّ. وهذا ينطبق حتى إذا كان الشخص لا يُعاني من اية أعراض أو لديه أعراض خفيفة او مُتوسّطة الأهمية.أيضًا بعد تعافي المريض من اعراض كوفيد-19 فيجب ان يُمنع المريض من أن يعود إلى برنامجه الرياضي الإعتيادي فجأة ودفعة واحدة، بل يجب ان تكون العودة ببطء وتدريجيًا وبعد إستشارة الطبيب المُعالج للتأكّد من ان الأمور كلها عادت الى طبيعتها وخاصة لناحية الإختفاء الكُلّي لأية آثار للإصابات القلبية.
لماذا؟ دعونا ندخل في التفاصيل..وفقًا للمعطيات المتوافرة لدينا حتى اليوم عن مرض كوفيد-19، فإنه وحتى في حالات المرض الخفيف او حتى المرض الخالي كليًا من اية اعراض قد يتسبّب بحدوث أضرار خطيرة في القلب والرئتين، حتى لو لم تظهر هكذا اعراض او اية اعراض في بداية المرض اي في الفترة الحادّة الأولى من الإصابة التي تتراوح بين ٧ ايام الى ١٠ ايام بشكلٍ وسطي عام في الأشكال الغير خطيرة من المرض.وهناك مُعطيات تُشير إلى أن الفيروس من المُمكن أن يتسبّب في تلف في بعض خلايا عضلة القلب حتى لدى الأشخاص الذين ظهرت عليهم أعراض خفيفة أو متوسّطة او حتى عند الذين لم تظهر عليهم أية أعراض على الإطلاق، خاصة إذا كان هؤلاء الأشخاص يمارسون الرياضة أثناء الإصابة.هذا وقد وثّقت الكثير من الدراسات والمُعطيات حدوث حالات من إلتهاب عضلة القلب (Myocarditis) لدى مرضى كوفيد-19، وهذا تمّ تسجيله أيضًا لدى المرضى الذين كانوا يتمتّعون بصحة جيّدة ولياقة بدنية سابقة والذين عانوا من أعراض خفيفة بسبب الإصابة بكوفيد-19، ولم يحتاجوا لدخول المستشفى.
وإلتهاب عضلة القلب هو احد الأعراض القلبية الرائجة مع فيروس كورونا. وهو احد الإختلاطات القلبية التي تُهدّد الحياة ويصاحبها مجموعة واسعة من الأعراض والإختلاطات القلبية الأخرى التي سوف نُفصّلها في هذه المقالة. وتُعدّ العدوى الفيروسية بشكلٍ عام هي السبب الأكثر شيوعًا لإلتهاب عضلة القلب في البلدان المُتقدمة. وهذا ما ينطبق طبعًا على فيروس كورونا في واقع الحال. لكن المُسبّبات الأخرى لهذه الإلتهابات في عضلة القلب تشمل ايضًا الإلتهابات البكتيرية والأسباب الأوّلية اي غير معروفة المصدر، والسموم المُختلفة والتفاعلات الدوائية وأمراض المناعة الذاتية وغيرها من الأسباب.
تلف الخلايا القلبية والمجذرة التي تتعرّض لها خلال بعض اشكال كورونا
وتؤدّي الإصابة الحادّة إالتهاب عضلة القلب إلى ضرر كبير وتلف الخلايا العضلية (myocyte) في القلب، وهذا ما يقوم بدوره بتشيط الجهاز المناعي، مما يؤدّي إلى التهاب شديد والى خروج بعض البروتينات الموجودة في عضلة القدب الى خارج هذه الخلايا وارتفاع ما نسمّيه بخمائر القلب في الدم (Troponin enzyme) .
وعند معظم المرضى يكون ردّ الفعل المناعي في النهاية خاضعًا للتنظيم، ثم تتعافى عضلة القلب بعد فترة، إلا ان ذلك قد يأخذ فترة طويلة ويتسبب بمخاطر قلبية خطيرة وقد يُهدّد فعليًّا حياة المريض. ذلك، لأن إلتهاب عضلة القلب المُستمرّ احيانًا يؤدّي في بعض الحالات إلى تلف الخلايا العضلية وفشل القلب المصحوب بأعراض حادّة خطيرة تتراوح بين قصور القلب الحادّ بأعراضه المُتعدّدة المعروفة وإضطراباتات كهرباء القلب وقد يوصل ذلك حتى الموت المُفاجئ.
ووفقًا لدراسة نشرت في مجلة الجمعية الطبية الأميركية “جاما” (JAMA) (The Journal of the American Medical Association) فحص الباحثون 100 من الرجال والنساء في ألمانيا الذين كانوا قد تعافوا من كوفيد-19، فوجدوا علامات على وجود إلتهاب في عضلة القلب لدى 78% منهم.
