سيكولوجيا لحس المبرد: لماذا يريد الجمهور سقوط الليرة؟
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
لاحظت تنمر واستهزاء واسع علي بالامس، على مواقع التواصل الاجتماعي، في تعليقات كثيرين بدو غاضبين مني اكثر من غضبهم من ارتفاع سعر صرف الدولار، وذلك في تعليقات على احد المقابلات الصحفيه التي قلت فيها ان الارتفاع الاخير للدولار هو سياسي مدار وليس اقتصادي الجوهر، وانه كما ارتفع الى 15000 ليره فلا يمكن ان نستبعد ان ينخفض بنفس السرعه الى 10000 ليرة وما دون طالما هي عملية مدارة ولا تخضع فقط لعناصر العرض والطلب الاقتصاديين.
بالكثير من الغضب والتهكم اعتبرني البعض من “خبراء المنظومة” وخبير “رينو 12 ” وكثير من الوان لغة السفاف التي تسمح بها المنصات المفتوحة. لا باس هذا يحصل عاده مع الكثير من الناس ممن لا يوافق المتابعون على قراءتهم للامور، وهذا حق لكل فرد ان يبدي رايه كما يشاء مع الحفاظ على المعايير الاخلاقية.
لكن ما حدث معي بالامس زاد شكوك تراودني منذ مدة، حيث يمتلكني احساس بان بعض فئات اللبنانيين يشتهون الانهيار بل يصلون لاجله. دعنا نحاول البحث عن اسباب ذلك.
سوف اقوم في ما يلي بتصنيف بعض الفئات التي تريد للانهيار ان يحصل وذلك بحسب الدوافع:
اولا”: هناك اسباب نفسية لدى الفئة المتشائمة دائما” والتي لا تريد ان تسمع شيء ايجابي، لانها لم تعد تثق بشيء وهي تريد ان تحافظ على توازنها الداخلي المؤسس على نزع الامل من خلال رفض اي اخبار مسممة (ايجابية) قد تؤدي الى وهم التفاؤل.
ثانيا”: هناك افكار سياسية عميقة تقول بان الانهيار الضروري من اجل اعادة بناء السلطة، اذ لم يعد من الممكن التخلص من هذه الطبقة السياسيه الفاسده بدون انهيار كامل للسيستام. لا يمكن التعامل مع اراء هؤلاء بخفة، لانها تتبع مسار كامل في الفكر السياسي القائم على تفضيل التدمير كمقدمه للبناء، وهي فكره تشاركها العديد من المدارس السياسية الكلاسيكية عبر العالم من اليسار الماركسي الى اليمين الراسمالي المتطرف.
ثالثا”: هناك اولئك الذين يخصمون الانهيار في الصراع السياسي ضمن السيستام، اذ يراهنون ان هذا الانهيار سوف يسرع في انهيار اخصامهم الحاكمون او الذين يسيطرون على الحكومه الان، وخاصه حزب الله ( بعض هؤلاء ينتصرون لكرامة الطائفة حتى على حساب الامعاء الخاوية)
لكن في لبنان ما هو اخطر، اذ يتحكم بهذا المزاج مصالح ضيقه جدا تفضل الانهيار الاقتصادي، خاصه اذا كان مفتاحه تحديدا انهيار سعر الصرف. تعالوا نتعرف على بعض انواع هذه الفئه :
اولا: كل المستدينين بالليرة، خاصه ان انهيار سعر الصرف يساهم في تخفيض القيمه الحقيقيه لقروضهم بعملة ثابتة، حين تتم موازنة ذلك مع الخسارة في مداخيلهم يتحولون الى رابحون صافون على المدى القصير. هم لا يفكرون بالامر من زاويه الاثار على المدى البعيد لانهيار سعر الصرف على الدخل والثروه ولذلك هم ضيقي الافق.
ثانيا”: اولئك المقترضين بعملات اجنبيه لاغراض مختلفة (تجارية وشخصية) والذين يسمح لهم القانون الان سداد قيمة ديونهم عند سعر 1500 ليره للدولار (السعر الرسمي).