واللافت أن معظم أولئك كانوا يتمتّعون بصحة جيدة، أي لم يكونوا يعانون من حالات مرضية موجودة مسبقًا، قبل أن يصابوا بالعدوى.وفي دراسة أخرى قام علماء من “معاهد غلادستون” (Gladstone Institutes) -ومقرّها في سان فرانسيسكو- في الولايات المتحدة بعدوى خلايا قلبية بفيروس كورونا في طبق اختبار “طبق بتري”، فوجدوا أن فيروس كورونا مزّق الألياف العضلية وتسبّب بحصول أضرار فادحة فيها.
ووصف بروس كونكلين -وهو أحد الخبراء المشاركين في الدراسة- في تصريحات صحفية ما رآه بـ”المذبحة” التي كانت مُختلفة عن أي شيء شوهد مع أمراض أخرى من قبل.ولذلك، فإن ممارسة الرياضة خلال وقت الإصابة بالمرض أو مُباشرة بعد التعافي -وقبل التأكّد وبكل الوسائل التشخيصية المُمكنة والمُتاحة لدى الأطباء – ربما تزيد خطر حصول الإختلاطات التالية:1- حدوث نوبة قلبية نتيجة او ذبحة او إحتشاء في عضلة القلب بسبب وجود إلتهاب غير مُشخّص في عضلة القلب حدث بسبب كوفيد-19.2- حدوث جلطة في القلب أو الرئتين، او في الأوردة، إذ انه ووفقًا لمعطيات ودراسات فإن الإصابة بكوفيد-19 قد ترتبط بزيادة خطر تكوّن جلطات الدم لأنه تزيد معظم عوامل التجلّط والتخثّر في الدم.٥-كيفية وأسباب الإصابات القلبية خلال التهابات كورونا:وبالعودة التفصيلية لأسباب حصول الأضرار القلبية خلال إلتهابات فيروس كورونا يجب ان نذكر العوامل التالية:
1- الإصابة المُباشرة في عضلة القلب حيث تمّ عزل الفيروس في العضلة عند مُعظم من اصابهم الفيروس.
2- موت بعض الخلايا العضلية القلبية نتيجة نقص الاوكسيجين.
3- موت بعض الخلايا القبلية نتيجة تفسّخ الكُتل العصيبية الدهنية-الكلسية والزيادة المُفرطة في عوامل التجلّط والإلتهابات.4- الأضرار الناتجة عن تناول بعض الأدوية والعقاقير التي لها أثار جانبية خطيرة على القلب.
4- إرتفاع حرارة الجسم التي قد يكون لها دور سلبي جدًا خاصةً لناحية امكانية حصول بعض الإضطرابات الكهربائيه القلبية الخطيرة خاصة عند المرضى الذين يوجد لديهم “مُتلازمة Brugada” المعروفة بتسبّبها بإضطرابات خطيرة في ضربات القلب.
5- الدور السلبي الكبير لزيادة عوامل الإلتهابات التي يفرزها جهاز المناعة في الجسم
.6- قصور عضلة القلب والصدمة القلبية وما قد يُصاحبهما من أعراض.
7- إصابة عضلة القلب المُباشرة الناتجة عن التوتر الحاصل “Stress” الذي يُفاقم من حالة تدهور المريض.
ويشار إلى ان هناك إصابات كثيرة في العضلة او في غشاء القلب ويعتبر فحص خمائر القلب في الدم (Troponin level) غير كافٍ اذا كان مُرتفع في الدم لمعرفة حالة المريض، ولذلك علينا اللجوء الى فحص الرنين المغناطيسي لمعرفة خطورة الإصابات في العضلة القلبية.ويُشدّد كل الخبراء على انه في حال الإصابة بإلتهابات في عضلة القلب يجب التوقّف الكامل عن اي نشاط رياضي من ثلاثة الى ستة اشهر من دون المُشاركة في اية مُباراة مُحترفة بسبب المخاطر الناتجة عن ذلك ومن هنا تأتي اهمية التصوير بالرنين المغناطيسي. اما في المرحلة الحادّة للمرض وحتى لو لم تكن هنالك اية مُؤشّرات للإصابة بعضلة القلب فيُمنع إجراء اية رياضة خلال سبعة الى عشرة ايام (وحتى اليوم الرابع عشر) في البداية خلال فترة الأعراض ويمنع بالقيام اي نشاط رياضي خلال فترة اطول اذا كانت هناك إصابة خفيفة فط عضلة القلب.