ثالثا”: كل من عليه متاخرات من ضرائب ورسوم وخلافه والتي يمكن تسويتها بالليره اللبنانيه عند السعر الرسمي. طبعا هذا يوفر حتى الان 90% من الكلفه الحقيقيه لهذه الضرائب والرسوم المتراكمة.
رابعا”: بعض ارباب العمل السطحيون الذين يعتقدون ان المزيد من انخفاض سعر الصرف وسوف يؤدي لمزيد من الوفر في القيمة الحقيقية للاجور والخدمات التي يدفعونها بالليره اللبنانية.
خامسا”: هناك ايضا الفئة التي تقبض بالدولار ( بعض هؤلاء، لسخرية المفارقة، هم من استهدفتهم سياسة اقفال حنفية الدولار على لبنان) او التي تستفيد من تحويلات الاقارب من الخارج بالعملات الاجنبيه. لاحظت هذه الفئة بالتجربة والخطأ ان انهيار سعر الصرف الليرة يعطيهم قوه شرائيه اكبر مقارنه بارتفاع التضخم خصوصا ان هناك العديد من الخدمات التي لا زالت اسعار عند سعر الصرف الرسمي منها المحروقات والكهرباء والهواتف، وهذه فئة اجتماعيه كبيره اليوم في لبنان وهي تتغذى من مفهوم اسمه وهم النقد فيفرحون بان الف دولار كانت تساوي ثمانيه ملايين ليرة قد تضاعف حجمها.
سادسا”: كل المستفيدين الافراد من سعر المنصة (3900 ليرة للدولار) لاسباب تسديد اجور الخدم او غير ذلك، يصرفون الدولار في السوق السوداء ويعيدون شراءه بثلث سعره على المنصة.
سابعا”: تجار البيئة الفاسدة الذين يقومون بتهريب السلع المدعومة من المحروقات الى اللحوم والدواء اذ كلما انهارت الليرة زادت ارباحهم.
يقول الوزير السابق الدكتور عدنان منصور: “احد الأصدقاء، وهو مدير عام لأكبر شركة تصدير للحوم في العالم من أميركا الجنوبية ، اتصل بي ليقول مستهجنا ما الذي يحصل عندكم؟! أحد كبار المستوردين العراقيين من اللحوم توقف منذ اشهر عن الاستيراد من شركتنا، استفسرنا عن ذلك، وكانت المفاجأة، أنهم يقومون حاليا باستيراد اللحوم من لبنان وهم يحققون ارباحا شهرية بعدة ملايين من الدولارات، مستفيدين من سياسة الدعم على اللحوم ومشتقاتها عندكم”. وقس على ذلك
ثامنا”: تجار الارزاق من كل من يعمل في وساطه الصرافه، من الصرافة الرسمية الى حملة الشنطه في الشوارع، والذين تزيد وارزاقهم بالقدر الذي تتدهور مصالح غيرهم على قاعدة مصائب قوم عند قوم فوائد.
من يبقى خارج التصنيف لدية ايضا” اسبابه واخصهم المودعيين بالليرة او الذين يضطرون لسحب مدخراتم على سعر المنصة الذي يبتعد يوميا” عن سعر السوق السوداء وقليلي الحظ الذين لا تغريهم الاسباب الذكورة اعلاه. كل ما اوردته يؤكد ضيق الافق في التعامل مع ازمة الليرة ونظرة قصيرة الامد. مشكلة هذا الجمهور انه لا يفكر في تاثير ذلك على مستقبله الشخصي ويركز على منافع سياسية او شخصية انية ضيقه الافق. وباستثناء الممارسات التجارية الوسخة والتوجيه السياسي، قد لا يؤثر هذا التفكير والسلوك في سعر الصرف مباشرة، لكنه يساهم في خلق بيئه من عدم الثقه المتعمدة لدى افراد غير قليلون في المجتمع طبعا.
“الجمهور عاوز كدا!”